شبهات الليبراليين وردود عليها

ملفات متنوعة

ولهذا حذرت الشريعة الإسلامية من " نواقض الإيمان "، وبينت خطورتها، فقد يكفر الإنسان ويخرج من الملة، وهو لا يزال يشهد أن لا إله إلا الله ويؤدي بعض الواجبات، وهذه حقيقة شرعية قطعية.

  • التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -

شبهات وردود


يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددا من الشبهات يعارضون بها الحكم السابق عليها، منها: 
الشبهة الأولى: شبهة التكفير
وهذه الشبهة تظهر في الحكم على كل مذهب إلحادي يفد على البلاد الإسلامية، حيث يقولون: إن بعض الليبراليين ينطقون الشهادتين، ويصلون، ويؤدون الشعائر التعبدية، والقول بأن الليبرالية عقيدة كفرية يكون بمثابة تكفير المسلمين، وهذه هي عقيدة الخوارج الضالين. 
ونجيب عن هذه الشبهة بأن ثبوت الإسلام للإنسان يشترط له بالإضافة إلى الإتيان بالواجبات المذكورة في الشبهة وغيرها: ترك النواقض والمبطلات لحقيقة الإيمان والإسلام، فمن يأتي بهذه الواجبات، وهو قائم على نواقض الإيمان، فإنها لا تنفعه حتى يترك النواقض. 
ولهذا حذرت الشريعة الإسلامية من " نواقض الإيمان "، وبينت خطورتها، فقد يكفر الإنسان ويخرج من الملة، وهو لا يزال يشهد أن لا إله إلا الله ويؤدي بعض الواجبات، وهذه حقيقة شرعية قطعية. 
وهذه الحقيقة موجودة في كل دين، لأنه ما من دين إلا ويوجد له نواقض إذا وجدت بطل أصل هذا الدين، وكذلك الأمر في العبادات كالصلاة والوضوء وغيرها لو أتى الفرد بواجباتها وارتكب مبطلاتها لم تنفعه هذه الواجبات. 
ومن المعلوم المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة أن لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) شروطا عظيمة وليست مجرد كلمة تقال بالألسن، ومن هذه الشروط: الانقياد والقبول والتسليم والإخلاص وغيرها. 
ولهذا لم يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم إقرار الحبرين من اليهود بأنه "رسول الله " لأنهما لم يلتزما بالإسلام، و في الحديث أنهما: ((قبلا يديه، وقالا: نشهد أنك نبي. قال: فما يمنعكما أن تتبعاني، قالا: إن داود عليه السلام دعا ألا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا تقتلنا يهود))  (1) .
وهكذا أقر أبو طالب بصدق دينه في قوله: 
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي   فلقد صدقت وكنت قدم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه     من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة       لوجدتني سمحا بذاك مبينا  (2) 
ومثله إقرار هرقل بنبوته عليه الصلاة والسلام، لأنه إقرار باللفظ لا يتضمن التزام عملي (القبول والانقياد والتسليم). 
وقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وعموم العرب عندما رفضوا معنى (لا إله إلا الله) وقالوا: " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب "، ولم يفعل ذلك لمجرد اللفظ، وهذا ما فهمه المشركون في زمانه، ولهذا لم يقبلوا ولم ينقادوا. 
وهذه الشبهة تدل على عدم الفهم الصحيح للإسلام، وأنه التزام حقيقي، وجهاد للباطل وأهله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمن خاف من القتال في سبيل الله " لا صدقة ولا جهاد بماذا تدخل الجنة " والسيرة العملية للقدوة عليه الصلاة والسلام تبين حقيقة الإسلام والإيمان  (3) ، فهي تفسير واقعي لحقيقة الإيمان في كافة المجالات: في النفس والمجتمع الإسلامي، والعلاقة بالآخر (الكافر/والمنافق)، و في الحكم والاقتصاد وغيرها من المجالات.
ومن جهة أخرى فإن التكفير الوارد حول هذا المذهب يقع على العقائد، والأفكار، والآراء التي يتضمنها، وهذا يسمى " كفر النوع "، وهو تحرير المسائل الكفرية دون النظر للمعينين، أما الفرد المعين فإن وجدت فيه هذه العقائد والأفكار، والآراء، فإنه لابد من توفر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه عنه  (4) .
هذا في حال تلبسه بهذه المكفرات، أما مجرد الانتماء لهذا المذهب وحده، فهو غير كاف في اعتباره متلبسا بهذه المكفرات، لأن الواقع يشهد بأنه يوجد من ينتمي إلى مذهب فإذا سئل عنه، وصفه بغير حقيقته دون إقرار بالمكفرات التي هي مناط الكفر. 
وبناء على ذلك فإن المعينين تختلف أحوالهم، وأوضاعهم، ولكن العقائد والأفكار تبقى ثابتة يمكن أن يطلق عليها حكم محدد، ولا يعكر على ذلك اختلاف أحوال المعينين وأحكامهم. 
وكلامنا في هذا الفصل يكون حول العقائد والأفكار، وليس على المعينين فلهم شأن آخر. 
وهذا أمر معروف عند علماء السلف الصالح حيث يطلقون وصف الكفر على المقالة، ويبينون وجه مناقضتها لأصل الدين دون أن يقتضي هذا تكفير كل معين يقول بهذه المقالة، فضلا عن تكفير المنتمي لفرقة تقول بها لمجرد انتمائه  (5) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فقد يكون الفعل أو المقالة كفرا، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا فهو كافر، أو من فعل كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. 
وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع "  (6) ، وقد حذر علماء السلف  (7) من إطلاق تكفير المعين دون بينة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ النساء:94]  (8) .
وبقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما))  (9) ، يقول الشاطبي: " والحاصل أن المقول له إذا كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب به المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه "  (10).
والتكفير حكم شرعي تترتب عليه لوازم في الدنيا والآخرة، فيجب الاحتياط فيه، والحذر من الاستعجال فيه، ولهذا قد تكون المقالة كفرا ناقلا عن الملة، ولا يكون القائل بها كافرا إذا لم تقم عليه الحجة أو كان متأولا.