إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون
أبو الهيثم محمد درويش
أهل الطاعة الذين كانوا مصدر استهزاء في الدنيا صاروا ملوكاً على أرائكهم في الآخرة في شغل دائم بأسباب السعادة و الرفاهية التي لا توصف، لهم فيها من الثمار ما تمنوا و من الأطعمة و الأشربة و الأنكحة ما لا يتخيله عقل.
- التصنيفات: التصنيف العام - التفسير -
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}:
انتهت ساعات العمل، وحان وقت الجزاء الموفور، صبروا ساعات على فتن الحياة و تمسكوا بحبل الله في السراء والضراء، فجزاهم بما صبروا نعيماً مقيماً لا يفنى، وسعادة أبدية لا تزول، منعمين هم وأزواجهم من الحور وفوقهم نساء الدنيا الصالحات اللاتي أعاد الله إنشاءهن في أفضل الصور.
أهل الطاعة الذين كانوا مصدر استهزاء في الدنيا صاروا ملوكاً على أرائكهم في الآخرة في شغل دائم بأسباب السعادة و الرفاهية التي لا توصف، لهم فيها من الثمار ما تمنوا و من الأطعمة و الأشربة و الأنكحة ما لا يتخيله عقل، فوق كل هذا هم في سلام دائم بأمر ربهم الرحيم الرحمن سبحانه.
قال تعالى:
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس 55 – 58].
قال السعدي في تفسيره:
لما ذكر تعالى أن كل أحد لا يجازى إلا ما عمله، ذكر جزاء الفريقين، فبدأ بجزاء أهل الجنة، وأخبر أنهم في ذلك اليوم {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أي: في شغل مفكه للنفس، مُلِذِّ لها، من كل ما تهواه النفوس، وتلذه العيون، ويتمناه المتمنون.
ومن ذلك افتضاض العذارى الجميلات، كما قال: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} من الحور العين، اللاتي قد جمعن حسن الوجوه والأبدان وحسن الأخلاق. {فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ} أي: على السرر المزينة باللباس المزخرف الحسن. {مُتَّكِئُونَ} عليها، اتكاء على كمال الراحة والطمأنينة واللذة.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} كثيرة، من جميع أنواع الثمار اللذيذة، من عنب وتين ورمان، وغيرها، {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أي: يطلبون، فمهما طلبوه وتمنوه أدركوه.
ولهم أيضا {سَلَامٌ} حاصل لهم {مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} ففي هذا كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم، وأكده بقوله: {قَوْلًا} وإذا سلم عليهم الرب الرحيم، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك، الرب العظيم، الرءوف الرحيم، لأهل دار كرامته، الذي أحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدا، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك.
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم.