من نفحات رمضان

كَرِم رمضان بما كرّمه به الله، يعرضُ عليك الجنة بلا ثمن وبغير مقابل في الليل والنهار، فمن لم يدرك الجنة بصيام النهار فليدركها بقيام الليل.

  • التصنيفات: الحث على الطاعات - ملفات شهر رمضان -

يهل علينا شهر رمضان ونحن في أشد الاحتياج إلى صلة بالله متينة، تُقَوّي العزم وترفع الهمم وتُذهب الحزن، وتكشف الكرب وتزيل الهم وتريح النفس، وتوقظ الضمير وتُقَوّم الكسلان وتُنبّه الغافل وتعين على نوائب الدهر طلبا للثبات، وأملا وبشرى في موعود الحق وسيرا على الطريق رفعا للدرجات وزيادة الحسنات رجاء الوصول لحسن الخاتمة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (صحيح مسلم [118]).

وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «بادِروا بالأعمالِ سبعًا، هل تنتِظرونَ إلَّا مرضًا مُفسدًا، و هَرمًا مُفندًا، أو غنًى مطغيًا، أو فَقرًا مُنسيًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدَّجالَ، فشرُّ مُنتظَرٍ، أو السَّاعةُ، و السَّاعةُ أدهَى و أمَرُّ» (السلسلة الضعيفة [1666]).

وفي طريق السائرين إلى الله، لا مجال للحلول الباهتة والألوان الرمادية.. فإمّا النماء والارتقاء وإما التخلف والتأخر، إما الفوز وإما الخسارة، إما الجنة وإما النار.

رمضان طريق البناء والتشييد والتعمير فنحنُ على الأرض.. نبني لأرواحنا في السماء..
رمضان نفحة ربانية للأخذ بيد العباد إلى الجنان.. ألا هل من مشمر للجنة؟

يكفي رمضان فضلا وخيرا وبركة أن من صامه مبتغيا به وجه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ جبريلَ عَرض لي فقال: "بَعُدَ من أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له"» (صحيح الترغيب [995]). وقد وعد الله تعالى المخلصين بالنجاة والربح والفوز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ» (صحيح البخاري [2014]).

وهو يُكافئ أجر الحج، فمن لم يستطع الحج فها هو أجر الحج: «مَن حَجَّ للهِ، فلَمْ يَرفُثْ، و لَم يَفسُقْ، رَجَعَ كَيومِ ولَدْتُهُ أُمُّهُ» (صحيح الجامع [6197])، وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ» (صحيح مسلم [233]).

يكفي رمضان أنه سر بين العبد وربه، وهو سبحانه وحده من يعلم مقدار ثوابه وعظيم أجره.
الصوم جُنة ووقاية وحماية وعِتق ودرع وأمان من الشهوات والأمراض والمضار والآفات الظاهرة والباطنة، جُنة من الشياطين وجُنة من النار.
وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، تماما كالشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يقطر دما وريحه ريح المسك.

 

ورمضان فرحة ظاهرة وباطنه في الدنيا والآخرة:
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» (صحيح البخاري [1904]).

وعنه أيضا أن رسول الله ﷺ قال: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سَبْعِمائةِ ضِعفٍ، قال اللهُ تعالى: "إِلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لِي، وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلِي"، وللصائمِ فرْحتانِ: فرحةٌ عند فِطرِه، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّه، ولَخَلُوفُ فمِ الصائمِ، أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المِسكِ» (صحيح الترغيب [978]).

وقال أيضا ﷺ: «إن جبريلَ عليه السلامُ أتاني فقال: "منْ أدركَ شهرَ رمضانَ، فلم يُغفرْ له، فدخلَ النارَ؛ فأَبعدهُ اللهُ، قُلْ: آمين"، فقلتُ: آمين، "ومن أدركَ أبويهِ أو أَحدهمَا، فلم يبرَّهُما، فماتَ، فدخل النارَ؛ فأَبعدهُ اللهُ، قُلْ: آمين". فقلتُ: آمين، "ومن ذُكِرْتَ عندهُ، فلم يُصلّ عليكَ، فماتَ، فدخلَ النار؛ فأَبعدهُ اللهُ، قل: آمين". فقلت: آمين» (صحيح الترغيب [1679]).

وقال ﷺ: «إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ: صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ويُنادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ، وذلكَ كلُّ لَيلةٍ» (صحيح الترمذي [682]).

وقال أيضا ﷺ: «إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ» (صحيح ابن ماجه [1340]).

 

فكَرِم رمضان بما كرّمه به الله، يعرضُ عليك الجنة بلا ثمن وبغير مقابل في الليل والنهار، فمن لم يدرك الجنة بصيام النهار فليدركها بقيام الليل، ومن فاته الخيران فليدرك المغفرة بليلة القدر.

قال رسول الله ﷺ: «مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه، ومَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه» (صحيح البخاري [1901]).

وقال ﷺ: «مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ» (صحيح النسائي [2205]).

وعَنْ أَنَسِ قَالَ: "دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ»" (صحيح ابن ماجه [1341]).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]، قَالَ: "يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ مَطَرٍ، حَتَّى يُكْتَبَ الْحَاجُّ؛ يَحِجُّ فُلانٌ، وَيَحِجُّ فَلانٌ".

عن أنس قال: "كان النبي ﷺ أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس" (صحيح البخاري [6033]).
وعن ابن عباس قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجودُ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ، حين يلقاه جبريلُ، وكان جبريلُ يلقاه في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ فيدارِسُه القرآنَ، فلَرَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ" (صحيح البخاري [3220]).

 

الكاتب: ماهر جعوان.