علامات محبة الله للعبد
محمد بن إبراهيم النعيم
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ) رواه ابن ماجه.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الإنسان جُبل على حُب من أحسن إليه، ويُحب ذوي الأخلاق الحسنة من الناس، ويُحب الصالحين، وإنَّ أجمل حُب أن يُحبَ المرءُ زوجته وأولاده، والحب الذي أعلا منه درجة أن يحبَ المرءُ والديه ويكون في خدمتهما لينال رضاهما، ولعل أحدكم أن يقول وإن أسمى حبٍ في هذه الحياة أن يحبَ المرءُ ربه -عز وجل-، ولكن اعلموا أن هناك حب أسمى من ذلك الحب.
وهل يعقل أن يكون هناك حب أفضل وأرقى من أن تحب الله عز وجل؟! نعم.
فأسمى حب وأفضل حب أن: يحبك الله -عز وجل-، فإذا أحبك وفقك لأمر الآخرة.
فكيف تعلم أن الله تعالى يحبك؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذه المقالة القصيرة بإذن الله.
إن الله -عز وجل- إذا أحب عبدا عصمه من النار وأدخله الجنة، فقد روى أنس رضي الله عنه قال: كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ وَقَالَتْ ابْنِي ابْنِي قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (لا وَلا يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ) رواه أحمد.
فحب الله -عز وجل- لعبده غاية تسبق كل الغايات، فإذا أحبنا الله -عز وجل- أدخلنا الجنة ونجانا من حر النار.
كثير من الموظفين يسعون جادين في أعمالهم ليرضوا مدراءهم، وتراهم حريصين أن يعرفوا هل مدراءهم راضين عنهم؟ طمعا في ترقية أو علاوة.
وهل اليوم يحرص أحدنا على أن يسأل نفسه سؤالا: هلِ اللهُ يحبني؟ نعم أنت تحب الله -عز وجل-، والكل يدعي ذلك، ولا يجرئ أحد منّا أن يقول: أنه لا يحب الله -عز وجل-، ولكن الأهم من ذلك: هل الله عز وجل يحبك؟ وما هي علامات محبة الله عز وجل لعبده؟ كيف نعرف أن الله عز وجل يحبنا؟ أذكر لكم بعض الإجابات المختصرة.
أولا: أن يوفقك الله –عز وجل- للإيمان والتدين.
فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب) رواه الطبراني والبخاري في الأدب المفرد.
فليس كثرة المال علامة على حب الله للعبد، ألا ترون بعض الكفار والملحدين يملكون المليارات؟ فالله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب، ولكن لا يعطي الإيمان إلا من يحب، فأول علامات محبة الله لك: أن الله تعالى جعلك مؤمنا ولم يجعلك كافرا، فإذا رأيت نفسك تسير في طريق الصالحين وتنهج منهجهم وتحب مجالستهم وتعمل كأعمالهم، فاعلم أن الله -عز وجل- قد أحبك، بأن بصرك طريق الحق، فالزمه وعض عليه بالنواجذ. وأما إذا رأيت خلاف ذلك فاعلم أنك تسير في طريق الشقاء والنار والعياذ بالله.
ثانيا: ومن علامات محبة الله عز وجل للعبد المؤمن أن يحميه من فتن الدنيا وشهواتها، فالسعيد من جُنّب الفتن، فقد روى محمود بن لَبِيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ) رواه أحمد.
وفي رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ).
وهذا لا يعني أن من أحبه الله أفقره ومن أبغضه أغناه؛ لكن المقصود أن الله يعصمه من التعلق بشهوات الدنيا ويصرف قلبه عن حبها والانشغال بها؛ لئلا يركن إليها وينسى همَّ الآخرة.
وانظروا على سبيل المثال في حال من ينفق مئات الآلاف على أثاث منزله وسفرياته وشهواته وهو فرح بذلك، ولكنك تراه يتمزق فؤاده وتكاد أن تذهب نفسه حسرات على مائة ريال أخرجها على مضض لصالح الفقراء والمحتاجين والمجاهدين، لماذا؟ لأنه أصبح أكبر همه الدنيا وليس الآخرة فأحب الدنيا وزهد الآخرة.
ولذلك عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ) رواه ابن ماجه.
فالزهد أن تجعل الدنيا في يدك لا أن تجعلها في قلبك.
ثالثا: ومن علامات محبة الله عز وجل لعبده المؤمن، أن يوفق إلى الرفق واللين وترك العنف، فقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق) رواه ابن أبي الدنيا.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ) رواه البخاري.
فإذا رأيت الرجل ليناً لطيفاً رفيقاً مع الناس عامة، ومع زوجته وأهل بيته خاصة، فهذا من علامات حب الله له، وكم نسمع عن أناس يكثرون من إهانة زوجاتهم أمام أولادهم وأقاربهم، بل إن منهم من يتعمد إذلال زوجته ورفع صوته عليها أمام أهلها تحقيراً لها وتكديراً لخاطر أهلها الذين أكرموه وائتمنوه على فلذة كبدهم، وما هذا من أخلاق الرجال ولا من سنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ، بل قد تكون علامة على عدم حب الله تعالى له.
رابعا: ومن علامات محبة الله عز وجل لعبده المؤمن أن يبتليه في دينه أو دنياه، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي ابن ماجه.
فالله -عز وجل- يبتليك ليمتحنك، فقد يبتليك بالغنى أو الفقر، بالصحة أو المرض، بالفراغ أو الشغل، في المال أو النفس، فمن رضي وصبر محص الله ذنبه، ومن لم يرض خسر عظيم الثواب، ولن يستعيد ما فقده بعدم الرضا.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ، وقال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} .
لذلك لا يجوز أن نقول لمبتلى: مسكين ما يستاهل هذه المصيبة؛ لأن الله تعالى أحبه ويريد أن يرفعه درجة عالية في الجنة، إن صبر على بلائه ولم يسخط، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها) رواه أبو يعلى وابن حبان.
فالمرء يبتلى على قدر دينه وإيمانه، فقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ (قَالَ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي.
لذلك قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني إن الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلاء (فيض القدير).
ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن، وهي العلامة الخامسة: أن يعجل له عقوبة ذنبه في الدنيا ولا يستدرجه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أذَهَبَ الشرك وَجَاءَ بِالإِسْلامِ، فتركها وولى، فجعل يلتفتُ خلفه ينظر إليها، حتى أصاب الحائط وجهه، فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر، فقال: (أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ) رواه أحمد.
لذلك إذا أعطى الله عبده ما يحب وهو مستمر على معصية الله، فاعلم أن ذلك استدراج، وليس علامة محبة الله تعالى لعبده، وذلك لما رواه عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ) ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [رواه أحمد] .
ولا يعني ذلك أن يسألَ المرءُ ربه أن يعجل له العقوبة في الدنيا؛ لأن المطلوب من المسلم دائما أن يسأل الله العافية، لا يسأله البلاء أو العقوبة، فقد روى أنس بن مالكرضي الله عنهأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ)؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (سُبْحَانَ اللَّهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، - وفي رواية: لا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللَّهِ- أَفَلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ ، رواه مسلم.
العلامة السادسة: أن توفق لخدمة الناس وإعانتهم وتفريج كربهم، حيث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: ( «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا - يعني مسجد المدينة - ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام» ) [ رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا] .
سابعا: ومن علامات حب الله للعبد أن يوفق إلى حسن الخلق، فعن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: (أحسنهم خلقا) رواه الطبراني.
ثامنا: ومن علامات حب الله للعبد أن يوفق إلى حسن الخاتمة والموت على عمل صالح، فعن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا أحبَّ اللهُ عبدا عَسَلَه)، قالوا: ما عَسَله يا رسول الله؟ قال: (يوفقُ له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه- أو قال- من حوله) رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي
وفي حديث آخر عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ؟ قَالَ: «عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ» رواه الطبراني.
