بين جمعتين

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي

مشهدان متقابلان ليس بينهما سوى أسبوع واحد ! مشهد الجمعة الأول الأول ١٤٤٠/٧/٨ وهو يعرض لنا مساحات من الأرض تغمرها دماء الأبرياء في نيوزيلندا

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

بين جمعتين

 

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد : 

مشهدان متقابلان ليس بينهما سوى أسبوع واحد ! مشهد الجمعة الأول الأول ١٤٤٠/٧/٨ وهو يعرض لنا مساحات من الأرض تغمرها دماء الأبرياء في نيوزيلندا إثر حادث الاعتداء على المسلمين وهم يؤدون شعائر الجمعة وذهبت ضحيته عشرات القتلى والجرحى (
{وما نقموا منهم إلإ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} ) ومشهد الجمعة الذي يليه ١٤٤٠/٧/١٥ والجامع الذي سفكت فيه تلك الأرواح وسالت فيه تلك الدماء لا يكاد يستوعب الحاضرين لمشهد الجمعة من المسلمين للدرجة التي صلى جموع من المسلمين في ساحات المسجد الخارجية ، وشارك في حضور هذا المشهد الشرطة النيوزيلندية وجماهير غفيرة من النيوزيلنديين الغير مسلمين رجالاً ونساءً وارتدى نساؤهم الحجاب تضامناً مع المسلمات وحضرت عصابات مشهورة على مستوى البلاد مشاركة بدورها في حماية المسلمين ، وحضرت القنوات الرسمية في نيوزيلندا ونقلت شعائر الجمعة كاملة ووزّع في ذلك المشهد كتب للتعريف بالإسلام ، ولعلي آتي على جملة من دروس هذين المشهدين : 

أولاً : ولد الإسلام ليحيا ووجد في مشهد الحياة ليبقى وكل من حاول أن يجهض على هذه الحقيقة عاد خائباً خاسراً مع الأيام هذا هو تاريخ الإمس وهو ذاته تاريخ اليوم لا فرق !
هل كان يتصوّر هذا الشقي وهو يحمل سلاحه أنه هو الرجل الذي سيفتح للإسلام أبواب الحياة في نيوزيلندا من جديد ! 
هل كان يتصوّر العالم الغربي أن نافذة الأمل التي ينتظرها الإسلام والمسلمون من زمن ستأتي من قبلهم وعلى أيدي أبنائهم ! 

ثانياً : ما الفارق بين دم ذلك الغلام المصلح في صحيح مسلم حين قال للطاغية ( إذا أردت أن تقتلني فاجمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي علَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: باسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلكَ قَتَلْتَنِي) فَجَمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ علَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقالَ النَّاسُ: آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ !! 
فكان مشهد الحياة الكبرى على آثار دمه ( فقال الناس آمنا برب الغلام ) وبين هؤلاء الصالحين الذي جاؤوا لله تعالى وودعوا الدنيا وتركوا دماءهم تمد في الإسلام وتبني حضارته وتوسّع في مساحته وتقوم عن أصحابها بمشهد الدعوة كما لو كانوا أحياء أو أكثر ! 

ثالثاً : ثمة أناس تحيا بهم أمم وهم موتى وكأننا في هذه اللحظات نتمثل قول الله تعالى وهو يحكي قصة ذلك الداعية الذي تمنى أن يرى قومه ما حصل له بعد موته لعلهم يؤمنون (
{قال ياليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } ) وما نجد عزاء في هذه اللحظة لأولئك الراحلين إلا مشاهد الجمعة التي لم يفصلها عن الحادث سوى أسبوع . 

رابعاً : كأننا ولأول مرة نقرأ قول الله تعالى ( ويمكرون ويمكر الله ) هذه واحدة من الصور التطبيقية لهذا المعنى الكبير أراد هذا الشقي أن يرتد المسلمون عن دينهم وتغلق أبواب المساجد ويرهب أولياء الله تعالى مشاهد الدماء فأقبلت مشاهد الحياة تتهادى وبعث الإسلام في بلده وبلاد العالم من حوله من جديد وفاته أن مكره مقابل بمكر القوي العزيز ! 

خامساً : هذا هو الإرهاب الذي يعيّر به الغرب المسلمين في كل مرة ويشنون من أجله حروباً ويعادون فيه ويوالون وإذا أرادوا أن يتأملوا الحقيقة فليقرؤوا ما دون على سلاح ابنهم المشؤوم وسيعرفون خلفيات الإرهاب من أين تبدأ وكيف تكون !! ( ويمكرون ويمكر الله ) 
كم مرة قيل بأن هذه المشاهد التي دارت في بلاد المسلمين أنها لا تحكي الإسلام ولا تمثله وإنما تسرد حكايات أفراد لم يأخذوا من الإسلام إلا صوره فحسب وأصر الغرب على أنها هي الإسلام رفضوا وشروعوا يطالبون على حد زعمهم بمسح كل ما يتعلّق بخطاب الكراهية في نصوص الوحيين فما هم قائلون اليوم عن هذا الحادث الذي لا ينطلق من هوى صاحبه وإنما من خلفيات دينيه !! لعله حان موعد الإنصاف وانجلت بعض الحقائق وبان عوار ما تدعو إليه الحضارة الغربية في كل حين .

سادسا وأخيراً : 
سيظل الإسلام حياً 
وسيبقى نوره مشعاً 
وهو آخذ في الازدياد
كماً وكيفاً وكل محاولة
لإيقافه هي في ذات 
الحقيقة محاولة جادة
وفاعلة لدعمه وانتشاره
!!


الجمعة ١٤٤٠/٧/١٥