مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق

منذ 2018-05-09

{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [ الزمر 1 – 3]

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} :
هي كلمات صاحب العزة الكاملة و القهر و الجبروت , ذو الحكمة البالغة و العلم و الملكوت , سبحانه و تعالى تنزه عن كل نقص و استحق كل أوصاف الكمال و الجلال , و استحقت كلماته التقديس و التوقير الذي لا يحدث إلا بالإيمان والعمل بها .
أنزل كلماته على صفوة خلقه و خير رسله محمد صلى الله عليه و سلم ليخرج بها الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد و من وساطة الشركاء و عجزهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له و دوام الصلة به بلا انقطاع في الدارين.
له الدين الخالص في عبادته و في حكمه و في أمره و نهيه وطاعته المطلقة سبحانه , لا وسطاء و لا معاونون له , فالكل له مخلوق مربوب , و هو وحدة الملك المدبر لشئون الخلق المالك لمقاديرهم المسيطر عليهم سبحانه.
و الله تعالى هو الحكم بين المؤمنين المخلصين , وبين من أشرك معه غيره أو ادعى أن من المخلوقين وسطاء بينه و بين خلقه , هؤلاء الذين كانت تجارتهم الكذب و التدليس و الاستكبار و العداء لله و رسله و أوليائه عبر تاريخ الإنسان , فمنعهم كذبهم و خراب قلوبهم من الإيمان بالله و التماس نور الهداية.
قال تعالى :
{  تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ  } [ الزمر 1 – 3]
قال السعدي في تفسيره:
يخبر تعالى عن عظمة القرآن، وجلالة من تكلم به ونزل منه، وأنه نزل من اللّه العزيز الحكيم، أي: الذي وصفه الألوهية للخلق، وذلك لعظمته وكماله، والعزة التي قهر بها كل مخلوق، وذل له كل شيء، والحكمة في خلقه وأمره.
فالقرآن نازل ممن هذا وصفه، والكلام وصف للمتكلم، والوصف يتبع الموصوف، فكما أن اللّه تعالى هو الكامل من كل وجه، الذي لا مثيل له، فكذلك كلامه كامل من كل وجه لا مثيل له، فهذا وحده كاف في وصف القرآن، دال على مرتبته.
ولكنه - مع هذا - زاد بيانا لكماله بمن نزل عليه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذي هو أشرف الخلق فعلم أنه أشرف الكتب، وبما نزل به، وهو الحق، فنزل بالحق الذي لا مرية فيه، لإخراج الخلق من الظلمات إلى النور، ونزل مشتملا على الحق في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، فكل ما دل عليه فهو أعظم أنواع الحق، من جميع المطالب العلمية، وما بعد الحق إلا الضلال.
ولما كان نازلا من الحق، مشتملا على الحق لهداية الخلق، على أشرف الخلق، عظمت فيه النعمة، وجلَّت، ووجب القيام بشكرها، وذلك بإخلاص الدين للّه، فلهذا قال: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ  } أي: أخلص للّه تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان، بأن تفرد اللّه وحده بها، وتقصد به وجهه، لا غير ذلك من المقاصد.
{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب، فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه، وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به، لأنه متضمن للتأله للّه في حبه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته، والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده.
وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة. 
فالشرك اللّه بريء منه، وليس للّه فيه شيء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مُشْقٍ للنفوس غاية الشقاء، فلذلك لما أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به فقال: {  وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ  } أي: يتولونهم بعبادتهم ودعائهم، [معتذرين] عن أنفسهم وقائلين: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } أي: لترفع حوائجنا للّه، وتشفع لنا عنده، وإلا، فنحن نعلم أنها، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئا.
أي: فهؤلاء، قد تركوا ما أمر اللّه به من الإخلاص، وتجرأوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء، الملك العظيم، بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء، وشفعاء، ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك، أن اللّه تعالى كذلك.
وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق، مع ثبوت الفرق العظيم، عقلا ونقلا وفطرة، فإن الملوك، إنما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم، لأنهم لا يعلمون أحوالهم. فيحتاج من يعلمهم بأحوالهم، وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة، فيحتاج من يعطفهم عليه [ويسترحمه لهم] ويحتاجون إلى الشفعاء والوزراء، ويخافون منهم، فيقضون حوائج من توسطوا لهم، مراعاة لهم، ومداراة لخواطرهم، وهم أيضا فقراء، قد يمنعون لما يخشون من الفقر.
وأما الرب تعالى، فهو الذي أحاط علمه بظواهر الأمور وبواطنها، الذي لا يحتاج من يخبره بأحوال رعيته وعباده، وهو تعالى أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، لا يحتاج إلى أحد من خلقه يجعله راحما لعباده، بل هو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، وهو الذي يحثهم ويدعوهم إلى الأسباب التي ينالون بها رحمته، وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لأنفسهم، وهو الغني، الذي له الغنى التام المطلق، الذي لو اجتمع الخلق من أولهم وآخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلا منهم ما سأل وتمنى، لم ينقصوا من غناه شيئا، ولم ينقصوا مما عنده، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط.
وجميع الشفعاء يخافونه، فلا يشفع منهم أحد إلا بإذنه، وله الشفاعة كلها.
فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به، وسفههم العظيم، وشدة جراءتهم عليه.
ويعلم أيضا الحكمة في كون الشرك لا يغفره اللّه تعالى، لأنه يتضمن القدح في اللّه تعالى، ولهذا قال حاكما بين الفريقين، المخلصين والمشركين، وفي ضمنه التهديد للمشركين-: {  إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  } 
وقد علم أن حكمه أن المؤمنين المخلصين في جنات النعيم، ومن يشرك باللّه فقد حرم اللّه عليه الجنة، ومأواه النار. { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي  } أي: لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ  } أي: وصفه الكذب أو الكفر، بحيث تأتيه المواعظ والآيات، ولا يزول عنه ما اتصف به، ويريه اللّه الآيات، فيجحدها ويكفر بها ويكذب، فهذا أنَّى له الهدى وقد سد على نفسه الباب، وعوقب بأن طبع اللّه على قلبه، فهو لا يؤمن؟"
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن 

  • 3
  • 0
  • 9,726
المقال السابق
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه
المقال التالي
أم من هو قانت آناء الليل ساجداً و قائماً
  • الرسام

      منذ
    ۞منتديات البشرى الإسلامية۞ http://www.the-greatnews.com/showthread.php?p=6763 English فارسى Español Deutsh Italiano Melayu Türk Français - 1 - الإمام ناصر محمد اليماني 27 - 08 - 1431 هـ 08 - 08 - 2010 مـ 12:03 صباحاً ـــــــــــــــ هذا قول المهدي المنتظر ناصر محمد، عبد النعيم الأعظم، فما قولكم؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.. بسم الله الرحمن الرحيم وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين.. سلامُ الله عليكم أحبتي المُبايعين السابقين واللاحقين في عصر الحوار من قبل الظهور، أحيطكم علماً إنما البيعة هي لله الذي هو معي ومعكم أينما كُنتم ويد الله فوق أيدي المُبايعين أينما كانوا في العالمين في كُل زمانٍ ومكانٍ، وتصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿10﴾} صدق الله العظيم [الفتح]. فأوفوا بعهد الله يوفِ بعهدكم، فيدخلكم في رحمته التي كتب على نفسه، وأصدقوا الله يصدقكم وتعاملوا مع الله مُباشرةً في أعمالكم الذي يعلم بما في أنفسكم ولا يهمكم ثناء الناس، ولا تبالوا بذمّهم لكم ما دمتم على الصراط المُستقيم، واعلموا أن لو يثني عليكم كافة الملائكة والجنّ والإنس ولم يثنِ عليكم الله فلا ولن يُغني عنكم ثناؤهم من الله شيئاً. وإيَّاكم والرياء فإنه الشرك الخفي يدبّ كدبيب النمل، فهل يشعر أحدكم بدبيب نملةٍ لو تمرّ بجواره؟ وكذلك الشرك الخفي يقع فيه العبد دون أن يعلم أنه قد أشرك بالله. وأما كيف يعلم أنه وقع في الشرك الخفي وذلك حين يهتم بثناء الناس ومديحهم له فكم يقع فيه كثيرٌ من المؤمنين؛ بل تعاملوا مع الله في الظاهر وفي الباطن ولا تهتموا أن يحمدكم عبيد الله شيئاً كونه لا يُسمن ولا يُغني من جوعٍ ما لم يثني عليكم ربّكم الحقّ وترضى نفسه عليكم سُبحانه وتعالى عما يشركون وقال الله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿188﴾} صدق الله العظيم [آل عمران]. ويا معشر الأنصار، لقد أَيّد الله الإمام المهديّ بأعظم آيةٍ في الكتاب ألا وهي حقيقة اسم الله الأعظم في قلوب أنصار الإمام المهديّ المُخلصين منهم الربّانيين الذين علموا حقيقة اسم الله الأعظم أولئك سيعلمون علم اليقين أنّ ناصر محمد اليماني هو حقاً المهديّ المنتظَر لا شكّ ولا ريب لكونهم أدركوا أنّ حُبّ الله وقربه ورضوان نفسه هو حقاً نعيمٌ أكبر من نعيم الجنّة مهما بلغت ومهما تكون أُولئك قومٌ يحبّهم الله ويحبّونه حُباً شديداً. ألا والله الذي لا إله غيره لا يرضون بملكوت الله جميعاً في الدُنيا والآخرة حتى يتحقق رضوان الله في نفسه. وبما أنّ الله قد كتب على نفسه أن يرضي عباده الصالحين تصديقاً لوعده الحقّ في مُحكم كتابه: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} صدق الله العظيم، ولكن منهم من يقيه الله من عذابه فيدخله جنته فإذا هو فرحٌ مسرورٌ بما آتاه الله من فضله، ومنهم الذين يطمعون للشهادة في سبيل الله تجدونهم قد رضوا عن ربِّهم . تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ ربِّهم يُرْزَقُونَ ﴿169﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿170﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿171﴾} صدق الله العظيم[آل عمران]. فتجدونهم قد رضوا في أنفسهم بما آتاهم الله من فضله، ولذلك وصف الله لكم حالهم وقال تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ} صدق الله العظيم، وهذا دليل على أنهم قد رضوا في أنفسهم فأصدقهم الله وعده الحقّ {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} صدق الله العظيم، وأولئك باعوا أنفسهم وأموالهم لربّهم مُقابل جنته التي عرَّفها لهم في مُحكم كتابه وتسلموا ثمن أموالهم وأنفسهم الجنة. تصديقاً لوعد الله بالحقّ في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾} صدق الله العظيم [التوبة]. وأما قومٌ آخرون فلن يرضيهم الله بجنته شيئاً مهما عُظمت ومهما كانت حتى يحقق لهم النَّعيم الأعظم من جنته سُبحانه، أولئك هم من أشدِّ العبيد حُباً لله، فأحبّهم الله بقدر حُبهّم لهُ، أولئك تنزهت عبادتهم لربّهم عن الطمع في النَّعيم المادي، ولذلك لم تجدوا أنّ الله عرض جنته مقابل الطلب، أولئك هم القوم الذي وعد الله بهم في محكم كتابه إن ارتدّ المؤمنون عن دينهم. وقال الله تعالى: {يَا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿54﴾} صدق الله العظيم [المائدة]. وبما أنّ الله كتب على نفسه رضوان عبيده الصالحين تصديقاً لوعده الحقّ في محكم كتابه: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} صدق الله العظيم، فالسؤال الذي يطرح نفسه: فهل يا تُرى سيرضون بجنات النَّعيم والحور العين وحبيبهم الرحمن ليس راضياً في نفسه بسبب ظُلم عباده لأنفسهم وقد علموا أنّ الله هو أشدُّ حسرةً على عبيده الذين ظلموا أنفسهم وأعظم من حسرة الأم على ولدها؟ أولئك تأتي الملائكة فتُبشرهم بجنة ربِّهم الذي وعدهم بها ويريدون أن يسوقونهم إليها فإذا الملائكة ترى العجب في وجوههم قد علاها الحُزن العميق الصامت، فيقول لهم الملائكة: "بل لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، فيقولون: "ألا والله لو لم يحقق الله لنا النَّعيم الأعظم فإن حُزننا على النَّعيم الأعظم لهو أعظم من حُزن الذين ظلموا أنفسهم"، فلم يدرك الملائكة قولهم وما يقصدون فلعلهم يقصدون نعيم الجنة! ومن ثم يكرر لهم الملائكة البشرى فيقولون: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} صدق الله العظيم [فصلت:30]. ولكن لا فائدة من بُشرى الملائكة لهم بالفوز بنعيم جنّة ربِّهم، مما أدهش ملائكة الرحمن المُقربين، وقالوا: "فما خطب هؤلاء القوم وما سبب حُزنهم فما بالهم لم يفرحوا بجنات النَّعيم كما فرح بها كثيرٌ من المؤمنين؟ وما هو النَّعيم الأعظم الذي يرجون من ربِّهم هو أعظم من جنات النعيم؟". مما أدخل الملائكة في حيرة من أمرهم فلا هم من الذين يُساقون إلى النار وأبوا أن يُساقوا إلى الجنة! ومن ثم تمّ حشرهم إلى الرحمن وفداً من بين المُتقين، تصديقاً لقول الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا ﴿85﴾} صدق الله العظيم [مريم]. يتقدمهم إمامهم حتى وقِّفوا بين يدي الرحمن، وتأجل أمرهم إلى حين، واستمر الحساب بين الأمم وكُلّ نفس تُجادل عن نفسها. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿111﴾} صدق الله العظيم [النحل]. وأما هؤلاء الوفد فكانوا صامتين بين يدي ربِّهم. ومن ثم يبحث المُشركون عن شُفعائهم الذين كانوا يعظِّمونهم في الدُنيا، ويتركوا الله حصرياً لهم من دونهم، ويقولون إنهم شُفعاؤهم عند ربِّهم. كما ينتظر المُسلمون شفاعة محمدٍ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. وكما ينتظر النصارى شفاعة رسول الله المسيح عيسى ابن مريم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. ومن ثمّ يتم إحضار جميع الأنبياء والمُرسلين وأولياء الله المُقربون الذين كان يبالغ فيهم أتباعهم بغير الحقّ، ومن ثم حين يرونهم يعرفون أتباعهم الذين يبالغون فيهم بغير الحقّ: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿86﴾} صدق الله العظيم [النحل]. ومن ثم يقول لهم الله فادعوهم يستجيبوا لكم فيشفعوا لكم عند ربكم إن كنتم صادقين؟ وقال الله تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴿64﴾} صدق الله العظيم [القصص]. ومن ثم يوجه الله السؤال إلى أوليائه الذين عظَّمهم أتباعهم بغير الحقّ، وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴿17﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴿18﴾} صدق الله العظيم [الفرقان]. فأنكر أولياء الله أنهم أمروهم بتعظيمهم بغير الحقّ. وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿28﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿29﴾} صدق الله العظيم [يونس]. وأما طوائف أخرى فألقوا باللوم على الأمم من قبلهم كونهم اتَّبَعُوهم الاتِّبَاع الأعمى وهم كانوا على ضلالٍ مُبين. وقال الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴿63﴾} صدق الله العظيم [القصص]. فأما المقصود بقولهم: {رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} ويقصدون أمَّةً قبلهم وهم آباؤهم الذين وجدوهم يعبدون عباد الله الصالحين زلفاً إلى الله، فاتّبعوهم بالاتّباع الأعمى، ولذلك رفع القضية على آبائهم الأمّة التي كانوا قبلهم وقالوا: {رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} أي هؤلاء هم الذين كانوا السبب في إغوائنا عن الحقّ، ومن ثم القول بالجواب بالاعتراف وقالوا: {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} أي أغويناهم كما غوينا فبالغنا في عبادك المُكرمين بغير الحقّ حتى دعوناهم من دونك، ومن ثم ألقى الجواب عبادُ لله المُكرمون وقالوا: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} صدق الله العظيم. وأما طائفة أخرى فكانوا يعبدون الملائكة وهم ليس بملائكة بل من شياطين الجنّ وكانوا يقولون لهم أنهم ملائكة الرحمن المُقربون، فيأمرونهم بالسجود لهم قربةً إلى ربِّهم، ومن ثم يوجّه الله بالسؤال إلى ملائكته المُقربين ويقول: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَـٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿40﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجنّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ﴿41﴾} صدق الله العظيم [سبأ]. وقال الله لهم فدعوهم هل يستجيبون لكم فيشفعوا لكم عند ربكم فَدَعَوهم ولم يستجيبوا لهم، ورأوا العذاب وتقطَّعت بهم الأسباب، وقال الله تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴿64﴾} صدق الله العظيم [القصص]. فإذا بعبدٍ من عبيد الله يصرخُ شاكياً إلى ربِّهم ظُلم هؤلاء القوم الذين أشركوا بربهم أنهم ظلموه، ومن ثم يزيدهم هماً بغمٍ، وإنما ذلك حتى يستيئسوا من شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود، فينيبوا إلى ربِّهم بعد أن استيئسوا من رحمة عبيده. تصديقاً لقول الله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الحقّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿30﴾} صدق الله العظيم [يونس]. ومن ثمّ يتمّ عرض الرحمن على إمام القليل من الآخرين حتى يرضي عبده ومن كان على شاكلته، فتمّ عرض عليه الدرجة العالية الرفيعة في الجنة فيأبى ومن ثمّ يزيده الله ويقول حتى ولو جعلتك خليفة ربك على ملكوت كُلّ شيء فيأبى، ثم يزيده الله بأمره كُن فيكون فيؤيده بقدرته المُطلقة بإذنه فيقول للشيء كُن فيكون فيأبى، ومن ثمّ تعمّ الدهشة جميع عباد لله الصالحين حتى ملائكة الرحمن المُقربين ويقولون: "إذاً فما هو هذا النَّعيم الأعظم مما عرض الله عليه، فيا للعجب الشديد!"، وأما الصالحون من الناس فظنوا في ذلك العبد ظناً بغير الحقّ، وقالوا في أنفسهم: "فأيّ نعيمٍ هو أعظم مما عَرَضَ عليه ربه بل كأنّ هذا العبد يريد أن يكون هو الربّ فما خطبه وماذا دهاه يرفض أن يكون خليفة الله على ملكوت الجنة التي عرضها السموات والأرض، بل خليفة الله على ملكوت الله جميعاً، فأي نعيمٍ هو أعظم من ذلك الملكوت كُله، فكيف يسخر الله لهُ الوجود كُله فيأبى؟". فتظهر الدهشة الشديدة على وجوههم من ذلك العبد حتى شاهد زمرته الدهشة قد ازدادت على وجوه الصالحين وعمت الدهشة جميع الملائكة المُقربين، فإذا زُمرة ذلك العبد يتبسمون ضاحكين من دهشة عبيد الله الصالحين والمُقربين كونهم يعلمون بحقيقة اسم الله الأعظم، هو أن يكون الله راضياً في نفسه. وكيف يكون الله راضياً في نفسه حتى يُدخل عباده في رحمته، فهم كذلك لديهم ما لدى إمامهم من الإصرار على تحقيق النَّعيم الأعظم من جنة النعيم. وإنما يخاطب ذلك العبد ربه باسمه واسمهم جميعاً كون هدفهم واحد لا ثاني له ولا ندّ له، ولا يقبلون المُساومة فيه شيء. وذلك العبد هو الوحيد الذي أذن الله له أن يُخاطبه في عباده كونه لن يشفع لهم عند ربِّهم فيزيدهم ضلالاً إلى ضلالهم؛ بل أذن الله لهُ أن يخاطب ربّه لكون الله يعلم أن عبده سيقول صواباً بينما جميع المُتقين لا يملكون من الرحمن خطاباً. تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿31﴾ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴿32﴾ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴿33﴾ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴿34﴾ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴿35﴾ جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴿36﴾ رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـٰنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴿37﴾ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴿38﴾} صدق الله العظيم [النبأ]. وذلك هو العبد الذي أذن له أن يخاطب ربّه في سرّ الشفاعة كونهُ لن يسأل من الله الشفاعة، ولا ينبغي له بل لله الشفاعة جميعاً، فليس العبد أرحم من الله أرحم الراحمين، وإنما يحاج ربه في تحقيق النَّعيم الأعظم من جنته ولن يتحقق ذلك حتى يرضى في نفسه سُبحانه. وذلك العبد الذي أذن له الرحمن وقال صواباً هو العبد الوحيد الذي عَلِمَ بحقيقةِ اسم الله الأعظم، ومن ثم عَلَّمَ الناس به ومن