لا يضرهم ألا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم

منذ 2018-03-11

ليس شرط أن تكون مشهورا، أو يشار اليك بالأصابع هناك كثير من الناس يبذلون حياتهم للدين، لا يعرفهم أحد، و لكن الله يعرفهم.

لا يضرهم ألا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم

عن أبي بن كعب: أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضوانُ اللهِ عليه قال للهُرمُزانِ ((ملك الفرس)): أمَا إذ فُتَّني بنفسِك فانصَحْ لي ((إذ نجوت مني بنفسك فانصح لي)).

فقال الهُرمُزانُ: نَعم،  إنَّ ((بلاد)) فارسَ اليومَ رأسٌ وجَناحانِ.

قال: فأين الرَّأسُ قال: بنَهَاوَنْدَ ((اسم بلد)) مع بنذاذقانَ ((اسم القائد))، فإنَّ معه أَساورةَ كسرى وأهلَ أصفهانَ.

قال: فأين الجَناحانِ.

فذكَر الهُرمُزانُ مكانًا نسيتُه فقال الهُرمزانُ: فاقطَعِ الجَناحينِ توهِنِ الرَّأسَ ((اي ابدأ بالأطراف في قتال مع الفرس دون المركز)).

فقال له عمرُ رضوانُ اللهِ عليه: كذَبْتَ يا عدوَّ اللهِ، ((علم عمر أنه يخدعه و ينصحه بما فيه مصلحة الفرس و ليس الإسلام)) بل أعمِدُ إلى الرَّأسِ فيقطَعُه اللهُ وإذا قطَعه اللهُ عنِّي انفضَّ عنِّي الجَناحانِ.

فأراد عمرُ أنْ يسيرَ إليه بنفسِه ((أي يخرج ليقاتل مع الجيش بنفسه و هو خليفة المسلمين)).

فقالوا: نُذكِّرُك اللهَ يا أميرَ المؤمنينَ أنْ تسيرَ بنفسِك إلى العَجمِ فإنْ أُصِبْتَ بها لم يكُنْ للمسلمينَ نظامٌ ولكنِ ابعَثِ الجنودَ ((أي إنك إذا سقط سقطت الدولة بأسرها ونظامها)).

قال: فبعَث أهلَ المدينةِ وبعَث فيهم عبدَ اللهِ بنَ عمرَ بنِ الخطَّابِ ((أبنه)).

وبعَث المُهاجرين والأنصارَ، وكتَب إلى أبي موسى الأشعريِّ: أنْ سِرْ بأهلِ البَصرةِ، وكتَب إلى حُذيفةَ بنِ اليَمانِ: أنْ سِرْ بأهلِ الكوفةِ حتَّى تجتمعوا جميعًا بنَهاوَنْدَ ((مركز الفرس الرئيسي))، فإذا أجتمَعْتُم فأميرُكم ((النُّعمانُ بنُ مُقرِّنٍ المُزنيُّ)).

قال: فلمَّا اجتمَعوا بنَهَاوَنْدَ جميعًا أرسَل إليهم قائد الفرس بنذاذقانُ العِلْجُ: أنْ أرسِلوا إلينا يا معشرَ العربِ رجلًا منكم نُكلِّمْه فاختار الناس المغيرةَ بنَ شُعبةَ.

قال أُبي: فكأنِّي أنظُرُ إليه، رجلٌ طويلٌ، أشعَرُ أعورُ، فأتاه.

فلمَّا رجَع إلينا سأَلْناه فقال لنا: إنِّي وجَدْتُ العِلْجَ قد استشار أصحابَهفي أيِّ شيءٍ تأذَنون لهذا العربيِّ ((أجتمع الرس و اتفقوا علي الصورة التي يظهرون بها امام المغيرة)) أَبِشَارَتِنا وبهجتِنا ومُلكِنا ((يعني نبهره بقوتنا و ملكنا)) أو نتقشَّفُ له فنُزهِّدُه عمَّا في أيدينا ((أو نظهر فقرنا فيرجع إلي قومه و يقول لهم أننا فقراء فيزهدوا في قتالنا ظنا منهم أن المسلمين يقاتلونهم لأجل دنيا)).

فقالوا: بل نأذَنُ له بأفضلِ ما يكونُ مِن الشَّارةِ والعُدَّةِ، ((نُظهر قوتنا)) فلمَّا أتَيْتُهم رأَيْتُ تلك الحِرابَ والدَّرَقَ يلتَمِعُ معه البصرُ ورأَيْتُهم قيامًا على رأسِه ((أي يقفون علي رأس قائدهم باذذقان))، وإذا هو على سريرٍ مِن ذهبٍ، وعلى رأسِه التَّاجُ، فمضَيْتُ كما أنا ونكَسْتُ رأسي لأقعُدَ معه على السَّريرِ ((جلست معه علي كرسي عرشه)).

قال: فدُفِعْتُ ونُهِرْتُ.

فقُلْتُ: إنَّ الرُّسلَ لا يُفعَلُ بهم هذا.

فقالوا لي: إنَّما أنتَ كلبٌ أتقعُدُ مع الملِكِ؟.

فقُلْتُ: لَأنا أشرَفُ في قومي مِن هذا فيكم.

قال: فانتهَرني وقال: اجلِسْ فجلَسْتُ فتُرجِم لي قولُه ((من الفارسية إلي اللغة العربية)).

فقال: يا معشرَ العربِ إنَّكم كُنْتُم أطولَ النَّاسِ جوعًا وأعظَمَ النَّاسِ شقاءً وأقذرَ النَّاسِ قذرًا وأبعدَ النَّاسِ دارًا وأبعدَه مِن كلِّ خيرٍ وما كان منَعني أنْ آمُرَ هؤلاءِ الأَساورةَ حولي أنْ ينتظِموكم بالنُّشَّابِ إلَّا تنجُّسًا بجيفِكم لأنَّكم أرجاسٌ فإنْ تذهَبوا نُخلِّي عنكم وإنْ تأبَوْا نُرِكم مصارعَكم.

قال المغيرةُ: فحمِدْتُ اللهَ وأثنَيْتُ عليه، وقُلْتُواللهِ ما أخطَأْتَ مِن صِفتِنا ونعتِنا شيئًا إنْ كنَّا لَأبعدَ النَّاسِ دارًا وأشدَّ النَّاسِ جوعًا وأعظمَ النَّاسِ شقاءً وأبعدَ النَّاسِ مِن كلِّ خيرٍ حتَّى بعَث اللهُ إلينا رسولًا فوعَدَنا النَّصرَ في الدُّنيا والجنَّةَ في الآخرةِ  فلم نزَلْ نتعرَّفُ مِن ربِّنا مُذْ جاءنا رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الفَلْجَ والنَّصرَ حتَّى أتَيْناكم، وإنَّا واللهِ نرى لكم مُلكًا وعيشًا لا نرجِعُ إلى ذلك الشَّقاءِ أبدًا حتَّى نغلِبَكم على ما في أيديكم أو نُقتَلَ في أرضِكم.

فقال ملك الفرس: أمَّا الأعورُ (يقصد المغيرة) فقد صدَقكم الَّذي في نفسِه فقُمْتُ مِن عندِه وقد واللهِ أرعَبْتُ العِلْجَ جُهدي، فأرسَل إلينا العِلْجُ: إمَّا أنْ تعبُروا إلينا بنَهاوَنْدَ، وإمَّا أنْ نعبُرَ إليكم، فقال النُّعمانُ قائد المسلمين: اعبُروا، فعبَرْنا.

قال أُبي:  فلم أرَ كاليومِ قطُّ إنَّ العلوجَ يجيئون كأنَّهم جبالُ الحديدِ، وقد تواثَقوا ألَّا يفِرُّوا مِن العربِ ((ربطوا بعضهم بعض بالحبال))، وقد قُرِن بعضُهم إلى بعضٍ حتَّى كان سبعةٌ في قِرانٍ وألقَوْا حَسَكَ الحديدِ خَلْفَهم ((أي وضعوا خلفهم أسياخ حديد حتي لا يتراجعوا))، وقالوا: مَن فرَّ منَّا عقَره حَسَكُ الحديدِ، وهذا من ثقة الفرس بهزيمة المسلمين، جعلوا إلا رجعة.

فقال المغيرةُ بنُ شُعبةَ حينَ رأى كثرتَهملم أرَ كاليومِ فشَلًا، إنَّ عدوَّنا يُترَكون أنْ يتتامُّوا فلا يُعجَلوا أمَا واللهِ لو أنَّ الأمرَ إليَّ لقد أعجَلْتُهم به ((أي يقترح المغيرة أن يتم القتال بسرعة، و إلا ينتظر المسلمون حتي يتجمع الفرس كلهم، و أشار علينا أن نقاتل قبل أن يتم تجميعهم)).

قال: وكان النُّعمانُ ((قائد المسلمين)) رجلًا بكَّاءً فقال: قد كان اللهُ جلَّ وعلا يُشهِدُك أمثالَها فلا يُخزيك ولا يُعرِّي موقفَك ((الثقة في الله أي أن الله أوقفك في هذا الموقف للقتال في سبيله، و أنه لن يخذل المسلمين))، وإنَّه واللهِ ما منَعني أنْ أُناجِزَهم (اتعجل قتالهم) إلَّا لشيءٍ شهِدْتُه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غزا فلم يُقاتِلْ أوَّلَ النَّهارِ لم يعجَلْ حتَّى تحضُرَ الصَّلواتُ، وتهُبَّ الأرواحُ، ويطيبَ القتالُ.

ثمَّ قال النُّعمانُاللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك أنْ تُقِرَّ عيني اليومَ بفتحٍ يكونُ فيه عزُّ الإسلامِ وأهلِه وذلُّ الكفرِ وأهلِه ثمَّ اختِمْ لي على إثرِ ذلك بالشَّهادةِ ثمَّ قال: أمِّنوا يرحَمْكم اللهُ فأمَّنَّا وبكى وبكَيْنا.

