قليل من التنظير، كثير من العمل

منذ 2019-11-17

هذه الصورة الإيمانية أفرزت مجتمعا فريدا و مميزا لم يجد الزمان بمثله...، والسر في ذلك أنهم جعلوا الحياة مسرحا للدعوة والتدافع وتعزيز الأخوة ونبذ الشقاق، و أعرضوا فيها عن كل كلام الذي لا يفضي إلى عمل، ولا يرى في الواقع، مستبصرين في ذلك بمنهج القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة.

 

بنداود رضواني.

هل يمكن اختزال الإنسان في ذلك الكم الهائل من المعارف والمعلومات التي يختزنها عقله..؟
و هل يعد النبوغ المعرفي معيارا على تفوق المرء ونجاحه، إن كان الأمر كذلك، فهل هذه المكاسب المعرفية هي المعيار الأوحد الذي لا ثاني له لهذا التفوق؟.
أهمية الفكرة و دور المعلومة في حاضر الإنسانية ومستقبلها أمر معلوم، بل مما يتمايز به الإنسان عن سائر المكوَّنَات هو صناعة الفكرة وإنتاج المعلومة و إدراك الحقيقة...
ومع ذلك فالفكرة مهما بلغت من الوجاهة والصدقية، تبقى حبيسة التجريد، رهينة التنظير لا غير، إذا لم تتحول إلى فعل و ممارسة في الواقع.
و في يومنا هذا لا يشكو الواقع الإسلامي من هزالة المعرفة الدينية أو الدنيوية، و لا إلى الرؤى الإبداعية، بل الأمر خلاف ذلك، إذ أن هناك من المعارف والعلوم التي أنضجت بحثا حتى أحرقت، لكن ومع ذلك لم تجد سبيلا إلى حياة المسلمين و واقعهم للأسف !!

لقد عرفت أقوى القضايا الإنسانية وأعظمها شأنا، ألا وهي قضية" الإيمان بالله"، يسرا في التنظير وسهولة في العرض، لكن كان لأثرها قوة وعظمة...، برز هذا الأمر أكثر وضوحا في صدر الإسلام.
فالإيمان الذي عاش عليه الصحابة لم يقتصر على التصديق العقلي المجرد فحسب، ذلك بأن الله خالق كل شيء ومليكه، بل الذي شغل نهارهم وأرق ليلهم، مدى امتثالهم لمقتضيات هذا التصديق والتي لن تتجلى حقيقة الإ في ما ينهضون به في واقعهم من أعمالهم اليومية...
فالإيمان إنما عنى لهم شيئا واحدا " تصديق بالجنان وعمل بالأركان ".

هذه الصورة الإيمانية أفرزت مجتمعا فريدا و مميزا لم يجد الزمان بمثله...، والسر في ذلك أنهم جعلوا الحياة مسرحا للدعوة والتدافع وتعزيز الأخوة ونبذ الشقاق، و أعرضوا فيها عن كل كلام الذي لا يفضي إلى عمل، ولا يرى في الواقع، مستبصرين في ذلك بمنهج القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة.
لكن لما خلف من بعدهم خلف أضاعوا العمل، و أغرقوا أوقاتهم في المنازعات الكلامية، والمهاترات الفلسفية، و الجدل حول المنزلة بين المنزلتين...، والوعد والوعيد... !!!، تخلفت الأمة عن الرسالة التي من أجلها وجدت، وبسببها أخرجت إلى الناس.
إن المقارنة بين السيرة العملية للنبي، وما ورد عنه من أحاديث ليجلي المنهج الذي عاش عليه الصلاة والسلام، ألا وهو القليل من الكلام و الكثير من العمل...، لذا يستغرب المنصفون من غير المسلمين أن تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم هذه الإنجازات العظيمة في هذه السنوات القلائل من حياته...، إذا ما قورنت بحيوات من سبقوه من الرسل والأنبياء ..
عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي..

بنداود رضواني

حاصل على شهادة الدكتوراة في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان

  • 9
  • 0
  • 3,025

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً