الإنجيل في خدمة التنصير

منذ 2019-05-09

وإنما الهدف الحقيقي هو التمكين لمركزية الرجل الغربي و تثبيت تفوقه على باقي الأجناس، لكن هذه المرة باسم الكنيسة لا باسم المسيح عليه السلام كما يدعي زعماء التنصير بهتانا وزورا.

بنداود رضواني.    

أولا: الأناجيل والتنصير، أية علاقة؟ 
لن نقف عند تلك المسلّمة التاريخية والعلمية،  المتعلقة بانقطاع السند بين نصوص الأناجيل القانونية الأربعة (متى - مرقس - لوقا - بوحنا)، وبين المسيح عليه السلام، فالكثير من نقاد الكتاب المقدس من مسيحيين وعلمانيين تواطأت أبحاثهم على تأكيدها، وعلماء الاسلام كذلك قد فرغوا من ثتبيتها منذ أمد بعيد. إلا أن القضية الذي تحتاج الى المزيد من البحث هي تلك التي تبحث في شرعية التنصير وأصالته من خلال النصوص الأنجيلية التي كانت ولاتزال القاعدة الأساس للعمل الإرسالي والمشاريع التوسعية في العالم.
فقد ورد في إنجيل متى "فاذهبوا و تلمذوا جميع الأمم و عمّدوهم باسم الأب والابن و الروح القدس"، وجاء في إنجيل مرقس "اذهبوا الى العالم و اكرزوا بالانجيل للخليقة كلها"، أما في إنجيل لوقا فجاء فيه "وقال لهم هكذا مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتألم وتقوم من الأموات في اليوم الثالث ،وأن يكرز باسمه بالتوبة و مغفرة الخطايا لجميع الأمم" .
ثمة دراسات تعرضت لهذه النصوص الداعية الى عالمية المسيحية بالنقد و التحليل ويمكن تلخيص مضامينها في النقاط التالية:
أولا: تعد خاتمة انجيل متى من الفقرات الدخيلة و المشكوك فيها ، فهي تنسب للمسيح قوله لتلاميذه اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الأب و الإبن و الروح القدس ومصدر هذا الشك هو أن صفة التثليت التي تتكلم عن الأب والابن و الروح القدس غريب ذكرها على لسان المسيح، و لم يكن لها وجود في عصر التلاميذ، بل انفرد بها متى عن مرقس و لوقا ، فالقول بالتثليت و ألوهية المسيح لم يتقررا في العقيدة المسيحية إلا في مجمع نقية سنة 325م مما يؤكد انها فقرات إلحاقية.
ثانيا: أما ما ورد في خاتمة إنجيل مرقس حول العالمية :"إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها"، فيعد من أهم المشكلات التي أكد عليها المحققون ، إذ أوضحوا أن هذا النص مضاف لهذا الإنجيل في فترة لاحقة لزمن كتابته ، وأنها كذلك إلحاقية شأنه شأن النص السابق الوارد في إنجيل متى .
ثالثا: كثير من الباحثين ذهبوا إلي أن النص الذي تحدث فيه لوقا عن تخليص المسيح لجميع البشر وقال لهم هكذا مكتوب ،وهكذا ينبغي أن يكرز بإسمه بالتوبة و مغفرة الخطايا لجميع المومنين مبتدأ من أورشليم قد أضيف إلى إنجيله من زميله بولس المنصر (شاؤول اليهودي).
لنا أن نتساءل بعد هذه الخلاصة النقدية لهذه النصوص الأسئلة التالية :
: هل يمكن أن يتأسس كل هذا الصخب التنصيري على أدلة مشكوك في أصالتها و شرعيتها؟ و هل يمكن أن تكون دعوة المسيح للأمم مبنية على ثلاثة نصوص فقط؟ ولنا أن نتساءل ثالثا: أية الأدلة تكتسي طابع الأصالة و المصداقية، هل هذه الأدلة الداعية الى التنصير. أم تلك الأدلة المانعة من التنصير و التي وردت على النحو التالي: 
جاء في إنجيل متى 1/ 20 "فستلد إبنا وتدعو إسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم" ،وورد في نفس الإنجيل 10/85 "هؤلاء الإثناعشر أرسلهم يسوع و أوصاهم قائلا: إلى طريق الأمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين قد اقترب ملكوت السموات"، و جاء فيه كذلك " وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم خرجت إليه قائلة : "ارحمني يا سيد يا ابن داود، إبنتي مجنونة جدا، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه و طلبوا إليه قائلين إصرفها لأنها تصيح وراءنا فأجاب : لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة" 15/.2422، ويقول متى في موضع آخر، "ومتى جلس الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل" 19/2827، أما في إنجيل يوحنا ففيه نص يؤكد ما ورد في إنجيل متى جاء فيه: " إلى خاصته جاء و خاصته لم تقبله" 1/1110.
فالباحثون في اللاهوت المسيحي لا يشكون في أن كُتّاب الأناجيل قد تأثروا في كتاباتهم بما دوّنه بولس في رسائله والتي تعد أقدم الأسفار المسيحية، على الرغم أن بولس هذا لم يكن قط من تلاميذ المسيح ، إلا أنه أول من استحدث عالمية النصرانية، يقول في رسالته الأولى إلى كورنثوس 9/2420، "فصرت لليهودي كيهودي لأربح اليهود ، وللذين تحت الناموس كأنني بلا ناموس مع أنني لست بلا ناموس لله ، بل تحت ناموس المسيح لأربح الذين بلا ناموس ، صرت للضعفاء كضعيف لأ ربح الضعفاء ، صرت للكل كل شئ لأخلص على كل حال قوما ، وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه".

التنصير بين الهدم والتشييد!!!
من المؤكد أن الفكر الكنيسي حتى هذه اللحظات لم يستطع أن يبدد هذه التناقضات اللاهوتية التي أفرزتها الحركة البولسية ، وبدل أن توجه الإمكانيات المادية و العلمية في إتجاه البحث عن لاهوت متكامل و منسجم يجمع بين النظر و التطبيق، ويوفق بين الفكرة و الحركة ، نجد التيار البولسي أكثر إصرارا على إنتاج المزيد من التناقضات، وذلك باستدعاء تأويلات تأصيلية وتقنينية بمنأى عن توجيهات ووصايا النص الإنجيلي.
إن خلاصة منطوق الأناجيل والمعترف بها كنيسيا هو أنه لا عيسى عليه السلام، ولا الذين عاصروه سمعوا أو شاهدوا المسيح يدعو غير بني إسرائيل، وبمعنى آخر فالحركة التنصيرية منذ نشأتها عقب نهاية الحروب الصليبية وحتى اليوم لا تستند إلى نصوص إنجيلية تدعم مشاريعها وأنشطتها. لذا فالسؤال هو حول ماهية أهداف الكنيسة التي ترجوها من وراء هذه المشاريع التنصيرية ؟
إن الكاشف الموضوعي لطبيعة الأهداف التي تتغياها الكنيسة من وراء هذه المشاريع، هو ما صرح به زعماء التنصير أنفسهم على إختلاف طوائفهم، يقول صمويل زويمر منشئ مجلة العالم الإسلام الإنجليزية وأحد رموز التنصير البروتستانتي خلال الربع الأول من القرن الماضي: "إن لنتيجة إرساليات التبشيرفي البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم ..." ، وفي نفس السياق يلخص البابا يوحنا بولس الثاني أهداف هذه المشاريع التوسعية في عبارة واحدة وهي " إعادة تنصير العالم"، وهو ما قام بإعلانه سنة 1982م في كميوستيل بإسبانيا. 

فالهدف إذن ليس دينيا كما يبدو، ولو كان الأمر كذلك لكانت الكنيسة أولى المؤسسات إلتزاما وإحتراما و تطبيقا لما ينسب إلى المسيح من أقوال وأفعال ، وإنما الهدف الحقيقي هو التمكين لمركزية الرجل الغربي و تثبيت تفوقه على باقي الأجناس، لكن هذه المرة باسم الكنيسة لا باسم المسيح عليه السلام كما يدعي زعماء التنصير بهتانا وزورا.

 

  • 3
  • 0
  • 4,802

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً