نظرة الإسلام لغير المسلمين

منذ 2011-05-14

لعل من المهم أن نُدرك طبيعة النظرة الإسلامية إلى النفس الإنسانية بصفة عامة؛ لندرك كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غير المسلمين وكيفية التعامل معهم، وقد فصَّلت هذا الموضوع في كتابي "فن التعامل النبوي مع غير المسلمين"..


لعل من المهم أن نُدرك طبيعة النظرة الإسلامية إلى النفس الإنسانية بصفة عامة؛ لندرك كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غير المسلمين وكيفية التعامل معهم، وقد فصَّلت هذا الموضوع في كتابي "فن التعامل النبوي مع غير المسلمين".


إن النفس الإنسانية بصفة عامة مُكَرَّمَةٌ ومُعَظَّمَة.. وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، قال تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].


وهذا التكريم عام وشامل للمسلمين وغير المسلمين؛ فالجميع مُفضَّلٌ على كثيرٍ مِن خلْق الله، وقد انعكس هذا التكريم العام على كل بندٍ من بنود الشريعة الإسلامية، وهذا واضح في آيات القرآن الكريم، وفي حياة الرسول، وما أروع الموقف الذي علَّمَنا إياه رسول الله عندما مرت به جنازة يهودي!!

فقد روى الإمام مسلم أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ (أي: من مجوس فارس)، فَقَالا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: « أَلَيْسَتْ نَفْسًا ».

ألا ما أروع هذا الموقف حقًّا!!

فقد زرع رسول الله بهذا الموقف في نفوس المسلمين التقدير والاحترام لكل نفس إنسانية على الإطلاق؛ لأنه فعل ذلك وأمر به، حتى بعد علمه أنه يهودي، رغم أن اليهود رأوا الآيات ثم لم يؤمنوا، بل إنهم اعتدوا عليه بشتى أنواع الاعتداءات المعنوية والمادية، ومع هذا فإن رسول الله يقف لجنازة رجلٍ منهم ليس له فضيلة معينة.

إنه الاحترام الحقيقي للنفس البشرية..


ثم إن المسلم يعتقد أن الاختلاف بين الناس أمر حتمي! يقول تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود: 118].

وإذا علمت أن المسلم يعتقد أن الحساب يوم القيامة بيد الله وحده، أدركت أن المسلم لا يفكر مطلقًا في إجبار الآخرين على اعتناق الإسلام، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99].

فمهمة المسلم ببساطة أن يصل بدعوته نقية إلى غير المسلمين، أما ردود أفعالهم تجاه هذه الدعوة فلا يُسأل عنها المسلم ولا يُحاسَب عليها، قال تعالى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ . اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [الحج: 68، 69].

من هذا المنطلق، جاءت أوامر الشريعة الإسلامية الخاصة بالعدل والرحمة والألفة والتعارف، وفضائل الأخلاق، جاءت عامة تشمل المسلمين وغير المسلمين.

ففي شريعتنا الإسلامية تجد قول الله: { وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } [الأنعام: 151]، والنهي هنا عام، يشمل نفوس المسلمين وغير المسلمين؛ فالعدل في الشريعة مطلق لا يتجزأ.

وفي مسألة العفو قال الله: { وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134]، فالعفو من صفات المؤمن، وهو عفوٌ واسعٌ يشمل "الناس" كما ذكر ربنا.


بل أكثر من كل ذلك؛ أنه عندما ذكر أمْرَ العدل المأمور به في الإسلام حضَّ وأَمَر أن يكون العدل حتى مع من نكره من الناس!

قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8].

هذه النظرة غير المتناهية في الأخلاق تفسِّر لنا الأخلاق النبيلة التي كان عليها رسولنا، فقد كان متبعًا للشرع في كل خطوة من خطوات حياته، مع أنه في زمانٍ نَدَرتْ فيه أخلاق الفرسان، وعزَّت فيه طبائع النبلاء.

ويكفيك أن تراجع بعض الأوامر والقوانين في التوراة المحرَّفة التي كانت موجودة في عصر رسولنا - وما زالت إلى زماننا هذا - لتُدرك البون الشاسع بين عظمة التشريع الإسلامي المحكم، وبين الافتراءات البشرية التي دُسَّت بين صحائف التوراة؛ كتخصيص المعاملات الحسنة باليهود وحدهم، وإباحة الموبقات كلها في حق غيرهم؛ وكجرائم القتل والإبادة الجماعية التي نسبوا فعلها لموسى ويوشع بن نون عليهما السلام!

ومع النظرة الإسلامية المتقبلة للاختلاف فإن الرسول كان يرجو الإسلام حتى لألدّ أعدائه، برغم شرورهم ومكائدهم؛ فيقول: « اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ»، فكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب.


إن التاريخ الطويل من الصد عن سبيل الله، وفتنة المسلمين عن دينهم، لم يورث قلب رسول الله شعورًا بالانتقام، أو الكيد أو التنكيل، وإنما شعر بأنهم مرضى يحتاجون إلى طبيب؛ فجاءت هذه الدعوة لهم بالهداية وبالعزة والنجاة؛ لذا كان يحزن حزنًا شديدًا إذا رفض إنسانٌ أو قومٌ الإسلامَ، حتى وصل الأمر إلى أن الله نهاه عن هذا الحزن والأسى.

قال تعالى يخاطبه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، ويقول أيضًا: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8].

ومع شدة هذا الحزن إلا أن الرسول لم يجعله مبررًا للضغط على أحد ليقبل الإسلام، وإنما جعل الآية الكريمة: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، منهجًا له في حياته، فتحقق في حياته التوازن الرائع المعجز؛ فيدعو إلى الحق الذي معه بكل قوة، ولكنه لا يدفع أحدًا إليه مُكْرَهًا أبدًا.

إنها نظرة الرحمة والرعاية لا القهر أو التسلط، وسبحان الذي رزقه هذا الكمال في الأخلاق [1]!


--------------------------------------------------------------------------------

[1] نشر هذا المقال بجريدة الأهرام تحت عنوان "تكريم الإسلام للنفس الإنسانية" بتاريخ 15-1-2011م.


الخميس، 27 / كانون، 2 / يناير 2011 م
 

المصدر: موقع قصة الإسلام

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 8
  • 1
  • 14,575
  • احمد

      منذ
    اه لو سمع غير المسلمين او قراو عن ذلك لا ادرى والله الواحد زين اننا كمسللمين بعيد عن دين ربنا عز وجل الا من رحم الله جزاكم الله خيرا على هذا المقال
  • الشافعى احمد

      منذ
    كيف حالكم يا ائمه بيت الحرام بارك الله فيكم ورضى عنكم بعد ان كتبت لكم الرساله البارحه فى الصباح بالفعل توجهت مباشرتا الى مستشفى الدكتور يحيى ومعى مستلزماتى وما احتاج اليه من مال وملابس والجهاز الذى استمع عليه القران فى اذنى ووصلت الى المستشفى فى المقطم وقابلت الدكتور النبتجى هناك فكان لم ياتى اى دكتور بعد من الدكاتتره الذين اعرفهم وكان لا يعرفنى ولا يعرف اى شىء عنى وعن حالتى فتكلمت معه واخبرته عما سبق لى فقال لى لماذا تريد ان تدخل المستشفى انت سليم امامى فقلت له انا هكذا اجد الراحه وهدوء نفسى وسكينتى فى هذه المستشفى حتى لو كانت كما يسمونها مستشفى المجانين او مصحه نفسيه فهى لا تهمنى المهم اننى اجد الراحه فيها وفى الجلوس فيها فلما وجدنى مصمم على الدخول والحجز فيها ادخلنى وظللت اليوم كاملا بالامس فى المستشفى وبالامس خرجنا بعض المرضى مع اثنان من الدكاتره الى احدى الكازينوهات على المقطم ومكثنا فيه ساعتان وعدنا الى المستشفى بعد ذالك وبالامس نمت نوم لم انمه منذ فتره طويله وفى الصباح وقبل تناول وجبه الفطار جائنى احد الممرضين وقال لى الدكتور يحيى الرخاوى يريد مقابلتك فتعجبت فكنا لازلنا فى الصباح الباكر فقلت انا جاهز فاخذنى وذهبت الى مقابله الدكتور يحيى الرخاوى ودخلت اليه فى حجرته وكان معه دكاتره كثيره تملء الغرفه فقال لى وهو له هيبه ولكنى احبه واحب الحديث معه قال لى مالذى جاء بك الى هنا قلت له انا حياتى طبيعيه انام طبيعى وااكل طبيعيى واعصابى كما ترى الحمد لله ولكن فيها هموم ومشاكل مع من حولى كثيره فاردت ان اخرج من هذا الجو وابعد عنه ولو ليوم واحد فهو يفرق معى كثير ذالك اليوم فابتسم وقال لى ولكن لاتسوء فيها قلت انا ارتاح هنا اكثر من شواطىء شرم والغردقه فقال لى اذا اردت ان تخرج ومللت من هنا فالدكتره تنتظر كلمه منك اخبرهم وتخرج فى ساعتها قلت له انا اريد ان اخرج اليوم ولكن فى المساء سوف اقضى طوال اليوم هنا وفى المساء ان شاء سوف اخرج قال لى وهو كذالك وقد خرجت الليله منذ قليل الساعه الثامنه مساء فضيله الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل وانت يا فضيله الشيخ محمد حسين يعقوب اقسم بالله العظيم لقد عشت بالامس واليوم مع شباب ورجال ونساء ومسنين لا يعرفون اسمائهم ولا اسماء ابيهم لا يعرفون اى شىء فى اى شىء من الجنون الذى هم فيه وهو مرض غصب عنهم منهم النساء التى كانت تصرخ وتولول هكذا وحدها ومنهم الشباب التى تمشى بجوار الحائط تتكلم مع نفسها ومن هذا كثير وكثير ومن ياكل باصابعه العشره ومن يبرق ويبحلق طوال اليوم لا يطرف بعينه نعم جنون وتخلف عقلى ومرضى نفسيين اسئل الله لهم الشفاء والعافيه ولكن يا فضيله الشيخ محمد وانت يا فضيله الشيخ حازم هؤلاء وهم على هذه الحاله من ذهاب وستر العقل نهائيا بنسبه مائه فى المائه لا يعرفون حتى انفسهم لو سئلت احدهم عن اهله وعائلته وهذا مرض وليس عيب يعابون عليه فمنهم طالب فى كليه الطب السنه الثانيه حصل فى الثانويه العامه على 99 وربع فى المائه فى الثانويه العامه كان يمشى امامى يمل رقبته ثم يعدلها ثم يميلها وما رايته جالس طوال الاربعه والعشرين ساعه الا فقط يدور حول منضده وهو يميل راسه ثم يعدلها ولكن مع كل ذالك حياه هؤلاء معيشتهم وهم بهذه الحاله لعلها عند الله افضل واكرم واحب من معيشه اناس وبشر ومسلمين لهم عقول وقلوب لا تزن عند الله حبه خردل وواحد مثل هذا المجنون بحالته هذه بملء الارض من الاخرين فكرامه الانسان ومنزلته وقدره عند الله ليست بوزن بدنياه ولكن بدينه فلو ذهب الدين ذهب هو ايضا معه ولو كان عنده مال قارون او ملك فرعون ياكلون ويتمتعون كما تاكل الانعام والنار مثوى لهم بمنزلتكم عند الله وقدركم وشرفكم وعزكم بوزن دينكم فى قلوبكم واعمالكم اما الدنيا وزينتها وزخارفها فعاريه مسترجه وساعه وتنفض الذى شبع مثل الذى جاع والذى لبس الذهب مثل الذى لبس الخيش الاثنان تركوها فغمسه واحده فى نعيم الجنه تنسى اتعس اهل الارض كل ما عاش طوال حياته فيه وهو خالد فى هذا ابدا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً