مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين

منذ 2018-05-04

{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}   [ص 70- 85]

 

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } :
ملخص قصة العناد و الاستكبار و الابتعاد عن أمر الله و مبارزته بالعداء : اختبر الله الملائكة و اختبر إبليس , أوضح لهم فضيلة آدم ثم أمرهم بالسجود فأطاع الملائكة و انقادوا و عصى إبليس وعاند , ثم بالغ في العناد لما طلب من الله أن ينظره إلى يوم القيامة وتوعد بإغواء ذرية آدم و كل هذا العناد و الاستكبار و هو في حضرة الله و كل هذا الجحود من أجل إعلاء نفسه و كبر ذاته , و العجب أن يطلب من الله الذي يعلم يقينا أنه يملكه و يملك فناءه أن يمد في عمره ثم يتوعد ربه علانية بإغواء ذرية آدم و إفشاء الكفر في ملك الله.
فكان الوعد بالإنظار مصحوبا بالوعد بالخلود في النار له و لمن تبعه من ذرية آدم , حيث لا يعلم العاصي المتكبر أنه مجرد أداة من صنع الله يختبر بها عباده .
قال تعالى :
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}   [ص 70- 85]
قال السعدي في تفسيره:
ثم ذكر اختصام الملأ الأعلى فقال: { {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} } على وجه الإخبار { {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ } } أي: مادته من طين.
{ {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } } أي: سويت جسمه وتم، { {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} } فوطَّن الملائكة الكرام أنفسهم على ذلك، حين يتم خلقه ونفخ الروح فيه، امتثالا لربهم، وإكراما لآدم عليه السلام، فلما تم خلقه في بدنه وروحه، وامتحن اللّه آدم والملائكة في العلم، وظهر فضله عليهم، أمرهم اللّه بالسجود.
فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس لم يسجد { {اسْتَكْبَرَ } } عن أمر ربه، واستكبر على آدم { {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } } في علم اللّه تعالى.
فـ { {قَالَ} } اللّه موبخا ومعاتبا: { {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } } أي: شرفته وكرمته واختصصته بهذه الخصيصة، التي اختص بها عن سائر الخلق، وذلك يقتضي عدم التكبر عليه.
{ { أسْتَكْبَرْتَ } } في امتناعك { {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } }
{ {قَالَ } } إبليس معارضا لربه ومناقضا: { {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} } وبزعمه أن عنصر النار خير من عنصر الطين، وهذا من القياس الفاسد، فإن عنصر النار مادة الشر والفساد، والعلو والطيش والخفة وعنصر الطين مادة الرزانة والتواضع وإخراج أنواع الأشجار والنباتات وهو يغلب النار ويطفئها، والنار تحتاج إلى مادة تقوم بها، والطين قائم بنفسه، فهذا قياس شيخ القوم، الذي عارض به الأمر الشفاهي من اللّه، قد تبين غاية بطلانه وفساده، فما بالك بأقيسة التلاميذ الذين عارضوا الحق بأقيستهم؟ فإنها كلها أعظم بطلانا وفسادا من هذا القياس.
فـ { {قَالَ } } اللّه له: { {فَاخْرُجْ مِنْهَا } } أي: من السماء والمحل الكريم. { {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } } أي: مبعد مدحور.
{ {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي } } أي: طردي وإبعادي { { إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } } أي: دائما أبدا.
{ {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } } لشدة عداوته لآدم وذريته، ليتمكن من إغواء من قدر اللّه أن يغويه.
فـ(قال) اللّه مجيبا لدعوته، حيث اقتضت حكمته ذلك: { {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } } حين تستكمل الذرية، يتم الامتحان.
فلما علم أنه منظر، بادى ربه، من خبثه، بشدة العداوة لربه ولآدم وذريته، فقال: { {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } } يحتمل أن الباء للقسم، وأنه أقسم بعزة اللّه ليغوينهم كلهم أجمعين.
{ { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } } علم أن الله سيحفظهم من كيده. ويحتمل أن الباء للاستعانة، وأنه لما علم أنه عاجز من كل وجه، وأنه لا يضل أحدا إلا بمشيئة اللّه تعالى، فاستعان بعزة اللّه على إغواء ذرية آدم هذا، وهو عدو اللّه حقا.
ونحن يا ربنا العاجزون المقصرون، المقرون لك بكل نعمة، ذرية من شرفته وكرمته، فنستعين بعزتك العظيمة، وقدرتك، ورحمتك الواسعة لكل مخلوق، ورحمتك التي أوصلت إلينا بها، ما أوصلت من النعم الدينية والدنيوية، وصرفت بها عنا ما صرفت من النقم، أن تعيننا على محاربته وعداوته، والسلامة من شره وشركه، ونحسن الظن بك أن تجيب دعاءنا، ونؤمن بوعدك الذي قلت لنا: { {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} } فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا. { {إنك لا تخلف الميعاد } }
{ { قَالَ } } اللّه تعالى { {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } } أي: الحق وصفي، والحق قولي.
{ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن 

  • 35
  • 6
  • 390,314
المقال السابق
قل هو نبأ عظيم
المقال التالي
وما أنا من المتكلفين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً