في رحاب حديث الرجل الذي قتل مائة نفس..

محمد سيد حسين عبد الواحد

١) أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها تأثير علي سلوكه وأخلاقه..

  • التصنيفات: التوبة -

إنه ضحية من ضحايا السكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. .

ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قص علي أصحابه قصة رجل من بني إسرائيل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب فقبل الله توبته..

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على راهب.. فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا ، فهل له من توبة ، فقال : لا ، فقتله فكمل به مائة.. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناسا يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء.. فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.. فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط.. فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة . قال قتادة : فقال الحسن : ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ). هذه قصة رجل أسرف على نفسه فوقع في أعظم الذنوب جرما وهو قتل النفس التي حرمها الله سبحانه وتعالى... لم يقتل نفسا واحدة ولا اثنتين ولا عشرا... بل قتل مائة نفس ، وأي ذنب بعد الشرك أعظم من قتل النفس بغير حق ؟! من غير أن ينكر عليه أحد ومن غير أن يبصره أحد بجرمه. لكنه ندم علي ما كان منه فخرج من بيته باحثاً عن عالم يفتيه ، ويفتح له أبواب الرجاء والتوبة ، ومن شدة حرصه وتحريه لم يسأل عن أي عالم ، بل سأل عن أعلم أهل الأرض ليكون على يقين من أمره ، فدُلَّ على رجل راهب والمعروف عن الرهبان كثرة العبادة وقلة العلم " والجهل بالله ذنب وأي ذنب "؟! فأخبره الرجل بما كان منه ، فاستعظم الراهب ذنبه ، ولم يفتح له بابا للرحمة فازداد الرجل غيّاً إلى غيِّه بعد أن أُخْبِر أن التوبة محجوبة عنه ، فقتل الراهب ليتم به المائة . فسأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض ، وفي هذه المرة دُلَّ على رجل لم يكن عالماً فحسب ولكنه كان مربياً وموجهاً خبيراً بالنفوس وأحوالها ، فسأله ما إذا كانت له توبة بعد كل الذي فعله ، فقال له العالم : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟! فدله أن باب الرجوع مفتوح وأن الله عز وجل لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، ورحمته وسعت كل شيء.. ثم دله على الطريق الموصل إلي التوبة، وهو أن يغير منهج حياته ، وأن يفارق البيئة التي تذكره بالمعصية وتقره بالسكوت عنها ، ويترك رفقة السوء التي تعينه على الفساد ، وتزين له الشر ، وأن يهاجر إلى أرض أخرى فيها أقوام صالحون يعبدون الله تعالى... وكان الرجل صادقا في طلب التوبة فلم يتردد لحظة ، وخرج قاصدا تلك الأرض ، ولما وصل إلى منتصف الطريق حضره أجله.... ولشدة رغبته في التوبة نأى بصدره جهة الأرض الطيبة وهو في النزع الأخير... فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ،كل منهم يريد أن يقبض روحه.. قالت ملائكة العذاب : إنه قتل مائة نفس ولم يعمل خيراً أبدا ، وقالت ملائكة الرحمة إنه قد تاب وأناب وجاء مقبلا على الله.. فأرسل الله لهم ملكا في صورة إنسان ، وأمرهم أن يقيسوا ما بين الأرضين ، الأرض التي جاء منها ، والأرض التي هاجر إليها.. فأمر الله أرض الخير والصلاح أن تتقارب ، وأرض الشر والفساد أن تتباعد ، فوجدوه أقرب إلى أرض الصالحين بشبر ، فتولت أمره ملائكة الرحمة ، وغفر الله له ذنوبه كلها» .

يستفاد من حديث الرجل الذي قتل مائة نفس.. ما يلي:
********************************************
١) أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها تأثير علي سلوكه وأخلاقه..

٢)أن صحبة السوء تفتح علي العبد أبواب الشر وتغلق دونه أبواب الخير..

٣) السكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاقبته كارثية..

٤) أن العالم الواحد أفضل عند الله تعالي من ألف عابد جاهل..

٥)بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى..

٦)ضرورة أن يهجر التائب بيئة السوء وإلا انتكث مرة أخري..

٧) ضرورة أن يفارق التائب صحبة السوء وإلا شق عليه الإقلاع عن الذنب..

٨) أن الله تعالي يقبل علي من يقبل عليه ويتقبل من المخلصين..

قال الله تعالي :  {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم