مع الحبيب صلى الله عليه وسلم - بعث الرجيع ومأساة بئر معونة

منذ 2020-06-27

ظهر ثبات وكرامات الصحابة , وهي بعث الرجيع التي ضرب فيها خبيب بن عدي المثل في الثبات والفداء وفيها كرامة ثابتة للصحابي الجليل عاصم بن ثابت الذي حفظ الله جسده .

بعث الرجيع ومأساة بئر معونة :

مأساتان بعد غزوة أحد وقعتا على المسلمين فاشتد وقعهما على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم , في الأولى ظهر ثبات وكرامات الصحابة , وهي بعث الرجيع التي ضرب فيها خبيب بن عدي المثل في الثبات والفداء وفيها كرامة ثابتة للصحابي الجليل عاصم بن ثابت الذي حفظ الله جسده .

وأما الثانية ففيها ارتقى القراء غدرا إلى جنان الخلد وهي حادثة بئر معونة.

قال المباركفوري في الرحيق المختوم:

 

بعث الرَّجِيع‏
وفي شهر صفر من نفس السنة ـ أي الرابعة من الهجرة ـ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلاماً، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر ـ في قول ابن إسحاق، وفي رواية البخاري أنهم كانوا عشرة ـ وأمر عليهم مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَوِي ـ في قول ابن إسحاق، وعند البخاري أنه عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب ـ فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع ـ وهو ماء لهُذَيلِ بناحية الحجاز بين رَابِغ وجُدَّة ـ استصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم‏:‏ بنو لَحْيَان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فأحاطوا بهم ـ وكانوا قد لجأوا إلى فَدْفَد ـ وقالوا ‏:‏ لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً‏.‏ فأما عاصم فأبي من النزول وقاتلهم في أصحابه، فقتل منهم سبعة بالنبل، وبقي خُبَيب وزيد بن الدَّثِنَّةِ ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخري، فنزلوا إليهم ولكنهم غدروا بهم وربطوهم بأوتار قِسِيهم، فقال الرجل الثالث ‏:‏ هذا أول الغدر، وأبي أن يصحبهم، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، وكانا قتلا من رءوسهم يوم بدر، فأما خبيب فمكث عندهم مسجوناً، ثم أجمعوا على قتله، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم، فلما أجمعوا على صلبه قال ‏:‏ دعوني حتى أركع ركعتين، فتركوه فصلاهما، فلما سلم قال‏:‏ والله لولا أن تقولوا‏:‏ إن ما بي جزع لزدت، ثم قال‏:‏اللهم أحْصِهِمْ عَدَدًا، واقتلهم بَدَدًا ، ولا تُبْقِ منهم أحدا، ثم قال‏:‏ فقال له أبو سفيان‏:‏ أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله، ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه‏.‏ ثم صلبوه ووكلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أمية الضمري، فاحتمله بخدعة ليلاً، فذهب به فدفنه، وكان الذي تولي قتل خبيب هو عقبة بن الحارث، وكان خبيب قد قتل أباه حارثاً يوم بدر‏.‏

وفي الصحيح أن خبيباً أول من سن الركعتين عند القتل، وأنه رئي وهو أسير يأكل قِطْفًا من العنب، وما بمكة ثمرة‏.‏

وأما زيد بن الدَّثِنَّة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه‏.‏

وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْر ـ الزنابير ـ فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء‏.‏ وكان عاصم أعطي الله عهداً ألا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً‏.‏ وكان عمر لما بلغه خبره يقول‏:‏ يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته ‏.‏
 

مأساة بئر مَعُونة‏
وفي الشهر نفسه الذي وقعت فيه مأساة الرَّجِيع وقعت مأساة أخري أشد وأفظع من الأولي، وهي التي تعرف بوقعة بئر معونة‏.‏

وملخصها ‏:‏ أن أبا براء عامر بن مالك المدعو بمُلاَعِب الأسِنَّة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، فقال ‏:‏ يا رسول الله، لو بعثت أصحابك إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم، فقال‏:‏ ‏‏(‏إني أخاف عليهم أهل نجد‏)‏، فقال أبو بََرَاء ‏:‏ أنا جَارٌ لهم، فبعث معه أربعين رجلاً ـ في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، والذي في الصحيح هو الصحيح ـ وأمر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمُعْنِقَ لِيمُوت ، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم، فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل، حتى نزلوا بئر معونة ـ وهي أرض بين بني عامر وحَرَّة بني سُلَيْم ـ فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلاً فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال حرام ‏:‏ الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة‏.‏

ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته عُصَيَّة ورِعْل وذَكَوان، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار، فإنه ارْتُثَّ من بين القتلي، فعاش حتى قتل يوم الخندق‏.‏

وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مُضَر جَزَّ عامر ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه‏.‏

ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملاً معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين، تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد ؛ إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح ؛ وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة‏.‏

ولما كان عمرو بن أمية في الطريق بالقَرْقَرَة من صدر قناة، نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو، وهو يري أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، فقال ‏:‏‏‏(‏لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما‏)‏، وانشغل بجمع ديتهما من المسلمين ومن حلفائهم اليهود ، وهذا الذي صار سبباً لغزوة بني النضير، كما سيذكر‏.‏

وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة ، تألما شديداً، وتغلب عليه الحزن والقلق ، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه‏.‏ ففي الصحيح عن أنس قال ‏:‏ دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحاً، يدعو في صلاة الفجر على رِعْل وذَكْوَان ولَحْيَان وعُصَية، ويقول‏:‏‏‏(‏عُصَية عَصَتْ الله ورسوله‏)‏، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد‏:‏ ‏‏(‏بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه‏)‏ فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قُنُوتَه ‏.‏
 
#أبو_الهيثم

#مع_الحبيب

  • 10
  • 0
  • 15,382
المقال السابق
طمع العرب  واليهود في  بيضة المسلمين بعد أحد
المقال التالي
نهاية بني النضير: خيانة اليهود وغدر المنافقين بهم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً