فوائد كتاب من حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم:1

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم, وهو معرفة مفاتيح الخير والشر,  لا يُوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه, فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يُدخل منه إليه.

  • التصنيفات: طلب العلم -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالجنة دار غرسها الله جل جلاله بيده, وجعلها مقراً لأحبابه, وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه, ووصف نعيمها بالفوز العظيم, وملكها بالملك الكبير, وأودعها جميع الخير بحذافيره, وطهرها من كل عيب وآفة ونقص, نعيمها دائم لا يزول ولا يحول,  فيها ما لا عين رأت, ولا أُذُن سمعت, ولا خطَرَ على قلب بشرٍ !

هذه الجنة ألف العلامة ابن القيم رحمه الله, في وصف نعيمها: كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " قال في مقدمته: محرك للقلوب إلى أجل مطلوب, وحادٍ للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس, ممتع لقارئه, مشوق للناظر فيه, لا يسأمه الجليس, ولا يمله الأنيس, مُشتمل من بدائع الفوائد, وفرائد القلائد, على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من الكتب.

وهذه الفوائد البديعة التي ذكرها رحمه الله في كتابه انتقيتُ شيئاً منها, مع تقديم وتأخير وتصرف يسير في العبارة في بعض المواضع, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها, كما أسأله بمنه وكرمه أن نكون جميعاً من أهل الجنة الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله:  {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقاً}[النساء:69]

السرُّ في حذف الجواب في آية أهل الجنة, وذكره في آية أهل النار:

قال الله تعالى:  { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زُمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}  [الزمر:73] وقال في صفة النار:   {حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها } [الزمر:71] بغير واو.

فقالت طائفة: هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة, لكونها ثمانية, وأبواب النار سبعة فلم تدخل الواو, وهذا قول ضعيف لا دليل عليه, ولا تعرفه العرب, ولا أئمة العربية, وإنما هذا من استنباط بعض المتأخرين.

بقي أن يقال: ما هو السرُّ في حذف الجواب في آية أهل الجنة, وذكره في آية أهل النار, فيقال: هذا أبلغ في الموضعين, فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها, وأبوابها مغلقة, حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففجأهم العذابُ بغتةً, فحين انتهوا إليها } فُتحت أبوابها [ بلا مهلة, فإن هذا شأن الجزاء المترتب على الشرط أن يكون عقيبه, فإنها دار الإهانة والخزي, فلم يستأذن لهم في دخولها, ويُطلب من خزنتها أن يمكنوهم من الدخول.

وأما الجنة فإنها دار الله, ودار كرامته, ومحل خواصه وأوليائه, فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم, ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله, فكلهم يتأخر عن ذلك, حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول: أنا لها, فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه, فيدعو ما شاء أن يدعه, ثم يأذنُ له في رفع رأسه, وأن يسأل حاجته, فيشع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه, ويفتحها تعظيماً لخاطره, وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه.

لماذا يساق أصحاب النار وأصحاب الجنة إليهما زُمراً:

وتأمل ما في سوقِ الفريقين إلى الدارين زمراً من فرحة هؤلاء بإخوانهم, وسيرهم معهم كل زمرة على حدة, مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم, مستبشرين أقوياء القلوب, كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير, كذلك يؤنس بعضهم بعضاً, ويفرح بعضهم ببعض.

وكذلك أصحاب الدار الأُخرى يُساقون إليها زمراً, يلعن بعضهم بعضاً, ويتأذى بعضهم ببعض, وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكه, من أن يساقوا واحداً واحداً, فلا تهمل تدبر قوله:  زمراً 

بقاء أبواب الجنة مفتوحة بعد دخول أهلها وإغلاق أبواب النار بعد دخول أهلها

وتأمل قوله سبحانه:   {جنات عدنٍ مُفتحةً لهم الأبواب * مُتكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب } [ص:50-51] كيف تجد تحته معنى بديعاً, وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة.....فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبؤهم من الجنة حيث شاؤوا, ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتُّحف والألطاف من ربهم, ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت, وأيضاً: إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب, كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا.

وأما النار فإذا دخلها أهلها أُغلقت عليهم أبوابها, كما قال تعالى:  { إنها عليهم مُؤصدة}  [الهمزة:8] أي مطبقة مغلقة, ومنه سُميَ الباب وصيداً وهي:  {مُؤصدة * في عمدٍ ممدة } قد جعلت العُمُد ممسكة للأبواب من خلفها, كالحجر العظيم الذي يُجعل خلف الباب, قال مقاتل: يعني أبوابها عليهم مطبقة, فلا يفتح لها باب, ولا يخرج منها غم, ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.

مفاتيح الخير:

مفتاح الصلاة: الطهور.

ومفتاح الحج: الإحرام.

ومفتاح البر: الصدق.

ومفتاح الجنة: التوحيد.

ومفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء.

ومفتاح النصر والظفر: الصبر.

ومفتاح المزيد: الشكر.

ومفتاح الولاية والمحبة: الذكر.

ومفتاح الفلاح: التقوى.

ومفتاح التوفيق: الرغبة والرهبة.

ومفتاح الإجابة: الدعاء.

ومفتاح الرغبة في الآخرة: الزهد في الدنيا.

ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار, وترك الذنوب.

ومفتاح حصول الرحمة: الإحسان في عبادة الخالق, والسعي في نفع عبيده.

ومفتاح الرزق: السعي مع الاستغفار والتقوى.

ومفتاح العزِّ: طاعة الله ورسوله.

ومفتاح الاستعداد للآخرة: قصر الأمل.

ومفتاح كل خير : الرغبة في الله والدار الآخرة.

مفاتيح الشر:

مفتاح كل شرٍّ: حُب الدنيا, وطول الأمل.

الشرك, والكبر, والإعراض عما بعث الله به رسوله, والغفلة عن ذكره, والقيام بحقه مفتاح للنار.

الخمر مفتاح كلِّ إثمٍ.

 الغناء مفتاح الزنا.

إطلاق النظر في الصور: مفتاح الطلب والعشق.

الكسل والراحة: مفتاح الغيبة والحرمان.

المعاصي: مفتاح الكفر.

 الكذب: مفتاح النفاق.

 الشح والحرص: مفتاح البخل وقطيعة الرحم, وأخذ المال من غير حلِّه.

 الإعراض عمَّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح كل بدعة وضلالة.

وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم, وهو معرفة مفاتيح الخير والشر,  لا يُوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه, فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يُدخل منه إليه.

فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح, وما جُعلت مفاتيح له, والله من وراء توفيقه وعدله, له الملك وله الحمد, وله النعمة والفضل, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.