الابتلاءات تصنعنـــا

منذ 2019-03-14

إن الدنيا دار اختبار وامتحان لكل بني آدم ؛ بُنيت على ابتلاء كل منا لترى من يتحمل ويتجرع الصبر ويحمد ربه ، ومن لا يصبر ويقنط من رحمة خالقه.

نعيش جميعاً في رحى الحياة كعابري سبيل ، ولكل منا طوقٌ، حياة ذات طابع مختلف  ، هذا سعيد وذاك شقي ، وآخر فقير وغيره غني ، لكن دوام الحال من المحال ، ولا مفر من تقلبات الحياة على كل إنسان منا ، وعلينا أن نعي ذلك. 

إن الدنيا دار اختبار وامتحان لكل بني آدم ؛ بُنيت على ابتلاء كل منا لترى من يتحمل ويتجرع الصبر ويحمد ربه ، ومن لا يصبر ويقنط من رحمة خالقه. 

من يستطيع الثبات والإصرار على تعدي الأزمة ، ومن سريعاً ما يستسلم ويقع في براثن اليأس والخسارة . 

كثيرة هي الابتلاءات التي تصيبنا والتي نتعرض لها في حياتنا ، سواء كانت في الأبدان أو الأموال أو الأولاد ، فهذا مريض مرضا مزمناً ، أو فقد عضواً من أعضاء جسده أو حاسة من حواسه ، وهذا خسر كل ما يمتلك . وتلك خسرت فلذة كبدها أو زوجها ، وأخرى فاتها سن زواجها . 

حتى الأنبياء والرسل لم يسلموا من الابتلاءات ؛ فقد ابتلاهم الله -عز وجل - لاختبار مدى صبرهم وثباتهم وقوة إيمانهم ، فهذا نوح - عليه السلام - ابتلاه الله في عصيان ابنه . وهذا ابتلاء أيوب- عليه السلام- حيث صبر على الألم والعذاب الجسدي ،وسيدنا يوسف عليه السلام الذي تميز بالابتلاء بالجمال الأخاذ الذي عَرضه لفتنة الشهوة من امراة العزيز ، ورسولنا الكريم محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - ذاق كل أنواع الابتلاءات من تعذيب قومه له وسخريتهم له ، وفقدان أولاده وأحبابه وأصدقاءه. 

ابتلاءات مؤلمة موجعة تنزف لها القلوب ، ولكنها تأتينا محملة برسائل ربانية عظيمة ، لا يدركها إلا  المؤمن بقضاء الله وقدره ،الذي يدرك أن أمره كله بيد الله وحده . 

لولا الابتلاء والفشل ما كان هناك عظماء و ناجحين مشهورين ، أصبحوا نماذج مشرفة تبعث إلينا برسائل إيجابية ، فالأنبياء لولا ابتلاءاتهم ما كانت تصل رسالاتهم للناس ولا آمن بهم الناس  ، وهذا طه حسين الكفيف الذي تغلب على ابتلائه في فقدان بصره أصبح عميد الأدب العربي ووزيرا للمعارف .

دكتورنا العظيم ابراهيم الفقي أيضا ؛ بدأ بالعمل كغاسل أطباق، حارس مطعم ثم حمّال مقاعد و طاولات في فندق بسيط ، استطاع أن يقضي على فقره ، حتي أصبح خبيراً مصرياً للتنمية البشرية و البرمجة اللغوية العصبية.

وهاهو إينشتاين ؛ لم يكن يستطيع التحدث حتى سن الرابعة، و أحد مدرسيه قال أنه سيظل شخص عديم القيمة طوال حياته ، فقد أصبح عالم فيزياء، و حاز على جائزة نوبل.

أمثلة ونماذج كثيرة مشرّفة ، لو درسناها حق الدراسة ، وتمعنا في حياتهم وأفكارهم ،  ثم طبقنا منها ما يناسب حياتنا ؛ لأصبحت أسماؤنا موجودة جانب أسمائهم ،  لخُططت في قائمة أسماء الناجحين المتميزين.

ومع ذلك يجب الانتباه بأن الابتلاء ما يقع إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة ، يقول الله تعالى { {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} } الشورى 30 . 

 ومن نعمة الله على عباده أنه جعل تلك الابتلاءات كلها كمنبهات تأتي إلينا محملة برسائل معينة تختلف باختلاف صاحبها ، وأهمها أن يوقظ الإنسان من غفلته عن ربه ؛ ومن هنا يُعرَف الإنسان المؤمن من العاصي. 

اعلم أيها القارئ الكريم ؛ أيها المبتلى العزيز أن الله ما ابتلاك حتى لو بالقليل إلا لحكمة أو موعظة عظيمة ، ما أنزل عليك بلاءه إلا لحبه لك ، فالابتلاءات كفارة للذنوب ورافعة للدرجات ؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( «ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، أوحط عنه بها خطيئة» )). 

جميعنا ننظر للابتلاء على أنه محنة ، ولكنه في الحقيقة  منحة من الله عز وجل ، نعمة ورزق من عند الله منحنا إياه كي يكون فرصة للتفكير في عيوبنا أو أخطاءنا ، والرجوع عنها. 

وقت الابتلاء فرصة لمعرفة معادن الناس  ؛ فهو يكشف النقاب لمعرفة من هو الصديق الحقيقي الذي يقف بجوار صديقه ويسانده ويشجعه على الصبر الثبات ، ومن هو الصديق المزيف المخادع وصاحب المصلحة ، فالناس لا يعرف معادنهم حقاً إلا وقت الشدة. 

 الابتلاء منحة من الله  كي نصنع حياتنا من جديدة ،بثوب منسوج من خيوط الرضا والتسليم ، حياة ترضي الله عز وجل خالية من المعاصي والذنوب ، حياة يملأها الرضا بقضاء الله وقدره ، يغمرها التفاؤل وحسن الظن بالله 

 لينظر كل منا لحياته ، ويدرس ما بها من ابتلاءات ، ويفهم ما تحويه من رسائل ، دعونا نجدد حياتنا ونعيشها بأفضل ما يكون ، بصورة منيرة بشعاع الرضا وحسن الظن بالله ، وترضي الله أولاً وأخيراً. 

فتحية السيد

  • 8
  • 3
  • 9,535

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً