فإن يشأ الله يختم على قلبك
أبو الهيثم محمد درويش
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الشورى 24]
- التصنيفات: التفسير -
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} :
يدعي الكافرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكذب على الله و يفتري من عنده في تبليغه للرسالة , وغفل هؤلاء المجرمون عن علم الله وقدرته على الرسول أو على أي بشر , فكيف يرسله الله ثم يتركه يكذب و يزيد أو ينقص كما يشاء , فالله قادر على أن يختم على قلب رسوله و هو القادر ابتداء على الانتقام من كل مدعي للرسالة كذباً وبهتاناً , فإن كان الكذب في ادعاء الرسالة نفسها فالله قادر على أخذ كل كاذب , وإن كان الادعاء بأنه يكذب على من أرسله بأن يحرف في الرسالة , فمن أرسله قادر على أن يعاقبه ويوقف كذبه , وكل هذا مستحيل في حق أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم, وأول أدلة صدقه هي تلك الكلمات النورانية التي نزلت عليه لتدل على الله وصفاته وأفعاله وحكمته وأحكامه وأيام الله و تاريخ الإيمان والمؤمنين .
قال تعالى:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الشورى 24]
قال السعدي في تفسيره :
يعني أم يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا: { افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فرموك بأشنع الأمور وأقبحها، وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه، وهم يعلمون صدقك وأمانتك، فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراح؟
بل تجرأوا بذلك على الله تعالى، فإنه قدح في الله، حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة، المتضمنة -على موجب زعمهم- أكبر الفساد في الأرض، حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة، ثم بنسبتها إليه، ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات، والأدلة القاهرات، والنصر المبين، والاستيلاء على من خالفه، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها، وهو أن يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئا ولا يدخل إليه خير، وإذا ختم على قلبه انحسم الأمر كله وانقطع.
فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول، وأقوى شهادة من الله له على ما قال، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر، ولهذا من حكمته ورحمته، وسنته الجارية، أنه يمحو الباطل ويزيله، وإن كان له صولة في بعض الأوقات، فإن عاقبته الاضمحلال.
{ {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} } الكونية، التي لا تغير ولا تبدل، ووعده الصادق، وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق، وتثبته في القلوب، وتبصر أولي الألباب، حتى إن من جملة إحقاقه تعالى الحق، أن يُقَيِّضَ له الباطل ليقاومه، فإذا قاومه، صال عليه الحق ببراهينه وبيناته، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع، ويتبين بطلانه لكل أحد، ويظهر الحق كل الظهور لكل أحد.
{ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } } أي: بما فيها، وما اتصفت به من خير وشر، وما أكنته ولم تبده.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن