الحكم الشرعي فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم
شاتم النبي صلى الله عليه وسلم يقتل سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، وينبغي أن تتم عن طريق الحاكم لا عن طريق الأفراد كي لا تشيع الفوضى ويُرمى أبناء الإسلام بالتهم الباطلة التي هم منها براء.
- التصنيفات: فقه الجنايات والحدود - فتاوى وأحكام -
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، أفضل الرسل وأكرم العباد، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره أهل الشرك والعناد، ورفع له ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه، كما في الأذان والتشهد والمجامع والأعياد. وكبت مُحآدَّه، وأهلك مُشآقه، وكفاه المستهزئين به ذوي الأحقاد، وبتر شانئه، ولعن مؤذيه في الدنيا والآخرة، وجعل هوانه بالمرصاد.
أما بعد:
فقد أوجب الله تعالى على الأمة محبة نبيها وتعظيمه وتوقيره ونصرته وتعزيره واحترامه وحفظ مقامه. وقد شرع الله تعالى من العقوبة لمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحفظ مقام نبينا، ويردع مَن سوَّلت له نفسه التجرؤ على هذا المقام بالسب أو الانتقاص أو الاستهزاء، وهانحن نعرض الحكم الشرعي لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
السبُّ كفر ظاهرًا و باطنًا:
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهرًا و باطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل".
ثم نقل أقوال الأئمة رحمهم الله ومنها:
"قول الإمام أحمد رحمه الله: من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، وذلك أنه إذا شتم فقد ارتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول القاضي أبي يعلى: من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر، سواء استحل سبه أو لم يستحله".
وقول ابن راهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئًا مما أنزل الله أو قتل نبيًا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله.
والأدلة على ذلك- أي كفر من سب النبي صلى الله عليه وسلم- كثيرة، ومنها:
قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ * يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:61 - 66].فهذه الآيات الكريمة نص في المسألة لا تحتاج إلى مزيد شرح أو بيان.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب:57].
شاتم النبي صلى الله عليه وسلم يقتل سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا:
قال ابن تيمية رحمه الله: هذا مذهب عامة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل. وممن قاله مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي..
وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حد من يسب النبي صلى الله عليه وسلم القتل.
وقال الخطابي: لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله.
وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل. ومن شك في كفره وعذابه كفر.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الساب إن كان مسلمًا قتل بغير خلاف. وأما إن كان ذميًا ففيه خلاف، والمشهور من مذهب مالك وأهل المدينة أنه يقتل أيضًا، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث، وقد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: "كل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه – مسلمًا كان أو كافرًا – فعليه القتل، وأرى أن يُقتل ولا يستتاب. ولما سئل الإمام أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عليه؟ قال: إذا قامت عليه البينة يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا كان أو كافرًا.
وأما الشافعي فالمنصوص عنه نفسه أن عهد الذمي ينتقض بسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقتل. والمنصوص عنه في الأم أنه قال: إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب ...". وذكر الشروط إلى أن قال: "وعلى أن أحدًا منكم إن ذكر محمدًا صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين، ونقص ما أُعطي من الأمان، وحل الأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم..".
سنة الله فيمن سب رسوله صلى الله عليه وسلم:
لقد جرت سنة الله فيمن افترى على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقصمه ويعاقبه عقوبة خارجة عن العادة ليتبين للناس كذبه وافتراؤه، فقد روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فعرفوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا له فحفروا له فواروه؛ فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، وهكذا في الثالثة، فتركوه منبوذًا.
قال ابن تيمية رحمه الله: فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.
ومن عجيب الأمر أن المسلمين كانوا في جهادهم إذا حاصروا حصنًا أو بلدة فسمعوا من أهلها سبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم استبشروا بقرب الفتح مع امتلاء القلوب غيظًا عليهم بما قالوه.
بقي أن نذكر بأن هذه العقوبة لمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تتم عن طريق الحاكم لا عن طريق الأفراد كي لا تشيع الفوضى ويُرمى أبناء الإسلام بالتهم الباطلة التي هم منها براء، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.