ثمَّ قال النُّعمانُّإنِّي هازٌّ لوائي فتيسَّروا للسِّلاحِ ثمَّ هازُّه الثَّانيةَ فكونوا متيسِّرينَ لقتالِ عدوِّكم بإزائِهم فإذا هزَزْتُه الثَّالثةَ فلْيحمِلْ كلُّ قومٍ على مَن يليهم مِن عدوِّكم على بركةِ اللهِ.

قال: فلمَّا حضَرتِ الصَّلاةُ وهبَّتِ الأرواحُ كبَّر وكبَّرْنا، وقال: ريحُ الفتحِ واللهِ إنْ شاء اللهُ وإنِّي لَأرجو أنْ يستجيبَ اللهُ لي وأنْ يفتَحَ علينا فهزَّ اللِّواءَ فتيسَّروا ثمَّ هزَّه الثَّانيةَ ثمَّ هزَّه الثَّالثةَ فحمَلْنا جميعًا كلُّ قومٍ على مَن يليهم.

وقال النُّعمانُ: إنْ أنا أُصِبْتُ فعلى النَّاسِ حُذيفةُ بنُ اليمانِ ((أي إذا قُتلت فان القائد بعدي حُذيفة بن اليمان)) فإنْ أُصيب حُذيفةُ ففُلانٌ فإنْ أُصيب فلانٌ ففلانٌ حتَّى عدَّ سبعةً آخرُهم المغيرةُ بنُ شعبةَ.

قال أُبي: فواللهِ ما علِمْتُ مِن المسلمينَ أحدًا يُحِبُّ أنْ يرجِعَ إلى أهلِه حتَّى يُقتَلَ أو يظفَرَ، وثبَتوا لنا فلم نسمَعْ إلَّا وَقْعَ الحديدِ على الحديدِ حتَّى أُصيب في المسلمينَ مُصابةٌ عظيمةٌ، فلمَّا رأَوْا صبرَنا ورأَوْنا لا نُريدُ أنْ نرجِعَ انهزَموا فجعَل يقَعُ الرَّجلُ فيقَعُ عليه سبعةٌ في قِرانٍ فيُقتَلون جميعًا وجعَل يعقِرُهم حَسَكُ الحديدِ خَلْفَهم.

فقال النُّعمانُ: قدِّموا اللِّواءَ فجعَلْنا نُقدِّمُ اللِّواءَ فنقتُلُهم ونضرِبُهم ((أي فليتقدم الجيش للأمام)) فلمَّا رأى النُّعمانُ أنَّ اللهَ قد استجاب له ورأى الفتحَ جاءته نُشَّابةٌ فأصابت خاصرتَه فقتَلتْه، فجاء أخوه مَعقِلُ بنُ مُقرِّنٍ فسجَّى عليه ثوبًا، ((غطاه بثوب))
وأخَذ اللِّواءَ فتقدَّم به ثمَّ قال: تقدَّموا رحِمكم اللهُ، فجعَلْنا نتقدَّمُ فنهزِمُهم ونقتُلُهم، ((بدا جيش المسلمين يتقدم و جيش الفرس يتقهقر)) فلمَّا فرَغْنا واجتمَع النَّاسُ.

قالوا: أين الأميرُ؟ يعني النعمان بن مقرن فقال مَعقِلٌ: هذا أميرُكم قد أقرَّ اللهُ عينَه بالفتحِ وختَم له بالشَّهادةِ، ((أي أخبر الجيش أن قائدهم اُستشهد)) فبايَع النَّاسُ حُذيفةَ بنَ اليَمانِ.

قال: وكان عمرُ رضوانُ اللهِ عليه بالمدينةِ يدعو اللهَ وينتظرُ مثلَ صيحةِ الحُبْلى ((في شدة الانتظار و القلق)) فكتَب حُذيفةُ إلى عمرَ بالفتحِ مع رجُلٍ مِن المسلمينَ، ((كتب رسالة يخبر عمر بنصر المسلمين و بعثها مع أحدهم)).

فلمَّا قدِم عليه قال: أبشِرْ يا أميرَ المؤمنينَ بفتحٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه وأذلَّ فيه الشِّرْكَ وأهلَه، وقال: النُّعمانُ بعَثك؟

قال: احتسِبِ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنينَ (( أي أن النعمان مات شهيدا)) فبكى عمرُ واسترجَع.

قال: ومَن ويحَكَ؟ ((ومن قُتِل ايضا في سبيل الله)) 

فقال: فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ حتَّى عدَّ ناسًا

ثمَّ قال: وآخَرينَ يا أميرَ المؤمنين لا تعرِفُهم

فقال عمرُ رضوانُ اللهِ عليه وهو يبكي:  ((لا يضُرُّهم ألَّا يعرِفَهم عمرُ لكنَّ اللهَ يعرِفُهم.))صحيح ابن حبان.

ولكن الله يعرفهم، ليس شرط أن تكون مشهورا، أو يشار اليك بالأصابع هناك كثير من الناس يبذلون حياتهم للدين، لا يعرفهم أحد، و لكن الله يعرفهم. 

 

الكاتب: أحمد سيف الإسلام

  • 16
  • 2
  • 31,489

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً