ربِّ اشرح لي صدري
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
سئل العلامة ابن عثيمين : أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين ؟
فأجاب رحمه الله: ليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أعظم نعم الله عز وجل على عبده الإنسان أن يكون منشرح الصدر فأيّ نعيم أطيب من شرح الصدر؟ قال الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ألم نشرح لك صدرك}
والعبد المسلم بحاجة كبيرة أن يشرح الله عز وجل له صدره, حتى يستعين بهذا الشرح على إتمام وإكمال واستمرار أمور دينه ودنياه, فبدون هذا الشرح لا تتم أموره, أو لا تكمل, أو لا تدوم.
ومن وفقه الله عز وجل فشرح له صدره, وجد لذلك فوائد, منها:
* أن يكون صدره منشرحاً للعمل بأحكام الإسلام قال الله عز وجل : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } [ الأنعام:125] وقال جل وعلا:{ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}[الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من شرح الله صدره للإسلام _ وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم _ يجد نفسه قابلاً لشرائع الإسلام مسروراً بها, ويفرح إذا أدى طاعة من طاعات الله تعالى, ويحزن إذا فعل معصية من معاصي الله تعالى, حتى إن الذين بلغوا الغاية في هذا يغتمون لما حصل منهم من خلل وإن لم يكن عن قصد, يعني إذا فاتته عباده يجد نفسه في غمٍّ وحُزن وأضرب لهذا مثلاً بالنبي صلوات الله وسلامه عليه لما سلَّم من ركعتين من صلاة الظهر انفتل من صلاته كأنه مغموم, فقام على غير عادته إلى خشبة في قبلة المسجد, واتَّكأ عليها, ووضع يديه كأنه مُغضب, لأن صلاته لم تتم, فانقبضت نفسُه من حيث لا يشعر.
* أن يتحمل أعباء الدعوة إلى الله, فعندما أمر الله جل جلاله عبده وكليمه موسى علية الصلاة والسلام بدعوة فرعون الذي طغى وعلا في الأرض وأدعى الربوبية والألوهية, امتثل أمر الله عز وجل, وسأله سبحانه وتعالى المعونة بشرح الصدر, قال الله عز وجل: ( {اذهب إلى فرعون إنه طغى * قال ربِّ اشرح لي صدري } ) [طه: 24-25] قال العلامة السعدي رحمه الله: ( { ربِّ اشرح لي صدري} ) أي: وسعه وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم.
* أن يكون راضياً بقضاء الله وقدره, وما يحدث له من مصائب ونكبات, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وأما انشراح الصدر للحكم القدري, فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره, مطمئناً إليه, يقول أنا عبد, والله رب يفعل ما يشاء, هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم, هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل همّاً أو غمّاً.
* زيادة العلم وقوة الفراسة, وقال جل وعلا: ( { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} ) [الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: أن من شرح الله تعالى صدره للإسلام فقبل الحق فإنه على نور من الله ويتفرع عليها: زيادة علمه, لأن العلم نور, كما قال تعالى: ( { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} ) [النساء:174]
ويتفرَّع عليها: قوة الفراسة, بمعنى أن الله تعالى يُعطي الإنسان فراسة بحيث يعلم ما في قُلوب الناس من لمحات وجوههم, بل أكثر من ذلك يستدل بالحاضر على الغائب, ويُعطيه الله تعالى استنتاجات لا تكون لغيره.
* أن يتحمل ما يجده في أمور الدنيوية ( الأسرية, الاقتصادية, الاجتماعية, الصحية) من عقبات وشدائد فكم من أناس واجهتهم في أمورهم ومشاريعهم مشكلات, فلم يشرح الله صدورهم, فلم يحلموا, ولم يتحملوا, ولم يصبروا, ولم يتصبروا, ففشلوا.
وما دام أن هذه بعض فوائد شرح الصدر فحري بالمسلم أن يحرص على أن يكون منشرح الصدر, ولذلك أسباب, ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله, فقال: لشرح الصدر أسباب:
فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد, وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه
ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد, وهو نور الإيمان, فإنه يشرح الصدر ويُوسعِّه, ويُفرح القلب, فإذا فُقد هذا النور من قلب العبد, ضاق وخرج, وصار في ضيق سجن وأصعبه.
ومنها: العلم, فإنه يشرح الصدر, ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا, والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس, فكلما اتسع علم العبد, انشرح صدره واتسع, وليس هذا لكل علم, بل للعلم المورث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع, فأهله أشرحُ الناس صدراً, وأوسعهم قلوباً, وأحسنهم أخلاقاً, وأطيبهم عيشاً.
ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى, ومحبته بكل القلب, والإقبال عليه, والتنعم بعبادته, فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك,...وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر, وطيب النفس, ونعيم القلب, لا يعرفه إلا من له حِسّ به, وكلما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ, كان الصدر أفسح وأشرح, ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن, فرؤيتهم قذى عينه, ومخالطتهم حمى روحه.
ومنها: دوام ذكره على كل حال, وفي كل موطن, فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر, ونعيم القلب, وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
ومنها بل من أعظمها: إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه, وتحول بينه وبين البُرء, فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره, ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه, لم يحظَ من انشراح صدره بطائل, وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه, وهو للمادة الغالبة عليه منهما.
ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال, والجاه, والنفع بالبدن, وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً وأنكدهم عيشاً وأعظمهم همّاً وغمّاً
ومنها: الشجاعة: فإن الشجاع منشرح الصدر, واسع البطان, متَّسع القلب, والجبان: أضيق الناس صدراً, وأحصرهم قلباً, لا فرحة له ولا سرور, ولا لذة له.
ومنها: ترك فضول النظر, والكلام, والاستماع, والمخالطة, والأكل, والنوم, فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً, وهموماً في القلب, تحصره, وتحبسه, وتضيقه, ويتعذب بها, بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها, فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم, وما أنكد عيشه, وما أسوأ حاله, وما أشدَّ حصر قلبه.
ولا إله إلا الله, ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم, فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: {إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [ الانفطار:13] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار:14]
وفي الختام فمن أحس بضيق في صدره, فليكثر من هذا الدعاء: رب اشرح لي صدري, ويسر لي أمري
سئل العلامة ابن عثيمين : أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين ؟
فأجاب رحمه الله: ليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري
اللهم اشرح لنا صدورنا, ويسّر لنا أمورنا, ووفقنا لكل خير, ولا تكلنا إلى أنفسنا المقصرة طرفة عين, أو أقلّ من ذلك.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