أخطار الحركة القومية
ملفات متنوعة
والآن يريدون إخفاء الوطنيات تماماً لتصبح أوروبا أمة واحدة لا وطنية فيها فضلاً عن القومية، ولأنهم ذاقوا مرارة القومية فأرادوا أن يُصدِّروها لتفتيت العالم الإسلامي
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
أخطار الحركة القومية
عانت أوربا من الحركات القومية , من هنا يجد الإنسان المفارقة، ويعلم أنها كانت كلها تهدف لتحقيق التمزق والفرقة بين المسلمين؛ لمعرفتهم بأخطار الحركة القومية في أوروبا التي قد عانت وذاقت الأمرَّين من الفكر القومي والتمزق القومي، فجاءت وصُدِّرت هذا الفكر إلى العالم الإسلامي، في حين بدأت هي تكون التحالفات والتكتلات الأممية والعالمية التي ظهرت في الحرب العالمية الأولى ثم في الثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية انتهت القوميات في أوروبا واختفت.
والآن يريدون إخفاء الوطنيات تماماً لتصبح أوروبا أمة واحدة لا وطنية فيها فضلاً عن القومية، ولأنهم ذاقوا مرارة القومية فأرادوا أن يُصدِّروها لتفتيت العالم الإسلامي؛ فظهرت الدعوة الطورانية أو التركية، وأرادت أن تفرض اللغة التركية على جميع العرب، وفي المقابل ظهر الدعاة القوميون العرب - وأكثرهم من النصارى - ثم تبعهم الشيعة والدروز وأمثالهم - ينادون بالعروبة واللغة العربية والأمة العربية.
في الحرب العالمية الأولى كانت البداية عندما اتفق فيما يسمى اتفاقية سايكس بيكو على تقسيم الخلافة العثمانية بين دول الغرب، فجاءت الحركة القومية العربية وجيشت جيوشاً؛ وحاربت مع الإنجليز ضد الدولة العثمانية، فعندما أراد الصليبيون أن يدخلوا إلى القدس كانت رايتهم تضم جموعاً عديدة منها: الإنجليز، والعرب القوميون - الذين انضموا إلى الإنجليز في قتال إخوانهم في الإسلام "الترك" - ودخل الإنجليز القدس، وبانتهاء الحرب العالمية انتهت الخلافة العثمانية تماماً، وتمزق العالم الإسلامي، ونفذت اتفاقية "سايكس بيكو ".
وظهرت الأفكار الوطنية والقومية، وكانت في مصر أكثر ما تكون وطنية، وأما في بلاد الشام فإنها كانت قومية. ثم تطورت الحركة القومية وجمعية العربية الفتاة - كما يسمونها - وحرصت على تأسيس رابطة قومية تجمع العرب، وبارك الغرب هذه الرابطة وشجعها؛ بل إن الذي اقترحها في الأصل كمنظمة هو "أنطونيا إيدن " الذي كان وزير خارجية بريطانيا، ثم أصبح رئيس وزراء بريطانيا، فاقترح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، فأنشئ بروتوكول الإسكندرية ثم جامعة الدول العربية.
وكان الذين أسسوها واجتمعوا ووقعوا ميثاقها هم - قبل قيام هذه الجامعة - كانوا أعضاء في جمعية العربية الفتاة وأشباهها من الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الزمن، وأوضح الكتب على هذا كتاب (نشأة القومية العربية ) لمحمد عزة دروزة لأنه كان واحداً منهم، وكذلك الشاعر "خير الدين الزركلي " صاحب الأعلام، واحداً من هؤلاء القوميين، وشعره وحياته يذكر فيها هذا الشيء كذلك.
رئيس بلاد الشام "شكري القوتلي " كان من جمعية العربية الفتاة، ووقع ميثاق جامعة الدول العربية، فنشأ الفكر القومي بعد ذلك حتى قامت ثورة الحزب البعثي، واستطاع بقيادة "ميشيل عفلق " أن يؤسس فكرة عقدية قوية جداً تحكم الآن العراق وسوريا، وله وجود قوي في ليبيا وفي السودان وهم الآن - تقريباً - أقوى حزب في موريتانيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية نسيت القوميات تماماً في أوروبا، فأصبحت التكتلات عقائدية وعسكرية، وأصبحت أوروبا في الحقيقة معسكرين: حلف وارسو، وحلف الناتو شمال الأطلسي، فأما حلف شمال الأطلسي فيضم الولايات المتحدة الأمريكية ومعه دول غرب أوروبا كلها على اختلاف مللها ومذاهبها الدينية وقومياتها.
وأما حلف وارسو فيضم الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية الشيوعية على اختلاف أجناسها وأعراقها التي أصبحت كتلة واحدة بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام (1945م).
وبعدها وقع ميثاق جامعة الدول العربية؛ ثم ظهرت هذه الأحزاب وأسس حزب البعث، فلما ظهر المعسكر الشرقي الاشتراكي اندمجت الفكرة الاشتراكية في الحركات القومية والوطنية - لأنها كلها مستوردة من الغرب - فقامت الثورة المصرية وحَوَّلَها جمال عبد الناصر من فكرة وطنية إلى فكرة قومية، وقبل جمال عبد الناصر لا تجد في مصر إلا إشارات إلى العرب أو العروبة ككل، وإنما كانت الفكرة الراسخة في مناهج التعليم وفي الصحافة والإعلام والشعر هي الشعارات الوطنية الفرعونية...إلخ، وبعد أن جاء جمال عبد الناصر أنشأ إذاعة صوت العرب، والصحافة العربية، والفكر العربي، والأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فأجج الفكر العربي القومي.
وفي المقابل - أيضاً - جاء البعثيون بشعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فكان هذا هو شعار حزب البعث، فبدءوا ينشرون هذا المبدأ، وكان الصراع على أشده بين هؤلاء وهؤلاء، مع أن جمال عبد الناصر دعا إلى الاشتراكية مع القومية العربية، وأولئك مع الوحدة العربية دعوا إلى الاشتراكية؛ إذاً: هؤلاء اشتراكيون وهؤلاء اشتراكيون، لكن الخلافات الحزبية بينهم، واختلاف الولاءات - هذا مع الغرب وهذا مع الشرق - كانت على أشدها، والذي يجمع الجميع أنهم لا يريدون الإسلام، فالغرب - سواء كان شرقاً أو غرباً - لا يريد أن يكون هناك أي تجمع باسم الإسلام، كما عبر لويس وغيره في أوضح ما يمكن، فقال: (إن الغرب أراد ألا يكون هناك أية رابطة أو جامعة إسلامية، وإنما يكون المبدأ القومي هو الذي يجمع هذه الشعوب جميعاً)