غربة المؤمن

 الغربة كربة   كلمة نسمعها  ممن تغربوا عن بلادهم ولكننا أصبحنا نسمعها من غريب آخر غريب وسط أهله وبين أقرانه يا غربتى فى أمتى  وما أشدها غربة هى غربة المؤمن وسط أهله  تعرفه حين ترى الناس مشغولون بدنياهم، وهومشغول بدينه. الناس مشغولين بالفرار إلى الخلق، هم اناس معتصمون بالله فى بحر الفتن بحر الظلمات أنار الله قلوبهم وبصائرهم فأراهم الحق حقاً فاتبعوه والباطل باطلا فاجتنبوه فى حين الناس من حولهم يتخبطون فى الظلمات علموا أن الدنيا معبر وليست مستقراً وأنها سجن المؤمن وجنة الكافر فاتبعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال :" «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»  عاشوا فيها يبنون بيوتا يسكنونها بأبدانهم وليس بقلوبهم مشتاقين للراحة مشتاقون للجنة قد تعبوا من أجل الثبات على دين الله وإعلاء كلمة الحق تراهم دائما قلة وليسوا كثرة هذا وقد فندهم ابن القيم حين قال :"فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، " وهكذا كل قابض على دينه وسط الفتن غريب مستوحش ولكن عزاءنا أن نبى الأمة كان سيد الغرباء وهو القائل عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» "

صلى الله عليه وسلم أوحى إليه  وسط أمة وقتها كانت تصنع صنماً من عجوة تعبده ثم تأكله كم تحمل و أوذى من أقرب الناس إليه أعمامه وهاجر من أحب البلاد إلى قلبه مكة حتى كان النصر فى النهاية لهذا الدين تحمل الغربة فى مجتمعه الصغير من أجل أن يصلنا هذا الدين ومن قبله الأنبياء عاشوا الغربة وسط أقوامهم  فها هو نبى الله يوسف يعيش بعيد عن وطنه بفعل أخوته ويُباع عبداً وهو سليل الأنبياء ويتعرض لفتنة امرأة العزيز فيُفضل السجن وضيقه على سعة قصر العزيز ليخرج منه وزير اقتصاد مصر وليس الأنبياء فقط إنما هى سنة كل من سار على دربهم فماذا عن غربة السيدة آسيا زوجة فرعون فى قصره الكبير كم لاقت من شدة فقط لأنها دانت بالدين الحق تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن غال، ببيتٍ في الجنة أين من تشتكى سوء خلق زوجها من هذه السيدة التى طالما عاشت غريبة فى قصر لأنها عرفت معنى الحياة الحقيقى ومعنى أن الغربة مع الله قربة إليه

وهذا هو خباب بن الأرت من السابقين إلى الإسلام  فكان ممن لاقى شدة وايذاء عندما علمت مولاته بذلك أم نمار الخزاعية أخذت  حديدة ووضعتها على رأسه وقد أحمتها فشكا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له اللهم انصر خباب فأصابها مرض قيل لها لابد أن تكتوى فكانت تذهب إليه ويضع الحديدة على رأسها لتكتوى حتى تشفى من مرضها

 فيا من تشكو الغربة وسط الأهل والأصحاب بتمسكك بحجابك  الشرعى أو محافظتك على صلاتك أو لأنك تتقى مواضع الشبهات   هنيئأَ لكم طوبى مكان مخصص لغرباء الدنيا فى الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «" طوبى للغرباء  "          »                                                                                                                        أبشروا بالتمكين فى الأرض إذ قال الله تعالى :": {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} "  [سورة النور الآية 23] فما من نبى أو صاحب رسالة إلا ومُكن له  يا أهل الغربة تمسكوا بصحبتكم الصالحة ففيها النجاة  من الفتن فها هو  قول الله تعالى  :" {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه} ..."  [سورة الكهف] وتذكروا معى  أن غمسة فى الجنة تمسح شقاء وعذابات  سنوات طويله ففى الصحيح عن  أبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أنهما سمعا النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " ......... «ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له : يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يارب» " والآن لك الخيار  بين أن تحتمل غربة الدنيا التى لا تساوى غمسة فى الجنة أو أن تعيش الحياة كما تحب وتهوى فلا تقوى على  غمسة فى النار     لا تيأسوا يا أهل الغربة فالنصر لكم ولكل من صار على نهجكم  أرأيتم كم البشريات التى تنتظركم  فاثبتوا يا أهل الغربة  إنكم على الحق ولا تغتروا  بكثرةِ المتساقطين ..ولا ندرةِ الثابتين ..

                                                                                                                                                                                     إيمان الخولى