فالذي يموت مُحرما مثلا فهذا مما يدل على حسن خاتمته؛ كمثل ذلك الصحابي الذي وقصته دابته في حجة الوداع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رواه البخاري.
إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات لحسن الخاتمة، يُستدل بها على حسن خاتمة العبد، نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منها، فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ويالها من بشارة، وهذه العلامات كثيرة ولله الحمد، ومنها أن يموت العبد من عرق الجبين، والمعنى أن يُشدد على العبد أثناء سكرات الموت إن كان عليه بقية ذنوب لتمحيصها أو لتزيد درجته، فيعرق جبينه من شدة ألم الموت، فقد روى بُرَيْدَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ» ) رواه الترمذي والنسائي.
ومنها أن يكونَ آخرُ كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، فقد روى معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه أبو داود.
ومنها أن يموت شهيدا في سبيل الله، وإن شهداء هذه الأمة كثر، ولا ينحصرون في الموت في ساحات القتال، فمن سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه!
قال عليه الصلاة والسلام: « «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» » [رواه مسلم] .
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعل بعض المصائب التي تصيبهم ترفع صاحبها إلى منزلة الشهداء، ولا يعني هذا أن يتمناها المؤمن وإنما يسأل الله العافية.
وأهم المصائب التي صح الخبر عنها بأنها ترفع أصحابها إلى منزلة الشهداء ما يلي:
من مات مدافعا عن ماله وعرضه ودينه ودمه، لما رواه سَعِيدُ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ) [رواه أحمد والترمذي] .
ومن الشهداء أيضا في هذه الأمة من مات بمرض الطاعون أو مات بالغرق، أو مات لمرض في بطنه أو مات محروقا، والمرأة تموت في أثناء الولادة أو النفاس، حيث روى رَاشِدُ بْنُ حُبَيْشٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( «أَتَعْلَمُونَ مَنْ الشَّهِيدُ مِنْ أُمَّتِي)؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ عُبَادَةُ: سَانِدُونِي، فَأَسْنَدُوهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ، الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ شَهَادَةٌ، وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَالْحَرْقُ وَالسَّيْلُ» ) رواه أحمد. والمقصود بالسيل الذي يغرق في ماء السيل.
وفي حديث آخر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا صاحب الهدم، أي الذين يسقط عليه بيته عند وقوع الزلازل، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( «والذي يموت تحت الهدم شهيد» ) [متفق عليه] .
وكذلك أيضا الذي يموت بمرض السِّل وهو أحد الأمراض الصدرية حيث روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( «السِّلُ شهادة» ) رواه ابن حبان.
كل تلك الأحوال والمصائب قد جعلها الله تعالى لعبادة في منزلة الشهادة، وعلامة من علامات حسن الخاتمة.
فإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال الله -عز وجل- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك بمجالسة الصالحين وزيارتهم، فقد قال معاذ بن جبل رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» ) رواه أحمد. وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» [رواه مسلم] .
وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل-، فالزم فرائض الله تعالى ولا تضيعها وبادر إلى الإكثار من النوافل بشتى أنواعها، من صلاة وصيام وصدقة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل (..وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..) رواه البخاري.
وما السبيل لحب النوافل لنكثر منها؟
اقرأ أحاديث الترغيب والترهيب في فضائل الأعمال، فمن عرف ثواب الأعمال سهلت عليه وأحب العمل بها، ومن جهلها ثقلت عليه.
ألم تقرأوا عن ذلك الصحابي الذي كان يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة فعندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، قال بأنه يحب هذه السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( «أخبروه بأن الله يحبه» )، هذه بعض العلامات ذكرتها على عجالة واختصار.
أسأل الله تعالى أن يوصلنا إلى محبته، اللهم حببنا إليك وارزقنا حبك، والعمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخط والنار، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.