حصون للوقاية من آثار وباء كورونا النفسية 2

منذ 2020-06-11

وليحذر الإنسان من وسوسة الشيطان له أن يطلب الشفاء مما يجد فيما حرَّم الله، فالله عز وجل لم يجعل الشفاء فيما حرَّم

والعبد إذا عَلِمَ أن الله عز وجل هو المدبر لجميع الأمور، لا معقِّب لحكمه، ولا راد لأمره، لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن، وأنه يُقدِّرُ على العباد ما يريد من نفع وضر، وأن العباد كلهم طوع تدبيره، لا خروج لأحد منهم عن نفوذ مشيئته وشمول قدرته، عند ذاك فإنه يُسلمُ أمره لربه، فينشرح صدره، وتذهَب مخاوفه، وينجلي قلقه، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من ثمرات الإيمان بالقدر: راحة النفس، وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس، واطمأنَّ القلب، ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشًا، وأريح نفسًا، وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر، وقال ومن ثمرات الإيمان بالقدر: طرد القلق والضجر عند فوات المراد، أو حصول المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله تعالى، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك ويحتسب، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب، ويفتح له الشيطان له كل باب، وقال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: الإيمان بالقدر وسيلة إلى الصبر والتحمل والطمأنينة والسكون، ويثمر طمأنينة القلب وهدوءه وهدايته، وقال الشيخ الدكتور عبدالرحمن صالح المحمود: الإيمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد، ويقوي فيها العزائم، وقال الدكتور محمد الصغير، استشاري الطب النفسي: ومن العوامل التي تخفف أثر المصيبة على النفس، وترفع قدرة التحمل: تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، وقالت الباحثة طريفة بنت سعود بن إبراهيم الشويعر: النتائج أظهرت أن الطالبات الأكثر إيمانًا بالقضاء والقدر أقل قلقًا، ويقول ديل كارينجي نقلًا عن بودلي - الذي قضى سبع سنوات مع مسلمين عرب في إحدى دول المغرب العربي -: تعلَّمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق، فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلًا هينًا، فهم لا يتعجلون أمرًا، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقًا على أمر، إنهم يؤمنون بأن ما قدِّر يكون، وأن الفرد منهم لن يصيبه إلا ما كتب الله له.

الحصن الثاني: الصلاة المطمئنة الخاشعة:

قال الله عز وجل: ﴿ { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}  ﴾ [المعارج:19-22]، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى؛ [أخرجه أبوداود]؛ قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: أي إذا نزل به مُهم أو أصابه غمٌّ".

وكان عليه الصلاة والسلام يقول: ( {قُم يا بلال، فأرحنا بالصلاة} )؛ [أخرجه أبوداود]، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من علامات صحة القلب أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همُّه وغمُّه بالدنيا، واشتد عليه خروجُه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقُرَّة عينه وسرور قلبه.

ويقول الدكتور ناصر بن عبدالله بن ناصر التركي: إن أثر الصلاة في علاج القلق يفوق الأثر الذي يحدثه أسلوب العلاج النفسي، فالصلاة زيادة على أنها تحرِّر الإنسان من القلق، فإنها تُمده بطاقة روحية تجدِّد فيه الأمل، وتقوِّي عزيمته وإرادته، وتجعله أكثر تحملًا لمشاق الحياة وأعبائها، وقد أدرك هذا الأثر أحد الأطباء؛ إذ يقول: إن الصلاة هي أهم أداة عرفت إلى الآن لبث الطمأنينة في النفوس، وبث الهدوء في الأعصاب.

الحصن الثالث: كثرة ذكر الله عز وجل:

كثرة ذكر الله عز وجل تطرد الشياطين، فتذهب عند ذاك الهموم، وتنجلي المخاوف، ويزول القلق، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه النافع المفيد "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب": وفي الذكر أكثر من مائة فائدة، وذكر منها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يقوِّي القلب والبدن، أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، ويُيسر العسير، ويُخفِّف المشاق فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسَّر، ولا مشقة إلا خفَّت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الهم والغم، يوضِّحه أن ذكر الله يُذهبُ عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتدَّ خوفه، أنفع من ذكر الله عز وجل، فإنه بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: قال عز وجل: ﴿  {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } ﴾ [الرعد: 28]؛ أي: يزول قلقها، واضطرابها، وتحضر أفراحها ولذاتها.

وفي دراسة للباحثة إسعاد بنت عبدالعظيم البنا بعنوان: "دور الأدعية والأذكار في علاج القلق كأحد طرق العلاج النفسي الديني، علَّق عليها الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع أستاذ علم النفس بقوله: الدراسة جيدة، وضَح فيها الأثر الكبير لقراءة القرآن والمداومة على الأدعية والأذكار في علاج القلق لدى عينة الدراسة.

الحصن الرابع: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي:

للذنوب والمعاصي آثارٌ على العبد في دنياه وآخرته، منها في دنياه: ما يصيبه من قلق وخوف، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن عقوباتها ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، ومن وفَّقه الله وأعانه وتجنَّب المعاصي والآثام، زال عنه ذلك الخوف والحزن، فالتوبة فيها راحة مما يقلق النفس؛ يقول الطبيب النفسي الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي نقلًا عن الطبيب النفسي الدكتور محمد عثمان نجاتي: التوبة إلى سبحانه وتعالى تقوِّي في الإنسان الأمل في رضوان الله، فتخف حِدَّةُ قلقه، ثم إن التوبة تدفع الإنسان عادة إلى إصلاح الذات وتقويمها؛ حتى لا يقع مرة أخرى في الأخطاء والمعاصي، ويساعد ذلك على زيادة تقدير الإنسان لنفسه، ورضائه عنها، ويؤدى ذلك إلى بثِّ الشعور بالأمن والطمأنينة في نفسه، ويقول نقلًا عن الدكتور مصطفى فهمي: التوبة تفتح أمام الإنسان الأمل، وهذا الأمل يجعله يشعر بالراحة النفسية، والنظر إلى الحياة نظرة مختلفة، يسودها التفاؤل بعد أن كانت نظرته كلها تشاؤم وخوف ومرارة.

وليحذر الإنسان من وسوسة الشيطان له أن يطلب الشفاء مما يجد فيما حرَّم الله، فالله عز وجل لم يجعل الشفاء فيما حرَّم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم» )؛ [أخرجه البخاري].

وليعلم أن طلب الشفاء بها، لا يزيده إلا شدة، قال ابن القيم رحمه الله: الهم والحزن والغم، هذه المكروهات قد تنوع الناس في طرق أوديتها والخلاص منها، وتباينت طرقهم في ذلك تباينًا لا يحصيه إلا الله، بل كل أحد يسعى في التخلص منها بما يظن أو يتوهم أنه يُخلصه منها، وأكثر الطرق والأدوية التي يستعملها الناس في الخلاص منها لا يزيدها إلا شدة، كمن يتداوى منها بالمعاصي على اختلافها من أكبر كبائرها إلى أصغرها، وكمن يتداوى منها باللغو واللعب والغناء، وسماع الأصوات المُطربة، وغير ذلك، وكلهم قد أخطأ الطريق.

جاء في الموسوعة الطبية الحديثة: أما الإقبال على المشروب الكحولية [يقصدون الخمر]، والترويج السلبي، فلا يُخفف القلق، بل على العكس يزيد من سوئه.

فهذه الأمور المحرمة كالحبوب المسكنة للآلام البدنية، يشعر المريض بالراحة، ويسكن الألم إذا تعاطاها، والمرض في الحقيقة يزيد، والقلق والضيق يزيد.

الحصن الخامس: الاشتغال بعمل من الأعمال:

قال العلامة السعدي رحمه الله: ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب: الاشتغال بعمل من الأعمال، أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نَسِيَ بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم، والغم، ففرِحت نفسه، وازداد نشاطه، فكم من إنسان ابتُلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلَّت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع: نسيان السبب الذي كدَّره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته، وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنَس به النفس، وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم

ولعل الاشتغال بهذا العمل من أسباب تقليل الوقت الذي يُقضى في متابعة وسائل الإعلام، فكما لا يخفى أن الأخبار التي تنقلها تسبب القلق والخوف من هذا الوباء.

وفي الختام: كلما ازداد تديُّن المرء وإيمانه، كان ذلك عامل وقاية كبير له من الإصابة بالضغوط والأمراض النفسية، وفي تمتُّعه بصحة نفسية عالية، يراجع في ذلك مجموعة من الدراسات والأبحاث التي ذكرها أستاذ علم النفس الدكتور صالح بن إبراهيم بن عبداللطيف الصنيع في كتابه "التدين والصحة النفسية".

ومن وفِّق للعمل بأحكام الشريعة، فهو محفوظ بحفظ الله عز وجل، بعيد عن كل قلقٍ وهَمٍّ وغَمٍّ، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الشريعة كلُّ أحكامها تُزيلُ القلق والهمَّ والغمَّ، الشريعة كُلها إزالة الهمِّ والغمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا.ا

للهم احفظنا وجميع المسلمين من كل مكروه ووباء، وارفع عنا ما وقع بنا، إنك سميع الدعاء.    

                              كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 3
  • 0
  • 3,693

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً