الزيادة على الدنيا!!
حمزة بن فايع الفتحي
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
ونقصد الزيادة الإيجابية ذات الأثر الحسن، والقيمة المعتبرة، والجهد البناء ، كما قال الأستاذ الرافعي رحمه الله: (إذا لم تزد شيئا على الدنيا كنت زائدا عليها).
وهذه الزيادة هي بصمتك في الحياة، وقيمتك المضافة، وصناعتك الباهرة، والغرس الذي يجري لك وللناس.
فإذا ما رأوه وانتفعوا به، ذكروك الذكر الحسن، وأشادوا بك الإشادة البالغة، وتأسى من أناس يملكون مقومات الزيادة النهضوية والإبداعية، ولكنهم يكسلون أو يجبنون أو يترددون ولهؤلاء قال المتنبي :
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ.
وهنا نماذج من بعض السير ومواقف لأفذاذ سجلوا بصمات، وغرسوا حسنات:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يسلم وعقب إسلامه مباشرة يأتي اليوم الثاني لستة أنفس الذين صاروا مبشرين بالجنة بعد ذلك ولهم المواقف المشهورة في الإسلام.
ومصعب بن عمير رضي الله عنه يرشحه صلى الله عليه وسلم أن يكون سفير الإسلام إلى المدينة، والداعية الأول فيحدث تطورات دعوية لا نظير لها ويسلم على يديه سادات الأنصار.
وأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، وبرغم مدتها الدعوية القصيرة، إلا إنها سجلت معاني النصرة والتأييد لرسول الله (كلا والله لا يُخزيك الله أبدا).
نُعيم بن مسعود الغطفاني يسلم متأخرا في غزوة الأحزاب(٥) للهجرة، ورسول الله وصحابته تحت الحصار ، فيأتي عارضاً جهده وخدماته لرسول الله، ولم يقل: أنا واحد وماذا سأصنع، والزمان زمان حرب وشدة، بل تحرك وخالف بين الفريقين المشركين، وتسبب في تحقيق نصر كما في القصة المشهورة. وحبر الأمة ابن عباس لم يكتف بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد مثابرا في طلب العلم وتحصيله حتى بوأه الله المنزلة الرفيعة . فزاد في العلم عقلا وفهما وتبصيرا.
وأبو هُريرة الدوسي رضي الله عنه تأخر إسلامه وفاته علم جم، ولكنه بالهمة والإصرار عوض ما فاته، ونال ما لم ينله الآخرون حتى قال فيه عليه الصلاة والسلام في سؤال الشفاعة (وما ظننتُ أن سيسألني أحد غيرك لما رأيت من حرصك على الحديث).
والإمام المجدد ابن القيم رحمه الله زاد في المكتبة الإسلامية ( زاد المعاد في هدي خير العباد)، فجاء فيه بالعجب العُجاب، والفهم المستطاب، حتى أتعب من بعده. والإمام النووي رحمه الله صنف (رياض الصالحين) فأصلح الله به نفوسا، وأحيا به قلوبا، واحتوى نفائس السنن، وجواهر الأثر والعبر. حتى بات عنوانا للمساجد والمدارس. والعلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني أنتج أبا الشروح، وداوى الجروح، وأزال القروح بكتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) برغم كثرة الطروحات قبله، ولكنه انقطع له فجمع وأوعى، وحرر وأزجى، حتى إنك لتعجب أي عبادة قدمها حتى ينال ذلك الشرف رحمه الله.
وتعاين في تاريخنا الزاهر، أبطالا كخالد وصلاح الدين وألب أرسلان، تَرَكُوا ما فاق أعمارهم، وأنبت فضائلهم، ونقش لهم النقش التاريخي الفريد.
وفي عصرنا الحالي العلامة ابن باز رحمه الله وتراثه الفقهي والإصلاحي . والعلامة ابن عثيمين والتركة العلمية الفاخرة . والمحدث الألباني رحمه الله مجدد السنة والأثر، والتصنيفات العجيبة التي باتت أبناء له تجري حسناتها له بإذن الله تعالى .
وفي المجال الدعوي والإغاثي تبرز شخصيات عزيزة من أمهرها الشيخ الدكتور عبد الرحمن السُميط رحمه الله، أبو الأيتام وباني المساجد، ومشيّد المدارس، ورفيق الأفارقة، و طالع إن شئت مقالة (المدرسة السميطية) لراقمه .
والنماذج تطول قديما وحديثا، ولكنها هنا إشارات وملامح لكي نتعظ، وأنه لا قيمة للإنسان لاسيما الشباب، إلا بوعي رسالة الحياة والوجود، وحفز الطاقات الداخلية إنتاجا وإثمارا.
وأدوات الزيادة: الاقتناع بشرف الزيادة، وهجران الدعة والكسل، والإشفاق من الهزيمة والواقع، والوعي الجيد، والطموح السيَري، والحرص على الإنتاج في أضيق الظروف، وأحلك الأوقات! والله الموفق!