شرح صحيح البخاري - (7) البخاري وكتابه الصحيح ومكانتهما

منذ 2019-08-19

لاثمائة ألف حديث لا يختلط عليه فيها إسناد في إسناد ولا رجل مكان رجل، ولا متن مكان متن أبداً، يذكرون في ترجمته أن أبا زرعة الرازي، وأبا حاتم الرازي كانا يجلسان بين يديه كما يجلس الصبي بين يدي شيخه، والبخاري يمر في العلل مرور السهم.

أنت في البيت عندك صحيح البخاري مطبوع في مجلد، هل تعلم كم ظل سنوات يؤلف البخاري رحمه الله هذا الكتاب؟ لقد بقي سبع عشرة سنة، هذا الإمام الذي كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث يمر فيها كالسهم كما يقرأ أحدنا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}  [الإخلاص:1] ، ثلاثمائة ألف حديث لا يختلط عليه فيها إسناد في إسناد ولا رجل مكان رجل، ولا متن مكان متن أبداً، يذكرون في ترجمته أن أبا زرعة الرازي، وأبا حاتم الرازي كانا يجلسان بين يديه كما يجلس الصبي بين يدي شيخه، والبخاري يمر في العلل مرور السهم.


فهذا الإمام الذي كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث يصنف كتابه في قرابة عشرين عاماً، أما في وقتنا الحاضر ففي كل ثلاث أو أربع ليال يخرج لأحدنا كتاب، وتراه يطبع جزءاً وراء جزءٍ وراء جزءٍ، ورحم الله الشيخ المطيري كان يقول: عندهم إسهاب في التأليف، لقد ظهر التحقيق من ثلاثين سنة، قلما تعرف اسم محقق جليل، كان المحققون قلة، أمثال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، والشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمود شاكر، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وعبد السلام هارون، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي الجداوي، ومحمد إبراهيم زايد، كانوا مجموعة يقومون بتحقيق الكتب، فقلما كنت تجد اسماً جديداً لماذا؟ لأنه لم يكن في ذلك الوقت شهادات علمية، كما هو الآن، فقد ملأت الشهادات الدنيا، وأصبح الوصول إلى الفائدة قريب المنال، لكن في عصرنا هذا كل سنة ويظهر أبو عبد الله الأثري، أبو عبد الرحمن الأثري، حتى إن الشيخ الألباني قال في الأثري: إنه موضة العصر، تجد عشرات المحققين الذين أنت لا تعرف في أي مجال هم، ولا تعرف قدرهم من العلم، ولا تعرف هل زكاهم العلماء أم لا، يلعبون بالتراث، ويسرقون جهود الناس، وأي رجل -يعني مثلاً- درس كتب الشيخ الألباني يعلم أن أكثر هؤلاء المحققين يسرقون تخاريج الألباني، وتجده يقوم بتغيير بعض تخريج الألباني قليلاً، إذا كان الألباني يأتي بالتخريج في صفحة فهذا يختصره في نصف صفحة، ويقدم قولاً ويؤخر قولاً، أو يغير في الطبعة وهكذا، مثل أن يقوم الألباني يجعل البيهقي بعد أحمد أو أحمد بعد البيهقي يأتي هذا المحقق ويقدم ويرتب من أجل أن لا ينكشف أمره، لكن أهل الصنعة يعلمون أن هذا مسروق.
لقد ظهر كثير جداً من هؤلاء الناس الذين يسرقون الكتب، والعلماء المتقدمون لم يكونوا ليفعلوا ذلك.
مرَّ محمد بن أبي حاتم الوراق مع شخص من أهل العراق، وأنت تعرف أن أهل العراق كانوا ينتقصون الأفاضل، فسمع رجلاً يقول: إن البخاري لا يحسن أن يصلي؛ فتوجع من هذه الكلمة فنقلها إلى البخاري، قال له: سمعت رجلاً بالعراق يقول: إن البخاري لا يحسن يصلي؟ فقال البخاري: لو شئت لسردت لك عشرة آلاف حديث في الصلاة قبل أن أقوم من مجلسي هذا.
إذاً: الذي يحفظ عشرة آلاف حديث في الصلاة لا يحسن الصلاة كيف هذا؟! فالإمام البخاري صنف كتابه على أوسع القواعد العلمية المعروفة عند أهل الحديث، فنحن إذا علمنا كيف صنف البخاري رحمه الله كتابه، ثم كيف وضع أهل الحديث الموازين لنقد الرواية، وقبول الأخبار؛ لعلمنا عظمة المحدثين، ومدى قدر جميلهم على هذه الأمة، فأهل الحديث هم الذين تركوا أولادهم، وتركوا ديارهم، وتركوا ملذاتهم وشهواتهم من أجل تصحيح لفظة واحدة، فكيف بحفظ السنة كلها؟

أبو إسحاق الحويني

أحد الدعاة المتميزين ومن علماء الحديث وقد طلب العلم على الشيخ الألباني رحمه الله

  • 6
  • 3
  • 9,063
المقال السابق
(5) كتب البيطري المبتدع واغترار الجهلة به والرد عليه
المقال التالي
(8) تحمل الصعاب من أجل تحصيل العلم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً