مجتمعنا: أمانة في أعناقنا: المقال الثاني

منذ 2018-10-20

ويمكن أخذ بعض هذه الحزمة من الأفكار وترك بعضها، ولا يعجز الكمّل عنها جميعًا

عبّرت في مقالة سابقة عن إيماني أنّه في مقدور كلّ إنسان أن يخدم مجتمعه، وينفع أناسه، مهما كانت طبيعته، وإمكاناته، ومواهبه، وبيئته، واستعداداته، ونظرته للحياة، وباختلاف هذه الأمور يتباين مستوى الأداء ما بين صاعد في الفضاء، ومنحاز إلى الأرض، وبينهما من بينهما من الخلائق.

وأشرت لأفكار تمتاز بقابليتها للتّنفيذ من أيّ فرد، أو مجموعة، أو شبكة، أو فئة، أو من المجتمع بكافة ألوانه، وفيها ما لا يحتاج إلى استئذان، أو مال، او انتقال، أو خبرة عميقة. وربّما لا يختلف عليها من حيث المبدأ المتشاكسون في كلّ شيء، وإنّما يكمن الخلاف في التّفاصيل، ولا يمكن النّجاة من حبائل التّفصيل بضباب التّعميم، وغاية ما هنالك أن يفعلها المؤمن بها كما يشاء، شريطة أن يضمن شرعيتّها، وفعاليتها، وصواب الأداء؛ حتى تثبت باعتبارها قيمة مجتمعيّة أساسيّة، ولكلّ امرئ ما نوى.
ويمكن أخذ بعض هذه الحزمة من الأفكار وترك بعضها، ولا يعجز الكمّل عنها جميعًا، وقد يطوي إنسان بعضها لغاية، ثم يعيد بسطها، أو العكس، والمهم ألاّ ننكص عن المعروف، أو نجفل عن المشاركة، أو نتوانى بسبب أوهام، فهذا مجتمعنا، ونحن أهله، وحريّ بنا أن نكون من خيار الأهل، ومن الأفكار المقترحة: 
*الشّبكات الفاعلة:
كلّ واحد منّا يعيش ضمن عدّة شبكات، أسريّة، وسكنيّة، ومهنيّة، وغيرها، وإنّ نشر الخير بين أفرادها، واستحثاث الإيجابيّة فيهم لأمر حميد رشيد، وثمرته أن تتبنى كلّ شبكة مشروعًا مباركًا أو أكثر، وبالتّالي فحيثما ذهبت وجدت البركة يتشارك في نسجها فئام قد لا يتفقون في كلّ شيء، ومن الأمثلة إشاعة ثقافة السّلامة، وعادات المشي، والغذاء الصّحي، والتّثقيف الطّبي، وحماية المستهلك، وتنويع الأسواق، وتعليم الّلغة.
*دعم الأمن والنّماء:
أيّ إجراء يجلب مصلحة لبلادك ومجتمعك في الأمن، والنّماء، أو يدافع مفسدة، فهو خير جدير بأن يصار إليه، وعكسه سوء يجب أن يقاوم، ولن تكون هذه المصالح معتبرة إلّا بشرعيّتها، وإنّ تصحيح مفاهيمها يسبق الصّيرورة إليها، وما أسعد من تكون له آثار مباركة في عيش آمن رغيد.
*حفظ الطّاقة والموارد:
وهي حريّة بحسن الاستخدام، والاستثمار فيما يعود بالمنافع على البلد وأهله، ولذلك فالمشي صحة، وحفظ للموارد، وفتح النّوافذ، والجلوس في الهواء الطّلق؛ يعطينا الأكسجين، ويحافظ على الطّاقة، وإتباع السّنة في الطّهارة من ترشيد استهلاك المياه، وعلى ذلك قس.
*السؤال والإحصاء:
إنّ يقظة الإنسان للأرقام والإحصاءات تعينه على المقارنة ومعرفة التّقدّم من التّأخر، كما أنّ إثارة الأسئلة الوجيهة تقود للبحث عن إجابات صريحة كاشفة، وما أحسن الإحصاءات والأسئلة حين تجلّي حقيقة، أو تفضح باطلًا، أو تلجم دعيّاً خاصة ممن يتسورون على محاريب الفضيلة.

*الدّفاع عن القيم:
فلكلّ واحد لسان ووسيلة يستطيع أن يذود بها عن قيمه ولو اخترقها هوى أو غلطًا، ويستطيع الكاتب والخطيب المشاركة ببيانهما، والتّاجر بمشاريعه القيمية الرّابحة في التّعليم، والإعلام، والتّرفيه، والتّطبيب، وصناعة الملابس، وغيرها، ومثله المهني الذي يعلي من قيم مجتمعه في وجه من ينصب لانتهاكها، والمسؤول الذي يقف سدّا منيعًا دون أيّ تيّار يسعى لجرف جذور راسخة.
ومن نافلة القول التّأكيد على أنّ هذه الأعمال ليست مفروضة على الحكومة أو مطلوبة من النّخب فقط، بل هي واجب يتعاقد المجتمع ويتعاضد في سبيله، وقد جعل الله لكلّ شيء قدرًا، ولم يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها. ومن الضّرورة الإشارة إلى أنّ هذه المقترحات ليست من باب المغالبة والمنافسة أو الضّغط أو تحقيق المكاسب، بل هي منافع للنّاس والمجتمع والحكومة والأجيال القادمة، وخير النّاس أنفعهم لخلق الله، وحين يؤدّي الواحد ما عليه، ويسأل ما هو له، تستقيم الدّنيا ويتلاشى الاعوجاج، وتتعاظم قيمة الإنسان حتى يشعر بسمو لا دنو فيه.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الجمعة 25 من شهرِ محرّم الحرام عام 1440
05 من شهر أكتوبر عام 2018م

  • 1
  • 0
  • 3,862

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً