مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - إن تكفروا فإن الله غني عنكم

منذ 2018-05-09

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ *خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ الزمر 5 – 7]

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} :
كل ما حولنا يدل على الخالق المدبر القوي العزيز الملك سبحانه , السماوات و الأرض و تلك الأفلاك الهائلة التي لم يستطع الإنسان لها تصوراً ولم يقف على حقيقتها الكاملة لبعد مسافاتها و عظيم حجم أجرامها في مقابل ضعف الإنسان و عجزه .
جعل سبحانه ما في السماوات مسخر لخدمة الإنسان ليتفرغ للعبادة بما في ذلك نسل الإنسان ذاته وما حوله من دواب تخدمه خلقها له أزواجاً متجانسة لها منافع و مهام تساعده على إقامة دين الله وعمارة الأرض , فمن آمن فله الرضى ومن كفر فلن يضر الله كفره فهو الغني عن عباده سبحانه و سيجمعهم ليوم معلوم ترد فيه المظالم و تحاسب كل نفس بما اقترفت و تجزى كل نفس بما يليق بها.
 {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ *خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ الزمر 5 – 7]
قال السعدي في تفسيره:
يخبر تعالى أنه { {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} } أي: بالحكمة والمصلحة، وليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم.
{ {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} } أي: يدخل كلا منهما على الآخر، ويحله محله، فلا يجتمع هذا وهذا، بل إذا أتى أحدهما انعزل الآخر عن سلطانه.
{ {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } } بتسخير منظم، وسير مقنن. { {كُلٌّ} } من الشمس والقمر { {يَجْرِي} } متأثرا عن تسخيره تعالى { {لِأَجَلٍ مُسَمًّى} } وهو انقضاء هذه الدار وخرابها، فيخرب اللّه آلاتها وشمسها وقمرها، وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار، الجنة أو النار.
{ { أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ} } الذي لا يغالب، القاهر لكل شيء، الذي لا يستعصي عليه شيء، الذي من عزته أوجد هذه المخلوقات العظيمة، وسخرها تجري بأمره. { {الْغَفَّارُ } } لذنوب عباده التوابين المؤمنين، كما قال تعالى: { {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } } الغفار لمن أشرك به بعد ما رأى من آياته العظيمة، ثم تاب وأناب.
ومن عزته أن { {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} } على كثرتكم وانتشاركم، في أنحاء الأرض، { {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } } وذلك ليسكن إليها وتسكن إليه، وتتم بذلك النعمة. { { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ } } أي: خلقها بقدر نازل منه، رحمة بكم. { {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} } وهي التي ذكرها في سورة الأنعام { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } { {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } } 
وخصها بالذكر، مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها، لكثرة نفعها، وعموم مصالحها، ولشرفها، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح غيرها، كالأضحية والهدي، والعقيقة، ووجوب الزكاة فيها، واختصاصها بالدية.
ولما ذكر خلق أبينا وأمنا، ذكر ابتداء خلقنا، فقال: { {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} } أي: طورا بعد طور، وأنتم في حال لا يد مخلوق تمسكم، ولا عين تنظر إليكم، وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق { {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ } } ظلمة البطن، ثم ظلمة الرحم، ثم ظلمة المشيمة، { { ذَلِكُمْ } } الذي خلق السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر، وخلقكم وخلق لكم الأنعام والنعم { { اللَّهُ رَبُّكُمْ} } أي: المألوه المعبود، الذي رباكم ودبركم، فكما أنه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له في ذلك، فهو الواحد في ألوهيته، لا شريك له، ولهذا قال: { {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } } بعد هذا البيان ببيان استحقاقه تعالى للإخلاص وحده إلى عبادة الأوثان، التي لا تدبر شيئا، وليس لها من الأمر شيء.
{ {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} } لا يضره كفركم، كما لا ينتفع بطاعتكم، ولكن أمره ونهيه لكم محض فضله وإحسانه عليكم.
{ {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } } لكمال إحسانه بهم، وعلمه أن الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها، ولأنه خلقهم لعبادته، فهي الغاية التي خلق لها الخلق، فلا يرضى أن يدعوا ما خلقهم لأجله.
{ {وَإِنْ تَشْكُرُوا} } للّه تعالى بتوحيده، وإخلاص الدين له { {يَرْضَهُ لَكُمْ} } لرحمته بكم، ومحبته للإحسان عليكم، ولفعلكم ما خلقكم لأجله.
وكما أنه لا يتضرر بشرككم ولا ينتفع بأعمالكم وتوحيدكم، كذلك كل أحد منكم له عمله، من خير وشر { {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} } { { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ } } في يوم القيامة { { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } } إخبارا أحاط به علمه، وجرى عليه قلمه، وكتبته عليكم الحفظة الكرام، وشهدت به عليكم الجوارح، فيجازي كلا منكم ما يستحقه.
{ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } } أي: بنفس الصدور، وما فيها من وصف برٍّ أو فجور، والمقصود من هذا، الإخبار بالجزاء بالعدل التام.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن 

  • 2
  • 0
  • 8,212
المقال السابق
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء
المقال التالي
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً