أدلة ذم الوهن في القرآن الكريم

ملفات متنوعة

قال تعالى:  {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}   [آل عمران: 139].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: وَلاَ تَهِنُوا أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى، وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيُّها المؤمنون)

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -

 


وردت آيات في القرآن الكريم تنفي صفة الوَهَن عن المؤمنين، وآيات في ذَمِّ الوَهَن، ومِن ذلك ما يلي:
- قال تعالى:  {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ } [آل عمران: 146].
قال الطَّبري في تفسير هذه الآية: (يعني بقوله -تعالى ذكره-:  فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ، فما عجزوا لما نالهم مِن أَلَم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل مَن قُتِل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نَكَلوا عن جهادهم: وَمَا ضَعُفُواْ، يقول: وما ضَعُفَت قواهم لقتل نبيِّهم: وَمَا اسْتَكَانُواْ، يعني وما ذَلُّوا فيتخشَّعوا لعدوِّهم بالدُّخول في دينهم ومداهنتهم فيه خِيفَة منهم، ولكن مضوا قُدُمًا على بصائرهم ومنهاج نبيِّهم، صبرًا على أمر الله وأمر نبيِّهم، وطاعة لله واتِّباعًا لتنزيله ووحيه)   .
وقال البيضاوي: ( {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ}  [آل عمران: 146]، فما فتروا ولم ينكسر جِدُّهم لما أصابهم مِن قتل النَّبيِّ أو بعضهم. وما ضعفوا عن العدو أو في الدِّين. وما استكانوا وما خضعوا للعدو)   .
 (وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم مِن البلاء والكرب والشِّدَّة والجراح. وما ضَعُفَت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين..
  {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}  [آل عمران: 146].. الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضَعْضَع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتَّعبير بالحبِّ مِن الله للصَّابرين له وقعه، وله إيحاؤه؛ فهو الحبُّ الذي يأسو الجراح، ويمسح على القَرْح، ويعوِّض ويَـرْبُو عن الضُّرِّ والقَرْح، والكفاح المرير)   .
- وقال تعالى:  {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}   [آل عمران: 139].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: وَلاَ تَهِنُوا أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى، وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيُّها المؤمنون)   .
 (فقوله سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا (مِن الوَهَن والضَّعف، وَلاَ تَحْزَنُوا لما أصابكم ولما فاتكم، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ.. عقيدتكم أعلى؛ فأنتم تسجدون لله وحده، وهم يسجدون لشيء مِن خلقه أو لبعضٍ مِن خلقه! ومنهجكم أعلى؛ فأنتم تسيرون على منهج مِن صنع الله، وهم يسيرون على منهج مِن صنع خلق الله! ودَوْرُكم أعلى، فأنتم الأوصياء على هذه البشريَّة كلِّها، الهداة لهذه البشريَّة كلِّها، وهم شاردون عن النَّهج، ضالُّون عن الطَّريق. ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وِرَاثة الأرض التي وعدكم الله بها، وهم إلى الفناء والنِّسيان صائرون.. فإن كنتم مؤمنين حقًّا فأنتم الأعلون. وإن كنتم مؤمنين حقًّا فلا تهنوا ولا تحزنوا. فإنَّما هي سنَّة الله أن تُصَابوا وتُصِيبُوا، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء)   .
- ويقول تبارك وتعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].
قال الكيا الهراسي: (فيه دليل على منع مهادنة الكفَّار إلَّا عند الضَّرورة، وتحريم ترك الجهاد إلَّا عند العَجْز عن مقابلتهم، لضعفٍ يكون بالمسلمين)   .
 (فهذا هو الذي يحذِّر المؤمنين إيَّاه، ويضع أمامهم مصير الكفَّار المشاقِّين للرَّسول؛ ليحذروا شبحه مِن بعيد! وهذا التَّحذير يشي بوجود أفراد مِن المسلمين كانوا يستثقلون تكاليف الجهاد الطَّويل ومشقَّته الدَّائمة، وتهن عزائمهم دونه، ويرغبون في السِّلم والمهادنة ليستريحوا مِن مشقَّة الحروب. وربَّما كان بعضهم ذوي قرابة في المشركين ورحم، أو ذوي مصالح وأموال وكان هذا يجنح بهم إلى السِّلم والمهادنة. فالنَّفس البشريَّة هي هي؛ والتَّربية الإسلاميَّة تعالج هذا الوَهَن وهذه الخواطر الفطريَّة بوسائلها. وقد نجحت نجاحًا خارقًا. ولكن هذا لا ينفي أن تكون هناك رواسب في بعض النُّفوس، وبخاصَّة في ذلك الوقت المبكِّر مِن العهد المدني. وهذه الآية بعض العلاج لهذه الرَّواسب. فلننظر كيف كان القرآن يأخذ النُّفوس. فنحن في حاجة إلى تحرِّي خطوات القرآن في التَّربية، والنُّفوس هي النُّفوس:
{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 35].. أنتم الأعلون. فلا تهنوا وتدعوا إلى السِّلم. وأنتم الأعلون اعتقادًا وتصوُّرًا للحياة. وأنتم الأعلون ارتباطًا وصلةً بالعلي الأعلى. وأنتم الأعلون منهجًا وهدفًا وغايةً. وأنتم الأعلون شعورًا وخلقًا وسلوكًا.. ثمَّ.. أنتم الأعلون قوَّة ومكانًا ونصرةً. فمعكم القوَّة الكبرى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ.. فلستم وحدكم. إنَّكم في صحبة العلي الجبَّار القادر القهَّار. وهو لكم نصير حاضر معكم. يدافع عنكم. فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟! وكلُّ ما تبذلون، وكلُّ ما تفعلون، وكلُّ ما يصيبكم مِن تضحيات محسوبٌ لكم، لا يضيع منه شيء عليكم:
{وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} .. ولن يقطع منها شيئًا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه.
فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السِّلم مَن يقرِّر الله سبحانه له أنَّه الأعلى، وأنَّه معه، وأنَّه لن يفقد شيئًا مِن عمله؟! فهو مكرَّم منصور مأجور)