أعمال مباركة وخيِّرة في دنياك وأخراك
عبد الفتاح آدم المقدشي
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا ، وخيارُكم خياركُم لأهلِه» " .
صحيح الترغيب
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فاعلم – أيها العبد المؤمن رحمني الله وإياك - إذا أراد الإنسان خيري الدنيا والآخرة فلا ملامة عليه في ذلك، فقد قال الله تعالى مثنياً بذلك على المؤمنين الذين يقولون في أدعيتهم: { {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} } [البقرة:201].
وإنما المحذور وما يلام عليه المرء هو أن يبتغي أعماله الدينية بالدنيا , فمثل هذا لا خلاق له في الآخرة بلا ريب, أما إذا ابتغى الدين ودخلت تحته الأمور دنيوية بقصدٍ أو بغير قصد وإنما مقصوده الأعظم هو الدين فلا بأس به إن شاء الله.
لذلك سأعرض عليك بعضاً من الأعمال المهمة التي تُنعم أصحابها بنعم الدنيا والآخرة كما يلي:-
أولا: الإيمان الكامل والتوحيد الخالص والدليل على ذلك قوله تعالى { {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } } [ الأنعام: 82 ]
فهذا وعد من الله أكيد بالأمن والهداية الحقيقية ولوتنعم بعض الناس في زمنٍ من الأزمان بأمنٍ موهوم وظنوا أنهم في هداية مع ضلالهم, وقد ادعى فرعون أنه يهدي إلى سبيل الرشاد وذلك لما اغتر به ورأى ما أمامه من القوة الظاهرة من الأموال والجيوش والملك.
وقال تعالى { {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} } [ النور: 55 ]
إذاً هذا الوعد الأكيد بالاستخلاف بالأرض والتمكين والأمن لمن حقَّق الإيمان والتوحيد وعبد الله بالدين الخالص وباتباع شريعته.
وقد جاء في حديثٍ رواه قَبِيصة، عن سُفيان الثَّوري، عن أيُّوب، عن أبي العالية، عن أُبَيِّ بن كعب، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( «بَشِّرْ هذه الأمَّة بالسَّناء والرِّفعة في الدِّين والتَّمكين في البلاد، فمَن عمل منهم في الدنيا عملاً لا يريدُ به الآخِرة، فليس له في الآخرة نصيب» ))، [رواه أحمد وابن حبان والحاكم] .
ثانيا: الاستغفار مع التوبة النصوح لله تعالى
قال تعالى { {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} } [ نوح -12 ]
وقال تعالى { { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } } [ هود 3 ] )
وقال تعالى { {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} } [ الأنفال:33 ]
وقال تعالى { {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} } [ هود : 52 ]
فعن الأغر المزني أبو مالك أنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " «إنه لَيُغانُ على قلبي . وإني لأستغفرُ اللهَ ، في اليومِ ، مائةَ مرةٍ » " [رواه مسلم في صحيحه ] برقم : 2702
وقد جاء في شرح هذا الحديث كما في موقع الدرر السنية ما يلي:" في هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( «إنَّه لَيُغَانُ على قَلبي» )، يعني: أَنَّه يَتَغَشَّى القَلْبُ ما يَلْبَسُه، والمُرادُ: الفَتَراتُ والغَفَلاتُ عَنِ الذِّكْرِ الَّذي كان شَأنُه الدَّوامَ عليه، فإذا فَتَرَ عنه أو غَفَلَ عَدَّ ذلك ذَنبًا واستَغْفَرَ منه الِاستِغْفارَ مِنَ التَّقصيرِ في أداءِ الحقِّ الَّذي يَجِبُ لِلهِ تعالى، وغيرِ ذلك ممَّا يَحجُبُه عنْ الاشْتِغالِ بِذِكْرِ اللهِ والتَّضَرُّعِ إليهِ ومُشاهدَتِه ومُراقبَتِه، فيَرى ذلك ذنبًا بالنِّسبَةِ إلى المَقَامِ العَليِّ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على مُلازَمَةِ الاستِغْفارِ . "
ثالثا : الخلق الحسن
قال تعالى { { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } } [ القلم: 4 ]
أما الأحاديث التي أثنى الله بصاحب الخلق الحسن فكثيرة جدا ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, ويكفي شرفا لصاحب الخلق الحسن أنه أقرب الناس إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فعن جابر بن عبد الله أنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا ، وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ ، والمتشدِّقون والمتفَيهِقونَ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! قد علِمنا الثَّرثارونَ والمتشَدِّقون ، فما المتفَيهِقونَ ؟ قال : المتكبِّرونَ» .صحيح الترغيب أو الرقم : 2897
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا ، وخيارُكم خياركُم لأهلِه» " .
صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 2660
رابعا : الصبر لله مع التقوى
قال تعالى { {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} } [ يوسف: 90 ]
وفي هذه القصة في سورة يوسف عبرة للمعتبرين , بل تستحق أن يقف معها المرء متأمِّلا فيها كثيراً.
أما محل شاهدنا هنا فهو يدل على أن الصبر العظيم أنجى الله به يوسف عليه السلام من المحن بل وأنعم عليه في الدنيا قبل الآخرة كما بتقواه لله العظيم أنجاه سبحانه من الفتن العظيم سواء كانت من النسوة أو امرءة العزيز أو فتن الملك والأموال , فقد مكَّنه الله في الدنيا كما له الحسنى في الآخرة.
خامسا: المال الصالح للرجل الصالح
أما المال الصالح للرجل الصالح فنعمت المطية الصالحة لاكتساب خيري الدنيا والآخرة خصوصاً إذا قدر المرء أن لا تشغله الأموال أو تفتنه عن العلم والعبادة والدعوة إلى الله وإلا فقليل يكفي خير من كثير يلهي .
وقد جاء في الحديث عن عمرو بن العاص " نِعمَ المالُ الصالِحُ للرَّجلِ الصالِحِ. قال شعيب الأرناؤوط في تخريج رياض الصالحين إسناده صحيح.
وعن أبي ذر الغفاري أنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : « يا رسولَ اللهِ ! ذهب أهلُ الدُّثورِ بالأجورِ . يُصلُّون كما نصلي . ويصومون كما نصومُ . ويتصدقون بفضولِ أموالهم . قال : " أو ليس قد جعل اللهُ لكم ما تَصدَّقون ؟ إنَّ بكل تسبيحةٍ صدقةٌ . وكل تكبيرةٍ صدقةٌ . وكل تحميدةٍ صدقةٌ . وكل تهليلةٍ صدقةٌ . وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ . ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ . وفي بضعِ أحدكم صدقةٌ " . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! أياتي أحدنا شهوتَه ويكون لهُ فيها أجرٌ ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان لهُ أجرً» . [رواه مسلم] برقم
: 1006
فقالوا: إنَّ إخوانَنا من الأغنياءِ سمِعوا ذلِكَ ففعلوهُ فقال: ذلِكَ فضلُ اللَّهِ يؤتيهِ مَن يشاءُ
أخرجه ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/127 وقال هذه الزيادة في صحيح مسلم من مراسيل أبي صالح
و «قالَ أبو ذرٍّ يا رَسولَ اللَّهِ ذَهبَ أصحابُ الدُّثورِ بالأجورِ يصلُّونَ كما نصلِّي ويصومونَ كما نَصومُ ولَهم فُضولُ أموالٍ يَتصدَّقونَ بِها وليسَ لنا مالٌ نَتصدَّقُ بِه فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يا أبا ذرٍّ ألا أعلِّمُك كلِماتٍ تُدرِكُ بِهنَّ من سَبقَكَ ولا يَلحقُكَ مَن خلفَك إلَّا مَن أخذَ بمثلِ عملِكَ قالَ بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ تُكبِّرُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ وتحمَدُه ثلاثًا وثلاثينَ وتسبِّحُه ثلاثًا وثلاثينَ وتختِمُها بلا إلَه إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لَه لَه الملكُ ولَه الحمدُ وَهوَ علَى كلِّ شيءٍ قديرٌ غُفِرَت لَه ذنوبُه ولَو كانَت مثلَ زبَدِ البحرِ» أخرجه الألباني في صحيح أبي داود برقم 1504 . وفال: صحيح لكن قوله: "غفرت له ..." مدرج , والتخريج :أخرجه البخاري (843)، ومسلم (595)، والنسائي (9974) بنحوه، وأبو داود (1504) واللفظ له، وأحمد (7243) باختلاف يسير
وعن أبي ذر الغفاري أنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «يا رسولَ اللهِ ! ذهب أهلُ الدُّثورِ بالأجورِ ، يُصَلُّون كما نصلي ، ويصومون كما نصومُ ، ويتصدقون بفضولِ أموالِهِم ، قال : أَوَلَيْس قد جعل اللهُ لكم ما تَصَدَّقُون ؟ إن بكلِّ تسبيحةٍ صدقةً ، [ وبكلِّ تكبيرةٍ صدقةً ، وبكلِّ تهليلةٍ صدقةً ، وبكلِّ تحميدةٍ صدقةً ] ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ ، ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ ، وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ ! قالوا : يا رسولَ اللهِ ! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ ؟ ! قال : أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ ؟ [ قالوا : بلى ، قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له [ فيها ] أجرٌ ، [ وذكر أشياءَ : صدقةً ، صدقةً ، ثم قال : ويُجْزِئُ من هذا كلِّه ركعتا الضُّحَى ] .»
أخرجه الألباني في آداب الزفاف برقم 65 وقال : أخرجه مسلم والزيادات كلها له،وإسنادها صحيح على شرط مسلم، وللنسائي الزيادة الأخيرة.
دروس في الأحاديث الأخيرة
1 – حرص الصحابة على الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله
2 – تنافسهم على الخير
3- تفكرهم في تطوير أنفسهم في الأعمال المباركة والازديادة منها فكيف بمن وجدوا من الأموال ما فقدوا ولا يتنافسون على الخير بل يتنافسون على الشر !! فإنا لله وإنا إليه راجعون
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي