صلاة تشكو من هجر المصلين لها

ينفطر قلبي عندما أرى زهور اليوم من شباب وفتيات أُمتنا، وهم في غفلة ينام النهار، ويظل مستيقظًا طول الليل، الهواتف في أيديهم، يتصفح البعض مواقع التواصل الاجتماعي، وينتقل من هذا إلى ذاك لا تبالي قلوبُهم بقول: الصلاة خير من النوم، حي على الصلاة، حي على الصلاة،

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله - الحث على الطاعات -
صلاة تشكو من هجر المصلين لها

صلاة تشكو من هجر المصلين لها، ومساجد تفتح أبوابها، والمؤذن ينادي كل يوم، فيقول:

الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، يلبي اللبيبُ ويُجيب النداء، بل يوقظه قلبه شوقًا إلى الارتواء من ركعتي هما خيرٌ من الدنيا وما فيها.

 

ويُعرض من تدثَّر بالفراش، وأثقله الكسل، وصمَّ أذنه، وأغلق عينه، وتحجَّر قلبه عن تلبية النداء،

ولو علم الخير فيها ما تركها أبدًا، بل انتظرها شوقًا وعلى عجل، لو علم الخير فيها لانتظرها متعطرًا جالسًا يتدبر في كتاب الله تارة، وبالذكر تارة أخرى، إنها ركعتا الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها؛ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»؛ رواه مسلم، وفي رواية: «لهما أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعًا»، والمقصود هنا بركعتا الفجر؛ أي: السنة الراتبة قبل صلاة الفجر، وكان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أشد حرصًا عليهمـا.

 

خير من الدنيا وما فيها: أي خير من أي متاع في الدنيا، والعاقل من فاز بالآخرة وعمل في الدنيا، وجاهد نفسَه، وأقبل على الله في كل عبادة طالبًا رضا الله والجنة.

 

وإذا كان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أشد حرصًا عليهما، فالواجب أن نقتدي به، ففي حرصه عليهما خيرٌ كثير؛ حتى إن عائشة رضي الله عنها قالت: "ولم يكن يدَعهما أبدًا"، وقالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر"  (متفق عليهما).

 

ما أجمل هذا الحرص على أداء الراتبة، فكيف بنا نفرِّط في الفرائض؟! فهل يُعقَل أن يترك إنسان هذا الثواب العظيم؟! لهذا كان في الحديث تأكيد على ركعتي الفجر، وأنها أفضل السنن الراتبة،

 

فهل بعد هذا سنغفل وننام ونترك الأجر والثواب ونحن في أشد الحاجة إلى هذا العطاء الرباني، وتلك النفحات التي تأسِر قلوبنا في هذا الوقت؟!

 

هل سنستمع لوساوس الشيطان، ويظل القلب والبدن وجميع الجوارح في غفلة؟

هل نترك هذه الصفوة من الناس وهذا الهواء النقي لننشغل عن الثواب، ويظل القلب والبدن أسيرين لهذا اللهو والانشغال؟

ينفطر قلبي عندما أرى زهور اليوم من شباب وفتيات أُمتنا، وهم في غفلة ينام النهار، ويظل مستيقظًا طول الليل، الهواتف في أيديهم، يتصفح البعض مواقع التواصل الاجتماعي، وينتقل من هذا إلى ذاك لا تبالي قلوبُهم بقول: الصلاة خير من النوم، حي على الصلاة، حي على الصلاة،

 

حتى تشرق الشمس والعيون يقظة، ولكن القلوب نائمة، قابعون على هواتفهم، والبعض الآخر يظل طيلة الليل في سهر، وقبل سماع الأذان بوقت قصير جدًّا يتعمَّد النوم، اللهم هدايتك ورحمتك بهم، بل الفاجعة الكبرى أنه يسمع الأذان، فتراه يصطنع النوم؛ صدقًا أبكي على ضياع عمرهم فيما لا يفيد، ولو أنهم تذكروا الموت وكيف يخطف ويقبض في لحظات الغفلة، فالموت لن ينتظر ولن تَعوقه قوتُك وصحتك، فلا تغتر وتقول:

غدًا سأقف وأُصلي صلاتي، غدا سأواظب على ركعتي الفجر، غدًا سأتوب وأُقبل بقلبي وجميع جوارحي، غدًا سأقاوم تلك الوساوس، فهل هناك ضمان بأن يأتي الغد وأنت على قيد الحياة،

 

افعلها الآن، فقد لا يأتي عليك غد، أيقِظ قلبك الآن قبل الندم! لو أن هناك مباراة لكرة القدم مثلًا لاسْتيقظَ وترك كل شيء ليشاهدها، أليس مِن الأَولى أن نَفِرَّ إلى الله؟ أليس مِن الأَولى أن نتسابق إلى بيوت الله، حاسب نفسك واسأَلها: هل ترضين أن يكون النفاق صفةً من صفاتك؟

 

كيف هذا؟! نعم صفة من ترك الفجر متعمدًا هي النفاق، لذلك نجد الهواء في هذا الوقت بالتحديد من أنقى ما يكون، والسبب أنه خالي من كل شائبة، صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر يومًا، ثم قال: «أَشَهِدَ فلان الصلاة؟ قالوا: لا، قال: وفلان؟ قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأَتوهما ولو حَبوًا»؛ رواه النسائي.

 

الآن هل تريد أن تعرف الفضل الذي يغتنمه المحافظ على ركعتي الفجر والفجر بعينه: صلاة الفجر تَعدِل قيام ليلة كاملة لك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام الليل كلَّه»؛ أخرجه مسلم.

 

هل تريد دخول الجنة؟ عليك بصلاة الفجر في جماعة؛ قال صلى الله عليه وسلم:  «من صلى البردين دخل الجنةَ»، والبردان هما الفجر والعصر.

 

*نور تام لك وحدَك يا من مَشيتَ في ظلمة الليل؛ لكي تصلي صلاة الفجر؛ قال عليه الصلاة والسلام: «بشِّر المشائين في الظُّلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ رواه أبو داود والترمذي، وصحَّحه الألباني.

 

حين تدخل المسجد وتنتظر الصلاة، تُصلي عليك الملائكة، وليس هذا فقط، فلتنظُر إلى عِظَمِ الثواب وقد اصطفاك الله لتقف بين يديه وتصلي الفجر، وهناك مَن هو نائمٌ غافل عن الأجر، وليس هذا فقط، بل هناك أجر لمن صلى الفجر، ثم جلس في مُصلَّاه؛ فعن علي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه، صلَّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه»؛ رواه أحمد.

 

ما كل هذا الثواب والأجر العظيم، انتظر هناك أيضًا عطايا لم تنته من الله، مَن صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تُشرق الشمس، كانت له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعَد يذكر الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» رواه الترمذي، وصححه الألباني، فما أجمل عطايا الله ونحن غافلون عنها.

 

انتظر قليلًا، هناك ثواب عظيم أيضًا، من صلى الفجر فهو في ذِمة الله، فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يَطلبنكم الله مِن ذمَّته بشيءٍ، فإنه مَن يطلبه مِن ذمته بشيء يُدركه ثم يُكبه على وجهه في نار جهنم»؛ رواه مسلم.

 

الآن هل سنُضيع كل تلك العطايا والهبات والهدايا العظيمة من الله؟ أبدًا والله لن نتركَها ولن نضيِّعها أبدًا، كلما تقاعست هِمَّتك وغلبك الشيطان ونفسُك، وناداك الفراش لتتدثَّر به، قل: لا والله، أبدًا لن أستسلم، ولن أترُك هذا العطاء العظيم، إنها حقًّا كما قال حبيبنا المصطفى: «ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها».

 

الله الله يا أمة الإسلام، هذا في فضل الراتبة من سنة الفجر، فكيف بفضل الفريضة الذي سيكون أعظم وأعظم.

كن من أصحاب هذه الآية العظيمة، وذكِّر نفسَك بها:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}  [السجدة: 16].

 

إن الصلاة خير من الدنيا وما فيها، ضَعها نُصب عينيك كلما زلَّت الأقدام، وتغافلت

القلوب، فهيَّا حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سِلعة الله الجنة.
________________________
المصدر: شبكة الألوكة