مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - قد يعلم الله المعوقين منكم

منذ 2018-01-04

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)} [الأحزاب] .

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} :

حال المنافق دائماً حال المعوق و المثبط لأهل الإيمان عن البذل في سبيل الله و الدفاع عن حياض الإسلام و الدعوة إلى الله .

أشحة النفس , فلا نفقة و لا بذل بل شح و فزع من أن تنتقص أموالهم أو أعمارهم في سبيل الله , و لو تعرض الإسلام و أهله لمحنة لوجدتهم أول الفارين و قد أصابهم الهلع و اعتراهم التخلي عن دينهم و التخلي عن أهل الإيمان .

فإذا حل الأمن ادعوا الشجاعة و تسلطوا على أهل الإيمان و ارتفعت أصواتهم و زاد نعيقهم .

كل هذا بسبب عدم إيمانهم الباطن على الحقيقة , و الله تعالى أدرى بهم , فلا أجر لهم عنده.

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)} [الأحزاب] .

قال السعدي في تفسيره :

توَّعد تعالى المخذلين المعوقين، وتهددهم فقال: { {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} } عن الخروج، لمن لم يخرجوا { {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ} } الذين خرجوا: { {هَلُمَّ إِلَيْنَا} } أي: ارجعوا، كما تقدم من قولهم: { { يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا } }

وهم مع تعويقهم وتخذيلهم { {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} } أي: القتال والجهاد بأنفسهم { {إِلَّا قَلِيلًا} } فهم أشد الناس حرصًا على التخلف، لعدم الداعي لذلك، من الإيمان والصبر، ووجود المقتضى للجبن، من النفاق، وعدم الإيمان.

{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. { {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} } نظر المغشى عليه { {مِنَ الْمَوْتِ} } من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال.

{ {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} } وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، { {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة} } أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.

وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام، { {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } } الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء اللّه، أو يدعو إلى سبيل اللّه، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه.

{ {أُولَئِكَ} } الذين بتلك الحالة { {لَمْ يُؤْمِنُوا} } بسبب عدم إيمانهم، أحبط الله أعمالهم، { {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } }

وأما المؤمنون، فقد وقاهم اللّه، شح أنفسهم، ووفقهم لبذل ما أمروا به، من بذل لأبدانهم في القتال في سبيله، وإعلاء كلمته، وأموالهم، للنفقة في طرق الخير، وجاههم وعلمهم.

{ {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} } أي: يظنون أن هؤلاء الأحزاب، الذين تحزبوا على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصحابه، لم يذهبوا حتى يستأصلوهم، فخاب ظنهم، وبطل حسبانهم.

{ {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ } } مرة أخرى { {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } } أي: لو أتى الأحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة، ودَّ هؤلاء المنافقون، أنهم ليسوا في المدينة، ولا في القرب منها، وأنهم مع الأعراب في البادية، يستخبرون عن أخباركم، ويسألون عن أنبائكم، ماذا حصل عليكم؟

فتبًا لهم، وبعدًا، فليسوا ممن يبالى بحضورهم { {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } } فلا تبالوهم، ولا تأسوا عليهم.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 2
  • 0
  • 11,351
المقال السابق
قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم
المقال التالي
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً