تربية الصحابة رضي الله عنهم لأبنائهم

منذ 2020-11-27

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلِّمُوهم الخير؛ فإنما الخير عادة"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].

{بسم الله الرحمن الرحيم }

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أمَّا بعدُ: فكما كان للصحابة رضي الله عنهم عناية عظيمة ببِرِّ الوالدين، فقد كانت لهم اهتمام بتربية وتأديب أبنائهم، ولهم مواقفُ في ذلك:

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلِّمُوهم الخير؛ فإنما الخير عادة"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].

وقال ابن عمر رضي الله عنه لرجل: "أدِّب ابنَكَ؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدَّبْتَه، وماذا علَّمْتَه، وإنه مسؤول عن بِرِّكَ وطواعيته لك"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].

وقال سعيد بن العاص رضي الله عنه: "إذا علَّمتُ ولدي وزوجته وأحجيته، فقد قضيتُ حقَّه وبقي حقِّي عليه"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].

والتربية لا تقتصر على الأقوال بل لا بدَّ من الأفعال، والصحابة رضي الله عنهم كانت لهم مواقف في ذلك، منها:

العدل بينهم:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، قال: ((أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم))، قال: فرجع فردَّ العطية"؛ [متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة، وترك ما يُوجِب الشحناء، أو يُورث العقوق للآباء.

تعويدهم على الصوم:

عن الربيع بنت معوِّذ بن عفراء، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُرى الأنصار التي حول المدينة: ((من كان أصبح صائمًا، فليُتِمَّ صومَه، ومن كان أصبح مفطرًا، فليُتِمَّ بقية يومه))، فكنا بَعْدُ نصومه، ونُصَوِّم صِبْياننا الصِّغار، ونذهب بهم إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدُهم أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار؛ [متفق عليه]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام.

الحجُّ بهم:

عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: إن امرأة أخذت بعَضُدِ صبيٍّ، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نَعَم ولك أجر))؛ [أخرجه مسلم].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وقوله: ((أجر)) مُنكَّر؛ يعني: أجر بقدرِ ما أحسن إلى هذا الصبي من التأديب والتوجيه، وما أشبه ذلك.

وعن السائب بن يزيد قال: "حجَّ بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين"؛ [أخرجه البخاري].

مضاحكتهم وملاعبتهم:

عن حنظلة رضي الله عنه، قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوَعَظَنا، فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان، ولا عبت المرأة، قال: فخرجت فلقيتُ أبا بكر، فذكرت ذلك له، فقال: وأنا فعلتُ مثل ما تذكر"؛ [أخرجه مسلم].

سؤالهم عن أسباب تأخُّرهم في العودة للمنزل:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "خرجتُ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجِّهًا إلى أهلي، فمررتُ بغلمان يلعبون، فأعجبني لعبهم، فقمتُ على الغلمان، فانتهى إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم على الغلمان، فسلَّم على الصبيان، ثم أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، فرجعتُ إلى أهلي بعد الساعة التي كنتُ أرجعُ إليهم فيها، فقالت لي أُمِّي: ما حبسك اليوم يا بُني؟ فقلتُ: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له"؛ [أخرجه أحمد].

تعليمهم الأدعية التي تحفظهم في نومهم:

عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا كلمات نقولهنَّ عند النوم من الفزع: ((بسم الله، أعوذُ بكلمات الله التامَّة من غضبه وعقابه وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون))، فكان عبدالله بن عمرو يُعلِّمها من بلغ من ولده، يقولها عند نومه؛ [أخرجه أحمد].

محبة الخير لهم:

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلُ المؤمن مثل شجرة لا تطرح ورقَها)) فوقع الناس في شجر البدو، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييتُ أن أتكلَّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هي النخلة))، فذكرت ذلك لعمر، فقال: يا بني، ما منعك أن تتكلم؟ فوالله لأن تكون قلت ذلك أحَبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا"؛ [متفق عليه]قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ووجه تمنِّي عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبَّة الخير لنفسه ولولده.

رحمتهم وإيثارهم على أنفسهم:

عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت امرأة معها ابنتان لها، فسألت، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجتْ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ابتُلي بشيءٍ من هذه البنات، كُنَّ له سترًا من النار))"؛ [متفق عليه].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الحديث فيه عجائب؛ منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة، فإنها إن قسمت التمرة أثلاثًا ضعُف نصيب كل واحدة، وإن أعطتها واحدةً دون الأخرى، صار في ذلك جَوْرٌ، فما بقي إلَّا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشقَّ التمرة بينهما نصفين، وهذا شيء عجيب!".

وفي رواية لمسلم:جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتُها ثلاث تمرات فأعْطَتْ كل واحدة منهما تمرة, ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها, فاستطعمَتْها ابنتاها, فشقَّت التمرة التي كانت تُريدُ أن تأكلها بينهما, فأعجبني شأنها, فذكرتُ التي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار)

تشجعيهم على حفظ الأسرار:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، فرجعتُ إلى أهلي بعد الساعة التي كنتُ أرجعُ إليهم فيها، فقالت لي أُمِّي: ما حبسك اليوم يا بني؟ فقلتُ: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلتُ: هو سِرٌّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاحفظ على رسول الله سِرَّه، فما أخبرتُ به أحدًا قطُّ"؛ [أخرجه أحمد].

توجيههم إلى لبس الملابس المباحة:

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "أنه أتاه ابنٌ له وعليه قميص من حرير، والغلامُ مُعجَبٌ بقميصه، فلما دنا من عبدالله خرَقه، ثم قال: اذهب إلى أُمِّكَ فقل لها: فلتُلْبِسْكَ قميصًا غير هذا"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

توجيههم إذا بلغوا ألا يدخلوا إلا بإذن:

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه "أنه كان إذا بلغ بعض ولده، عزله فلم يدخل عليه إلَّا بإذن"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].

تأديبهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشرع:

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه "كان إذا وجد أحدًا من أهله يلعب بالنرد، ضربه وكسرها"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].

وصيَّتُهم لأبنائهم حين حضور الموت:

عن عكرمة بن خالد أن سعدًا بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، قال لابنه حين حضره الموت: "يا بني، إنك لن تلقى أحدًا هو أنصح لك مني، إذا أردْتَ أن تصلي فأحسِنْ وضوءك، ثم صَلِّ صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها، وإيَّاك والطمع؛ فإنه فقر حاضرٌ، وعليك باليأس؛ فإنه الغنى، وإياك وما يُعتذَر منه من العمل والقول، واعمَل ما بدا لك"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

 اللهم وفِّقْنا للاقتداء بأولئك الصَّحْب الكرام رضي الله عنهم، فاجعلنا ممَّن يبرُّون والديهم، ويهتمُّون ويحرصون على تربية وتأديب أبنائهم.

                                         كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 5
  • 0
  • 12,357

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً