إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم
فلنجاهد أنفسنا في تغير حالنا حتى يُغير الله ما نزل بنا, ونحن إن فعلنا هذا فلن نرى من ربنا الكريم الرحيم إلا كل خير.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فنعم الله عز وجل على عباده لا تعد ولا تحصى؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ﴾ [النحل: 18] وهذه النعم الواجب شكرها حتى لا تزول, قال العلامة ابن باز رحمه الله: الواجب على الجميع شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم, والحذر من عدم الشكر...فشكر الله على نعمه جملة وتفصيلاً قيد لها, ووسيلة للمزيد منها, قال الله تعالى: ( { وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ} ) [إبراهيم:7]...ومن علامات شكر النعمة استعمالها في طاعة الله سبحانه وتعالى, وعدم الاستعانة بها على شيء من معاصيه."
ومن رحمة الله عز وجل, وكرمه وجوده وإحسانه, أنه لا يغير نعمه أنعمها علي قوم حتى يغيروا هم ما بأنفسهم, فيتحولون من طاعته إلى معصيته, قال الله عز وجل: (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَها عَلى قَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ) [الانفال:53] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه, بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه.
وقال الله:( {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ) [الرعد:11] قال الإمام ابن أبي حاتم الرازي: حدثنا أبو سعيد الأشج, ثنا حفص بن غياث, عن أشعث, عن جهم, عن إبراهيم: أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قُل لقومك: إنه ليس من أهلِ قريةٍ ولا أهلِ بيتٍ يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حول الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون.ثم قال: إن تصديق ذلك في كتاب الله: ( {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم} ) وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وقوله: ( {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ) يقول تعالى ذكره: ( { إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ } ) من عافيةٍ ونعمةٍ, فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم, ( {حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ) من ذلك: بظلم بعضهم بعضاً, واعتداء بعضهم على بعض, فتحلّ بهم حينئذ عقوبته وتغيره.
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: قوله تعالى: ( { إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ} ) أي: لا يسلبهم نعمه, ( {حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ) فيعملوا بمعاصيه.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ( {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ} ) من النعمة والإحسان ورغد العيش ( {حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم} ) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر, ومن الطاعة إلى المعصية, أو من شكر نعم الله إلى البطر بها, فيسلبهم الله إياها عند ذلك.
فعلى المسلمين أن يراجعوا أنفسهم, ويغيروا ما هم عليه, ويتوبوا من معصية الله, ويتحولوا إلى طاعته قال العلامة ابن باز رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم} ) [الرعد:11]:الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يغير ما بقوم من خير إلى شر, ومن شر إلى خير, ومن رخاء إلى شدة, ومن شدة إلى رخاء, حتى يغيروا ما بأنفسهم, فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد..وقد يكونون في شر وبلاء ومعاص, ثم يتوبون إلى الله, ويرجعون إليه, ويندمون ويستقيمون على الطاعة, فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة, ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة.
فلنجاهد أنفسنا في تغير حالنا حتى يُغير الله ما نزل بنا, ونحن إن فعلنا هذا فلن نرى من ربنا الكريم الرحيم إلا كل خير. كتبه/فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: