(1) "خديجة بنت خويلد"

الشبكة الإسلامية

أول من آمن برسول الله وصدّقه، ثم قامت معه تسانده في دعوته، وتؤانسه في وحشته، وتذلّل له المصاعب، فكان الجزاء من جنس العمل، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

  • التصنيفات: السيرة النبوية -
(1) "خديجة بنت خويلد"

 هي أوّل زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمّ أولاده، وخيرة نسائه، وأول من آمن به وصدقه، أم هند، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، وأمها فاطمة بنت زائدة، قرشية من بني عامر بن لؤي.

ولدت خديجة رضي الله عنها بمكة، ونشأت في بيت شرف ووجاهة، وقد مات والدها يوم حرب الفجَار. 

تزوجت مرتين قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم– باثنين من سادات العرب، هما: أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، وجاءت منه بهند وهالة، وأما الثاني فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم، وجاءت منه  بهند بنت عتيق.

وكان لخديجة رضي الله عنها حظٌ وافر من التجارة، فكانت قوافلها لا تنقطع بين مكّة والمدينة، لتضيف إلى شرف مكانتها وعلوّ منزلتها الثروة والجاه، حتى غدت من تجّار مكّة المعدودين.

 

وكانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي -صلى الله عليه وسلم– حبّاً شديداً، وتعمل على نيل رضاه والتقرّب منه، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه.

وعند البعثة كان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي –صلى الله عليه وسلم– والوقوف معه، بما آتاها الله من رجحان عقل وقوّة الشخصيّة، فقد أُصيب عليه الصلاة والسلام بالرعب حين رأى جبريل أوّل مرّة، فلما دخل على خديجة قال:  «زمّلوني زمّلوني»، ولمّا ذهب عنه الفزع قال: «لقد خشيت على نفسي»،

فطمأنته قائلةً: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" (رواه البخاري)، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ليبشّره باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام.

ولما علمت –رضي الله عنها – بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته، لتكون أول من آمن برسول الله وصدّقه، ثم قامت معه تسانده في دعوته، وتؤانسه في وحشته، وتذلّل له المصاعب، فكان الجزاء من جنس العمل، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب، (رواه البخاري و مسلم).

وقد حفظ النبي –صلى الله عليه وسلم– لها ذلك الفضل، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها، فحزن لفقدها حزناً شديداً، ولم يزل يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها، ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين فيقول: «إني قد رزقت حبّها» (رواه مسلم)، ويقول: «آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء» (رواه أحمد)، حتى غارت منها عائشة رضي الله عنها غيرة شديدةً.

ومن وفائه –صلى الله عليه وسلم– لها أّنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويحسن إليهنّ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزور النبي –صلى الله عليه وسلم أحسن استقبالها، وبالغ في الترحيب بها،

حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟"، فقال: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة ؛ وإن حسن العهد من الإيمان» (رواه الحاكم) ، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» (رواه مسلم).

وكان النبي –صلى الله عليه وسلم– إذا سمع صوت هالة أخت خديجة تذكّر صوت زوجته فيرتاح لذلك، كما ثبت في الصحيحن.

وقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فضلها حين قال: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين» (رواه أحمد)، وبيّن أنها خير نساء الأرض في عصرها في قوله: «خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد» (متفق عليه).

وقد توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، وقبل معراج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولها من العمر خمس وستون سنة، ودفنت بالحجُون، لترحل من الدنيا بعدما تركت سيرةً عطرة، وحياة حافلةً، لا يُنسيها مرور الأيام والشهور، والأعوام والدهور، فرضي الله عنها وأرضاها.