ثم عَلِمَ بحقيقةِ اسم الله الأعظم من اتَّبَعَهُ من أنصاره قلباً وقالباً. وبما أنه سوف يخاطب ربه بحقيقة الاسم الأعظم لأنّ فيه سرّ الشفاعة ولذلك أذن له الله أن يُخاطب ربه وقال الله تعالى: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿23﴾} صدق الله العظيم [سبأ]. وقال أصحاب القلوب التي تَظُنّ أن يُفعَلَ بها فاقرة بعد أن سمعوا عفواً عنهم فذهب الفزع عن قلوبهم قالوا لزُمرةِ ذلك العبد: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} ومن ثمّ ردُّوا عليهم زُمرة ذلك العبد: {قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} صدق الله العظيم، وهُنا أدرك عبيد الله جميعاً حقيقة اسم الله الأعظم، وأدركوا سرّه المكنون في الكتاب، ومنَّ الله به على قليلٍ من عبيدٍ يَحشُرَهم الله على منابرٍ من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء على ذلك المقام لهم بين يدي ربِّهم، أولئك هم الوفد المُكرمون الذي يتم حشرهم إلى الرحمن وفداً. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا ﴿85﴾} صدق الله العظيم [مريم]. وذلك هو الوفد المُكرم على رؤوس الخلائق، ولكل درجات مما علموا، أولئك هم القوم الذي يغطبهم الأنبياء والشهداء، وهم ليسوا بأنبياء ولا يطمعون أن يكونوا من الشهداء، كون هدفهم أسمى من أن يستشهدوا في سبيل الله؛ بل يريدون أن تستمر حياتهم حتى يتحقق هدي البشر. أولئك هم القوم أحباب الرحمن الذي وعد الله بهم في محكم كتابه في قول الله تعالى: {يَا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿54﴾} صدق الله العظيم [المائدة]. أولئك هم القوم الذي يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجلسهم من ربِّهم، تصديقاً للحديث الحقّ عن محمد رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- عن طريق الرواة الحقّ، وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ‏إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله‏. قيل‏:‏ من هم يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس]. صدق محمد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إن للمتحابين في الله تعالى عمودا من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة، يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا، يقول بعضهم لبعض‏:‏ انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله، فإذا أشرفوا عليها أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا]. أولئك هم القوم الذين وعد الله بهم في محكم كتابه: {يَا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} صدق الله العظيم [المائدة:54]. فهل ترونه ذكر جنةً أو ناراً؟ وذلك لأن عبادتهم لربهم هي أسمى العبادات في الكتاب، فَقَدَّرُوا ربِّهم حقّ قدره فلم يعبدوا الله خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بل {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. وبما أنهم أَحَبُّوا الله حُبّاً شديداً أعظم من كل شيءٍ في الوجود كُله فكيف سيرضون بأي شيء في الوجود ما لم يكن ربِّهم حبيبهم قد رضي في نفسه؟ ألا والله الذي لا إله غيره ولا معبود سواه لو أنّ الله يخاطب أحد أنصار الإمام المهديّ ويقول له: يا عبد النَّعيم الأعظم لن يتحقق رضوان ربك في نفسه حتى تفتدي عبيده فتلقي بنفسك في نار جهنم! لقال: [ ألا بعزتك وجلالك ربي ما كُنت ألقي بنفسي في نار جهنم فداء لولدي فلذة كبدي ولكنك أحبّ إلى نفسي من نفسي ومن ولدي ومن كافة الأنبياء والمُرسلين ومن الحور الطين والحور العين، فإذا لن يتحقق نعيمي الأعظم من جنتك حتى ألقي بنفسي في نار جهنم فإني أُشهدك ربي وأُشهدُ كُل عبد خلقته لعبادتك في السماوات والأرض وكفى بالله شهيداً أني لن أمشي إلى نار جهنم مشياً؛ بل سوف أنطلق إليها مُسرعاً ما دام في ذلك تحقيق نعيمي الأعظم فتكون أنت ربي راضياً في نفسك لا مُتحسراً ولا غضباناً. وذلك لأني أحببتك ربي ومتعتي وكُل أمنيتي وكل نعيمي هو أن يكون حبيبي ربي قد رضي في نفسه ولم يعد حزيناً ولا مُتحسراً ولا غضباناً، ولذلك لن يكون عبدك راضياً في نفسه أبداً حتى تكون أنت ربي راضياً في نفسك لا مُتحسراً ولا حزيناً ولا غضبان، وذلك لأني أعبدُ نعيم رضوانك ربي، فإذا لم تُحقق لعبدك ذلك فلمَ خلقتني يا إلهي؟ فإذا لم تحقق لعبدك النَّعيم الأعظم فقد ظلمت عبدك يا إلهي ولكنك قلت ربي وقولك الحق: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} صدق الله العظيم [الكهف:49] . وذلك لأنّ عبدك لا يستطيع ولا يريد أن يستطيع أن يقتنع بجنة النَّعيم والحور العين فأفٍ لجنة النَّعيم إذا لم يتحقق لعبدك النَّعيم الأعظم منها فلا حاجة لي بها شيئاً يا أرحم الراحمين. فكيف يكون على ضلالٍ من اتّخَذَ رضوان الله هو النَّعيم الأعظم من ملكوت الدُنيا والآخرة. وأَعلمُ أن في ذلك الحكمة من خلق عبدك وكافة عبيدك ولن أقبل بغير ذلك بديلاً واتَّخذتُ ذلك إليك ربي سبيلاً]. انتهى. ويا قوم، أقسمُ بالله العظيم من يخلق العظام وهي رميم أنّني ما أخبرتكم عن ذلك العبد الذي لو يُخاطبه الله أن يلقي بنفسه في نار جهنم فداءً حتى يتحقق النَّعيم الأعظم لنطق ذلك العبد بما قاله الإمام المهديّ، وذلك لأني علمت من الله من قبل أنه من الذين سوف يستخلصهم الله لنفسه، فمنهم ذلك الرجل أول من دفع الزكاة إلى المهديّ المنتظَر في كافة البشر. ومن ثم قال عنه محمد رسول الله: [ ربح البيعة]. فصلوا عليه وسلموا تسليماً. فلا تحرجوني من يكون ذلك العبد من الأنصار وحتماً ستعرفونه من بعد الفتح المُبين وآل بيته المُكرمين؛ بل هو من آل بيت محمد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بل هو من ذرية الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب فإنه ليعلمُ أن الإمام المهديّ نطق بما سوف ينطق به لسانه. ولربّما شياطين البشر يقولون: "ماله المهديّ المنتظَر يثني هذا الثناء على ذلك الرجل هل لأنّه أوّل من دفع إليه الزكاة المفروضة في الكتاب؟". ومن ثم يردّ عليه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: والله أنه سوف يعلمُ إنك لمن الكاذبين وأن ما ثناء ناصر محمد اليماني عليه نظراً لأنه أوّل من قام بدفع فريضة الزكاة إلى المهديّ المنتظر، بل ثنائي عليه بإذن الله بالحقّ فما يدريني بحقيقة عبادته لربّه الحقّ في نفسه ما لم يفتيني بعبادته الذي يعلمُ خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فأيّ خسارةٍ يا قوم خسرها الذين أعرضوا عن اتّباع الإمام المهديّ المنتظَر عبد النَّعيم الأعظم ناصر محمد اليماني؟ فأيّ خسارةٍ خسرها المُعرضون من أمته ممن أظهرهم الله على أمرنا في عصر الحوار من قبل الظهور؟ فأعرضوا عن تقديم البيعة والولاء والسمع والطاعة وشدّ الأزر لهذا الأمر الجلل العظيم وإظهاره للبشر؟ فأي خسارة خسروها؟ فما أعظم ندمهم فما أعظم ندمهم فما أعظم ندمهم! ويا قوم إنما أعظكم بواحدةٍ، فلكون هذا الكلام نبأٌ عظيمٌ، فإمّا أنَّ ناصر محمد اليماني ينطق بالحقّ ويهدي إلى صراطٍ مُستقيم، وأمّا أنَّ ناصر محمد اليماني مجنونٌ. فإذا كان مجنوناً فهذا يعني أنه قد فقد عقله، ولذلك لن يستطيع أن يقيم الحُجّة عليكم بل الحجّة ستكون لأولي الألباب. فإذا كان هو وأولياؤه من أولي الألباب فحتماً سيغلبكم ناصر محمد اليماني هو ومن اتَّبعه بآيات محكمات بيّناتٍ هُنَّ أُمّ الكتاب في القرآن العظيم. وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين.. أخوكم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني عبد النَّعيم الأعظم. ________________

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً