مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله

منذ 2019-04-11

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) } [الممتحنة]

{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} :

خط الإيمان واحد وأهل التوحيد عبر التاريخ سلسلة واحدة وقد كان في إبراهيم عليه السلام ومن معه من أهل الإيمان قدوة وأسوة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما تبرؤوا من الكفر والكافرين ولو كانوا أقرب الأقربين, وأبدوا عداوة القلوب والبغضاء للكفار حتى يقف الكافر مع نفسه ويسائلها عن سبب تغير المؤمن معه وسبب هذا البغض المبرر.

ويزول البغض وتزول العداوة بزوال الكفر والتحول إلى الإيمان بالله الواحد الأحد , فالولاء والبراء مربوط بالله عز وجل وبمدى القرب أو البعد عنه , فالمؤمن يوالي الله ويوالي أحباب الله وجنده وأوليائه والمؤمنين به ويعادي أعداء الله وكل كافر به.

كما بين سبحانه أن استغفار إبراهيم لأبيه المشرك لم يكن من باب الولاء وإنما تنفيذا لوعد وعده به فلما تبين لإبراهيم أن والده مصر على الكفر تبرأ من أبيه ومن شركه.

وأهل الإيمان دائما يكلون أمورهم إلى من والوه سبحانه ويؤمنون بان الأمور كلها مرجعها إلى الله وهو كافيهم وحافظهم.

قال تعالى:

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) } [الممتحنة]

قال السعدي في تفسيره:

قد كان لكم يا معشر المؤمنين { { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} } أي: قدوة صالحة وائتمام ينفعكم، { {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} } من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، { { إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} } أي: إذ تبرأ إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين، من قومهم المشركين ومما يعبدون من دون الله.

ثم صرحوا بعداوتهم غاية التصريح، فقالوا: { { كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا } } أي: ظهر وبان { {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} } أي: البغض بالقلوب، وزوال مودتها، والعداوة بالأبدان، وليس لتلك العداوة والبغضاء وقت ولا حد، بل ذلك { { أَبَدًا } } ما دمتم مستمرين على كفركم { {حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} } أي: فإذا آمنتم بالله وحده، زالت العداوة والبغضاء، وانقلبت مودة وولاية، فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه في القيام بالإيمان والتوحيد، والقيام بلوازم ذلك ومقتضياته، وفي كل شيء تعبدوا به لله وحده، { إِلَّا } في خصلة واحدة وهي { {قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} } آزر المشرك، الكافر، المعاند، حين دعاه إلى الإيمان والتوحيد، فامتنع، فقال إبراهيم :  {لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}  الحال أني  { { لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} } لكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا، فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم في هذه الحالة التي دعا بها للمشرك، فليس لكم أن تدعوا للمشركين، وتقولوا: إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم، فإن الله ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله: { {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إن إبراهيم لأواه حليم} }

ولكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه، حين دعوا الله وتوكلوا عليه وأنابوا إليه، واعترفوا بالعجز والتقصير، فقالوا: { {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } } أي: اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا ودفع ما يضرنا، ووثقنا بك يا ربنا في ذلك.

{ {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} } أي: رجعنا إلى طاعتك ومرضاتك وجميع ما يقرب إليك، فنحن في ذلك ساعون، وبفعل الخيرات مجتهدون، ونعلم أنا إليك نصير، فسنستعد للقدوم عليك، ونعمل ما يقربنا الزلفى إليك.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 6
  • 0
  • 15,592
المقال السابق
إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً
المقال التالي
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واعغر لنا ربنا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً