ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون
أبو الهيثم محمد درويش
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19)
- التصنيفات: التفسير -
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} :
الابتلاء من سنن الله ليتبين صدق الصادقين وكذب المدعين , والتاريخ يتكرر وسنن الله لا تتبدل , فلما اختبر سبحانه المصريين وأرسل إليهم موسى بطلب واضح ومقدور وهو أن يتركوا له عباد الله المؤمنين من بني إسرائيل ويخلوا بينه وبينهم ليتفرغ لدعوتهم ويتفرغوا لعبادة الله , وأخبرهم موسى عليه السلام أنه رسول لهم من الله فلا تتعالوا على أوامر الله وقد أيدني بالمعجزات الباهرات التي رأيتموها بأم أعينكم , وإياكم أن تعاندوا وتبالغوا في عدائي فإن الله سيمنعني ويحميني من شركم , فإن قبلتم فلكم الرضا وإن رفضتم وأعرضتم فعليكم ما فعلتم , فلما أصروا على العناد والمحاربة والعداء لله ورسوله بعد ما أمهلهم الله وأراهم الآيات متتابعات , كان دعاء موسى عليهم , وكان أمر الله لموسى بالخروج من مصر.
قال تعالى :
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ (20) وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ (22)} [الدخان 17-22]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } } أي: ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم الرسول الكريم الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره.
{ { أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ } } أي: قال لفرعون وملئه: أدوا إلي عباد الله، يعني بهم: بني إسرائيل أي: أرسلوهم وأطلقوهم من عذابكم وسومكم إياهم سوء العذاب فإنهم عشيرتي وأفضل العالمين في زمانهم.
وأنتم قد ظلمتموهم واستعبدتموهم بغير حق فأرسلوهم ليعبدوا ربهم، { {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } } أي: رسول من رب العالمين أمين على ما أرسلني به لا أكتمكم منه شيئا ولا أزيد فيه ولا أنقص وهذا يوجب تمام الانقياد له.
{ {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} } بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله، { {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} } أي: بحجة بينة ظاهرة وهو ما أتى به من المعجزات الباهرات والأدلة القاهرات، فكذبوه وهموا بقتله فلجأ بالله من شرهم فقال: { {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} } أي: تقتلوني أشر القتلات بالرجم بالحجارة.
{ {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} } أي: لكم ثلاث مراتب: الإيمان بي وهو مقصودي منكم فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة فاعتزلوني لا علي ولا لي، فاكفوني شركم. فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية بل لم يزالو متمردين عاتين على الله محاربين لنبيه موسى عليه السلام غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل. { {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} } أي: قد أجرموا جرما يوجب تعجيل العقوبة.
فأخبر عليه السلام بحالهم وهذا دعاء بالحال التي هي أبلغ من المقال، كما قال عن نفسه عليه السلام { {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن