كيف نتوب - (3) عزل النفس عن مواطن المعصية

منذ 2019-08-08

وليس إعداء الجليس جليسه بمقاله وفعله فقط .. بل بالنظر اليه .. فالنظر الى الصور يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه ..

(3) عزل النفس عن مواطن المعصية

قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
وقال صلى الله عليه وسلم:  «وأمّا جليس السوء كنافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة»
وقال علي ابن أبي طالب:  «لا تصحب الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويود لو أنك مثله».

وقال بعض السلف: "إيّاك ومجالسة الأشرار، فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري".

وليس إعداء الجليس جليسه بمقاله وفعله فقط .. بل بالنظر اليه .. فالنظر الى الصور يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه ..

إنّ أول ما يبدأ من التوبة .. اخي التائب أن تتخلص من رفقاء السوء فتستبدلهم بصحبة صالحة .. ثم بعد ذلك لا بد من تغيير المكان الذي كنت تعصي الله فيه ..

إنّ الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا .. قال له العالم .. " إنّ قومك قوم سوء .. وإنّ في أرض كذا وكذا قوما يعبدون الله .. فاذهب فاعبد الله معهم" ..
 

واسمع لقوله سبحانه وتعالى: {ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّار} [مريم: 83] .. فالشياطين تؤز العصاة أزّا .. تدفعهم دفعا .. تسوقهم سوقا .. تقودهم قودا .. تيسر لهم ..

أيها الأحبة في الله .. نعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. إنّ الشيطان لن يدعك تتوب .. سيجاهدك وسيقف لك بالمرصاد .. وسيستعمل كل أسلحته .. من معارفك وأصدقائك ..

إنّك تذكر وأذكر معك .. يوم كنت تجلس على المقاهي .. تصاحب رفقة السوء .. كنت تدخل الى المنزل برفقة السوء هذه .. فترحب بهم أمك .. ويجلس أبوك معهم .. وينشرح صدره لهذه الجلسة ..
فإذا بك يوم التزمت وتبت الى الله .. قال لك أبوك: يا ولدي .. إنّك ستوردنا موارد الهلكة .. إننا لا نستطيع معارضة الحكام .. لا تعف لحيتك .. وإذا استضفت اثنين من الملتزمين .. سألك: هل نويت تحويل المنزل الى وكر أم ماذا تريد؟؟ وهكذا ..

هكذا سيجاريك الجميع .. الكل سيجاهدك .. حتى نفسك .. ستبدأ تورد عليك هذه النفس صور المعاصي القديمة .. تجد نفسك راقدا في مرة لتراجع حفظك من سورة البقرة .. أو تستمع اليها .. فتفاجئك نفسك .. بصورة الفتاة التي كنت تحبها .. فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. وتتساءل من الذي أتى بها هنا .. ؟! وفي هذا الوقت بالذات ..

نعم أعلم أنهم لا يودعونك .. لذا دع كلّ ما يذكرك بالمعصية. اتركه واهجره .. واهجر أصدقائك القدامى .. غيّر رقم الهاتف .. غيّر حتى عنوان المنزل إذا استطعت .. غيّر الطريق الذي تمر منه الى المنزل .. وإذا قابلت أحدهم في الطريق فسلم عليك .. فقل له: السلام عليك يا اخي .. فإذا قال: ماذا جرى لك .. ؟! فقل: عرفت الله ..

 

وحذرني من الشياطين .. شياطين الانس والجن .. قل له: إنّي أدعوك الى الله ليتوب عليك الله كما تاب عليّ .. عندها قد يقول إنه قد جنّ .. دعه يقول كما يشاء .. وإذا قالت لك نفسك إنني قد أنفره من سلوك الطريق القويم .. قل لها المهم أن ننجو بأنفسنا أولا ثم عندها تثبت أقدامنا قد نعود لنمد له يد العون .. بل سنعود اليه حتما لنأخذ بيده كما أخذ الآخرين بأيدينا ..

ولكن ماذا يحدث إذا مددت له تلك اليد الآن ولما تثبت أقدامك فهششت له .. وبادلته الحديث .. فسوف يذكرك بأيام معاصيك .. فيدخل الوهن في قلبك .. سيقول إنّك قد جننت فأنا أعرفك أكثر من نفسك .. إنّك لست من هذا الطراز .. هل أنت من مرتادي المساجد .. ؟! أتذكر اسم الفتاة التي كنت تحبها .. ؟! أتذكر ما كنت تقول .. ؟! وكا كنت تفعل .. ؟! فهل يترك هذا عاقل ليكون مع هؤلاء المعقّدين .. ألا يحدث هذا بالفعل .. ؟!
لذا فقد حدث وقابلت أحدهم فلا تتبسط معه .. ولا تنسى الإنكار ولو يقلبك .. فإذا قال لك: إنني أريدك أن تأتي معي في أمر .. فقل له: إني في طريقي لحضور درس علم .. فإذا قال: إذاً غدا .. ؟! فقل له: غدا سأقوم الليل من بعد العشاء وحتى الفجر .. فإذا قال لك: إذا بعد الغد .. فقل له: إنني أنوي أن أختم القرآن بعد غد .. فعندها سيقول: جن والله .. فييأس منك فيتركك .. أو سيقول: أهتدي والله فيصحبك ويتبعك ..

كما قلت لك من قبل: إياك وتلبيس إبليس .. يقول لك: إنّك قد خلقت للدعوة .. فقل له: أي دعوة .. ؟! أنا ما زلت في بداية توبتي .. ولتعلم أنك لست مسؤولا عن الدعوة قبل استكمال هداية نفسك .. الزم الصمت .. اترك أرض المعاصي .. إنك لن تستطيع اعتزال الناس في الجامعة .. أو في المنزل .. أو في العمل .. سوف تضطر للتعامل مع هؤلاء .. وعليه فإنه يجب عليك أن تعزل نفسك في البداية عن مواطن المعصية لفترة حتى تعتاد الالتزام ..
 

إن نصيحتي لك ـ حبيبي في الله ـ أن تلزم نفسك الصمت .. حلّ بينها وبين من يشغلها .. إياك والمعارك الجانبية .. فإذا نظر إليك أبوك شذرا إذا أعفيت لحيتك ثم سألك: ما الذي تنوي عمله .. ؟! لا تقل إنّ اللحية فرض .. أو تتهمه بكراهية النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن قم فقبل رأسه .. وقبل يد أمك .. وقل لهما: الحمد لله الذي نجاني من لنار .. بفضل حسن تربيتكما لي .. أو بفضل دعائكما لي .. أو بفضل حرصك يا أبي على أن تطعمنا الحلال الطيّب .. ولعلي أنفعكما يوما .. ذكرهما بحديث:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد ثالح يدعو له".

لا تقم معارك في المنزل مع إخوتك أو أبيك أو أمك أو جيرانك أو زملائك فتلهك المعارك عن اللجوء الى الله والسير إليه ..
لا تفتح أبواب المعارك .. سد باب الذرائع عن أي سؤال .. فإذا قيل: يا بني .. هل اللحية فرض .. ؟! فقل: كيف حالك يا أبي .. إنني احبك .. وحاول أن تتفادى الصراع ما أمكنك ..

فإذا قال لك: هل الصلاة لا تصح إلا في المساجد الخاصة بالملتزمين الذين يطيلون فيها .. ؟! قل له: ما رأيك يا أبي لو جلست معي فقرأنا ربعين من القرآن فإنك عندها ستشعر بجنة الله في القرآن .. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال .. وقال .. وقصّ له من اخبار النبي عليه الصلاة والسلام .. إنها حينها قد ترغبه بحسن خلقك .. وق يشعر هو بتحسن حالك .. وقد تدعوه بسمتك الصالح ..

أما إذا أقمت من نفسك مفتيا .. وسردت له أدلة فرضية اللحية .. وأن إبن حجر العسقلاني ـ طيّب الله ثراه ـ قد قال .. ثم أتبعت بقول الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ..
 

ثم قول شيخ الاسلام ابن تيمية قدّس الله روحه .. فإنك لن تجد الوقت لتصحيح توبتك مع الله .. وإنما عليك بالنصيحة العابرة .. والهمسة الصادقة ..

أطل الصمت .. وأدمن السكوت .. ولا تخض مع الخائضين .. جنّب نفسك الزلل وابتعد عن الخطأ .. وانكسر لله .. لا تطغ .. لا تتكبر ..

إذا رأيت العصاة فاذكر قول الله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم} [النساء:94].

قل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيرا من عباده .. وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا.

محمد حسين يعقوب

داعية إسلامي مصري، حاصل على إجازتين في الكتب الستة وله العديد من المؤلفات

  • 13
  • 0
  • 5,140
المقال السابق
(9) لنتب إخوتاه
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً