الخليفة المفترى عليه عثمان بن عفان

كان رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو عنهم راضٍ، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المنفقين في سبيل الله الإنفاق العظيم، وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • التصنيفات: قصص الصحابة - سير الصحابة -
الخليفة المفترى عليه عثمان بن عفان


كان رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو عنهم راضٍ، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المنفقين في سبيل الله الإنفاق العظيم، وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم [1].

ومن فضائله: أنَّه يجتمع نسبه بنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم  في عبد مناف. كان يسمى بـ (ذي النورين) دون غيره من الصحـابة، بل لم يُعرَف واحد من خلق الله يسمى بهذا الاسم غيره. وكان محبباً في قريش، واشترى بئر رومة من يهودي بعشرين ألف درهم وسبَّلها للمسلمين، وجهز جيش العسرة بتسعمئة وخمسين بعيراً وبخمسين فرساً.

ومن فضائله: أنَّه عُدَّ من البدريين ومن أهل بيعة الرضوان ولم يحضرهما، وسبب غيبته عن غزوة بدر أنَّ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  كانت تحته، وهي مريضة فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الجلوس عندها، وقال له: «لك أجر رجل شهد بدراً وسهمه» [2].

وأما سبب غيبته عن بيعة الرضوان؛ فهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان قد بعثه إلى مكة، ولو كان عنده أحد أعز من عثمان لبعثه، فوقعت البيعة في غيبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد أن رفع يده اليمنى: «هذه يد عثمان» [3] فكانت أحسن من أيدي الصحابة عن أنفسهم.

ومن فضائله: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  دعا له بخصوصه غير مرة فأثرى وكثر ماله، ومن دعائه له: «اللهم إني قد رضيت عن عثمان فارضَ عنه» ثلاثاً، تفرد عثمان بهذه الفضيلة ولم يشركه في هذه المكرمة أحد[4].

ودعا له مرة أخرى فقال: «غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما أبديت وما هو كائن إلى يوم القيامة» [5].

ومن فضائله: أنه كان متواضعاً ذا شفقة، وازداد تواضعه وخوفه ورفقه برعيته حين تولى الخلافة.

قيل: كان له عبد وكان عثمان قد مسك أذنه يوماً وعركها فقال له: إني كنت قد عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه فقال له: اشدد يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة.

وقال علي رضي الله عنه: كان عثمان أوصلنا للرحم، وكان من الذين آمنوا واتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين[6].

وعن ابن عباس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة» فطلع عثمان بن عفان[7].

وعن أبي موسى: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  دخل حائطاً وأمرني بحفظ الباب، فجاء رجل يستأذن، فقال: «ائذن له، وبشـره بالجنة»، فإذا أبو بكر، ثم جاء عمر، فقال: «ائذن له، وبشره بالجنـــة»، ثم جاء عثمان، فقال: «ائذن له، وبشره بالجنة» [8].

ومن محاسنه: أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم  يده مكان يده في بيعة الرضوان؛ فعن عثمان بن عبد الله قال: جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوماً جلوساً، فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر! إني سائلك عن شيء فحدثني، هل تعلم أن عثمان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: الله أكبر! قال ابن عمر: تعال أبيِّن لك: أما فراره يوم أحد، فأشهد أنَّ الله عفا عنه وغفر له، وأمَّا تغيبه عن بدر فإنَّه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ لك أجر رجل ممن شهد بدراً، وسهمه» وأمَّا تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  بيده اليمنى: «هذه يد عثمان». فضرب بها على يده، فقال: «هذه لعثمان» فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك[9].

قوله: «الله أكبر» بعدما عدَّ من الأمور، فإنَّه أراد أن يلزم ابن عمر ويحط من منزلة عثمان رضي الله عنه عن الطريق المذكور؛ تعجباً وتعجيباً وإظهاراً لإفحامه إياه، ثم إنَّ ابن عمر رضي الله عنهما لما نقض كلَّ واحد مما نبأه به، خلعه من سنخه[10].

والذي يظهر من سياق الكلام أنَّ السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده فيه، ولذلك كبَّر مستحسناً لِـمَا أجابه به ابن عمر. قوله: «قال ابن عمر: تعال أبين لك» كأن ابن عمر فهم منه مراده لَـمَّا كبَّر وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب، وحاصله أنَّه عابه بثلاثة أشياء فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها؛ أمَّا الفرار: فبالعفو، وأمَّا التخلف: فبالأمر، وأمَّا البيعة فكان مأذوناً له في ذلك أيضاً ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم  خير لعثمان، وقوله: «فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له» يريد قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْـجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] وقوله: «وأمَّا تغيبه عن بدر فإنَّه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم » هي رقية. وسبب تلك البيعة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  بعث عثمان ليُعْلِم قريشاً أنَّه إنَّما جاء معتمراً لا محارباً، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أنَّ المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم  حينئذٍ تحت الشجرة على أن لا يفروا، وذلك في غيبة عثمان. قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  بيده اليمنى. أي: أشار بها. قوله: هذه يد عثمان؛ أي: بدلها فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه (أي: البيعة) لعثمان؛ أي عن عثمان. قوله: «فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك» أي: اقرن هذا العذر بالجواب؛ حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمــان. وقال الطيبـي: قال له ابن عمر تهكماً به أي: توجه بما تمسكت به فإنَّه لا ينفعك بعدما بيِّنت لك[11].

زهده رضي الله عنه:

ومن محاسنه أنَّه كان يصوم الدهر، ولا يوقظ أحداً من أهله من الليل إلا أن يجده يقظان[12].

حياؤه رضي الله عنه:

ومن محاسنه أنَّه كان أشد أمَّة الإسلام حياءً بعد نبيها صلى الله عليه وسلم  وكانت الملائكة تستحييه؛ فعن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله عثمان تستحييه الملائكة»[13]. وقوله صلى الله عليه وسلم : «تستحييه الملائكة» أي: تستحي منه، وكان أحيا الأمة رضي الله عنه»[14].

كرمه رضي الله عنه:

ومن محاسنه أنَّه كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وجهز جيش العسرة في غزوة تبوك، فإنَّه أعان عليها بكذا وكذا من الإبل وأقتابهـا، وسمي بجيش العسرة لأنَّ الناس استُنفِروا إلى الغزو في شدة القيظ، وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال، فعسر ذلك عليهم وشق. «وزاد في مسجدنا» أي مسجد المدينة، «حتى وسعنا» فإنَّه لما كثر المسلمون ضاق عليهم فصرف عليه عثمان حتى وسَّعه[15].

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان يعني ابن عفان بدنانير فصبها في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت رسول اللـه صلى الله عليه وسلم  يقلبها بيـده ويقول: «ما على عثمان بن عفان ما عمل بعد هذا»[16] .

وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: «جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم  بألف دينار حين جهز جيش العسرة فقرعها عثمان في حِجْر النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم  يقلبها ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم» قالها مراراً [17].

صفته رضي الله عنه:

ومن محاسنه أنَّه كان أشبه الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقاً؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «دخلتُ على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفي يدها مشط، فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  من عندي آنفاً فرجلت رأسه فقال: «كيف تجدين أبا عبد الله»؟ يعني: عثمان. قالت: «كخير الرجال». قال: «أكرميه فإنَّه من أشبه أصحابي بي خُلُقاً» [18].

صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم  في الدنيا والآخرة:

ومنها أنَّه رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الجنة؛ فعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكل نبي رفيق في الجنة، ورفيقي عثمان بن عفان في الجنة» [19].

زواجه رضي الله عنه:

ومنها أنَّ الله تعالى هو الذي تولى زواجه من أم كلثوم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  لقي عثمان عند باب المسجد فقال: «يا عثمان هـذا جبريل يخبـرني أنَّ الله عز وجل قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها» [20].

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  قال «إنَّ الله عز وجل أوحى إليَّ أن أزوج كريمتي عثمان»[21].

حب النبي صلى الله عليه وسلم  له رضي الله عنه:

ومن محاسنه رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  كان يحب من يحبه عثمان رضي الله عنه ويبغض من يبغضه؛ فعن جابر بن عبد الله قال: «أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم  بجنازة رجل من أصحابه يصلي عليه، فأبى أن يصليَ عليه، فقيل يا رسول الله! ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا؟ فقال: «إنَّه كان يبغض عثمان فأبغضه الله» [22].

شفاعته رضي الله عنه:

ومن محاسنه أنَّ الله تعالى يشفعه في قبائل عربية معروفة كربيعة ومضر يوم القيامة؛ فعن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يشفع عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم القيامة بمثل ربيعة ومضر» [23] .

تذكيره للناس بفضائله أيام حصاره رضي الله عنه:

ومنها شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم  له بالشهادة وشهادته هو على نفسه؛ فعن أَبي عبد الرحمن السلمي، قال: لـمَّا حُصِرَ عثمان وأُحيطَ بدارِه؛ أشرف على النَّاس فقال: نشدتكم بالله! هل تعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين انتفضَ بنا حراء قال: «اثبت حِراء فما عليك إلَّا نبيٌّ، أَو صديق، أَو شهيد»؟ قالوا: اللهم نعم! قال: نشدتكم بالله! هل تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  قال في غزوة العسرة: «من ينفق نفقة متقبلة»؟ والنَّاس يومئذٍ معسرون مجهودون، فجهزتُ ثلث ذلك الجيش من مالي؟ فقالوا: اللهم نعم! ثم قال: نشدتكم بالله، هل تعلمون أنَّ (رُومةَ) لم يكن يُشرَبُ منها إِلَّا بثمن، فابتعتها بمالي، فجعلتها للغنيَّ والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم!... في أَشياء عددها[24].

بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم  له رضي الله عنه:

وعن زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  مسجده، فذكرت حديث مؤاخاته بين أصحابه، ثمَّ دعا عثمانَ فقال: «ادنُ يا أبا عمرو! ادنُ يا أبا عمرو!» فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى السماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ثلاث مِرَارٍ، ثمَّ نظر إلى عثمان وكانت إزاره محلولـة فَزَرَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بيده ثم قال: «اجمع عِطفي ردائك على نحرك»، ثمَّ قال: «إنَّ لك شأناً في أهل السماء، أنت ممن يرد على حوضي وأوداجه تشخب دماً، فأقول: من فعل بك هذا ؟ فتقول: فلان بن فلان، وذلك كلام جبريل، إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إنَّ عثمان أمير على كل مخذول، ثم تنحى عثمان»[25].

منزلته رضي الله عنه:

ومن محاسنه تقديم الصحابة له بالفضل على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم  ذلك؛ فعن ابن عمر، قال: كنَّا نتحدث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنَّ خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينكره»[26].

وعنه أيضاً قال: «كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم  لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لا نفاضل بينهم»[27].

إحسانه رضي الله عنه إلى قاتليه:

ومن محاسنه أنَّ قَتَلَتَه كانوا يتوعدونه بالقتل وقد قتلوه وهو الخليفة، ثمَّ هو ينهى الصحابة عن الدفع عنه؛ فعن أبي أمامة بن سهل قال: كنَّا مع عثمان وهو محصور في الدار، فدخل مدخلاً كان إذا دخله يسمع كلامه من على البلاط، قال: فدخل ذلك المدخل، وخرج إلينا فقال: إنَّهم يتوعدوني بالقتل آنفاً، قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين. قال: وبم يقتلونني؟ إنَّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً فيقتل بها»، فوالله ما أحببت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا قتلت نفساً؛ فبم يقتلونني؟[28].

وقال شداد بن أوس: لما اشتد الحصار بعثمان يوم الدار رأيت علياً رضي الله عنه خارجاً من منزله، متعمماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم  متقلداً بسيفه أمامه الحسن وعبد الله بن عمر في نفر من المهاجرين والأنصار، حتى حملوا على النَّاس وفرقوهم، ثم دخلوا على عثمان فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل والمدبر، وإنَّي - والله - لا أرى القوم إلا قاتلينك؛ فمُرنا لنقاتل. فقال عثمان: أنشد الله رجلاً رأى لله حقاً وأقر أنَّ ما عليه حقاً أن يهريق مني ملء محجمة من دم أو يهراق دمه علي، فأعاد علي عليه القول فأجابه بمثل ما أجاب، ومنعه أن يقاتل معه، فرأيت علياً خارجاً من الباب، وهو يقول: اللهم إنَّك تعلم أنا قد بذلنا المجهود، ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسين تقدم فصلِّ بالنَّاس، فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور، ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف.

وروي أنَّه دخل الحسن بن علي على عثمان وهو محصور فقال: يا أمير المؤمنين! مرني بما شئت، فقال: يا ابن أخي! ارجع واجلس حتى يأتي الله بأمره، فخرج ثم دخل عليه عبد الله بن عمر فسلم عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين! صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسمعت وأطعت، ثم صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت، ثم عمر فرأيت له حق الوالد وحق الخلافة، وها أنا طوع يدك يا أمير المؤمنين، فمرني بما شئت، فقال عثمان: جزاكم الله يا آل عمر خيراً مرتين، لا حاجة لي في إراقة الدم[29].

وأعتق عشرين مملوكاً وهو محصور ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  البارحة في المنام ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وإنهم قالوا لي: اصبر، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقُتل وهو بين يديه[30]، رضي الله عنه.

وعن أبي سهلة أنَّ عثمان قال يوم الدار حين حصر: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  عهد إليَّ عهداً، فأنا صابر عليه»[31].

رحم الله عثمان ودَّع الدنيا بدماء طاهرة ولم يشأ أن يلقى الله بدماء قاتيله وهو الخليفة، لو أراد قتلهم لكان، لكنَّه آثر لقيا الحبيب صلى الله عليه وسلم ، متمثلاً قوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإثْمِي وَإثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِـمِينَ} [المائدة: 28- 29].

 


[1] تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي، 1/ 297 - 300، الطبعة الأولى، دار الفكر، 1996م.

[2] مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون، حـ 5773، الطبعة: الأولى، مؤسسة الرسالة بيروت، 1421هـ ـ 2001م.

[3] صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى، دار طوق النجاة، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه، حـ 3698، السعودية، 1422هـ.

[4] 98 شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن لابن شاهين، تحقيق: عادل بن محمد، باب ذكر من تفرد كل رجل من العشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  بفضيلة لم يشركه غيره فيها، فضيلة لعثمان بن عفان رضي الله عنه: 135/ 98 الطبعة: الأولى، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع، 1415هـ - 1995م.

[5] فضائل الصحابة للإمام أحمد، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس: 1/ 456/ 736 الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة بيروت ، 1403هـ  – 1983م.

[6] المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية للسفيري، تحقيق: أحمد فتحي عبد الرحمن، 2/ 359، الطبعة الأولى، 1425 هـ - 2004 م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

[7] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة: 1/454/732.

[8] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد، باب قول الله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٣٥]، حـ 7262.

[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه حـ 3698.

[10] السنخ: الأصل من كل شيء، لسان العرب: 3/ 26، مادة: (سنخ).

[11] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: 7/ 59 دار المعرفة – بيروت - لبنان انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي: 12/ 3878/ 6080 الطبعة: الأولى ، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة الرياض، 1417هـ - 1997م.

[12] انظر: فضائل الصحابة، حـ 742.

[13] سنن الترمذي ، تحقيق: بشار عواد معروف، أبواب المناقب ، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقال وله كنيتان: أبو تراب وأبو الحسن، حـ 3714، دار الغرب الإسلامي بيروت.

[14] التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الكحلاني، تحقيق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم: 6/ 230 - 231/ 4396، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام الرياض، 1432هـ - 2011م

[15] التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الكحلاني، تحقيق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم: 6/ 230 - 231/ 4396، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام الرياض، 1432هـ - 2011م.

[16] انظر: فضائل الصحابة، حـ 839.

[17] المستدرك على الصحيحين للحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، 4553، كتاب: قتال أهل البغي وهو آخر الجهاد، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت، 1411هـ – 1990م.

[18] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، حـ840.

[19] السنة لابن أبي عاصم، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، باب في فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه، حـ 1289، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي بيروت، 1400هـ.

[20] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة: 1/ 515/ 844.

[21] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة: 1/ 512/ 837.

[22] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه وله كنيتان، يقال: أبو عمرو، وأبو عبد الله حـ 3709.

[23] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، حـ 866.

[24] صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد البستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، كتاب المناقب، باب فضل عثمان رضي الله عنه، حـ 1843 الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت، 1414هـ - 1993م.

[25] فضائل الصحابة، حـ 871.

[26] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، حـ 1193.

[27] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه، حـ 3697.

[28] أخرجه أحمد في مسنده، حـ 437.

[29] المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية للسفيري، تحقيق: أحمد فتحي عبد الرحمن، 2/364 الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.

[30] أخرجه أحمد في مسنده: 1/ 390/ 526.

[31] أخرجه أحمد في مسنده: 1/ 337/ 407.

___________________________________

بقلم/ د. حمدي طنطاوي محمد