فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين عن بركات القرآن الكريم
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
وقال رحمه الله: القرآن مبارك في أثره بما يحصل به من صلاح القلوب، وإقبال العبد على ربه، وتليين القلب بذكر الله.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
قال الشيخ رحمه الله: فوالله، ما أبركَ هذا القرآنَ! فلما كان المسلمون يعملون به ظاهرًا وباطنًا، سرًّا وعلنًا، عقيدةً وعملًا، خُلُقًا وأدبًا، نالوا بركته، وسادوا العالم، وجاهدوا به أعداء الله، ولما تخلَّفوا عنه نُزعت بركة القرآن عنهم.
وقال رحمه الله: القرآن قرآن مبارك، مبارك في ثوابه، مبارك في معناه، مبارك في آثاره، مُبارك من كل وجه.
من بركة القرآن ما يُفتحُ به على المُتدبِّر له من المعاني والحكم والأسرار:
قال الشيخ رحمه الله: ومن بركة القرآن أن الله تعالى يفتحُ به على المؤمن، كلما تدبَّرهُ فتح الله به عليه من المعاني والحِكم والأسرار ما لم يفتحه على المعرض عن القرآن.
وقال رحمه الله: القرآن مبارك من كل وجه، مبارك في معناه؛ لأن الإنسان إذا فهم معاني كلام الله عز وجل استنار قلبه، وانشرح صدره، وتفتحت عليه أنواع المعارف التي تخفى على كثيرٍ من الناس؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء: 174].
ومنها: الشعور بالراحة النفسية وانشراح الصدر عند تلاوته:
قال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن من حيث الأثر المترتِّب على تلاوته، سواء كان عامًّا أم خاصًّا، فالخاص ما يحصل للإنسان بتلاوة القرآن من انشراح الصدر، ونور القلب وطمأنينته كما هو مجرب لمن قرأ القرآن بتدبُّر، وقال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن ما يحصل للمتمسِّك به من صحة القصد، وسلامة المنهج، والسعادة في الدنيا والآخرة.
ومنها: أنه حصن حصين من فتنة الدجال، وشر الشياطين، وكيد السحرة:
قال الشيخ رحمه الله: من بركته أنه حصن حصين لقارئه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح» ، فاقرأ آية الكرسي في كل ليلة، فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
ومنها: أنَّ فيه بيانًا لكل شيءٍ:
قال الشيخ رحمه الله: ومن بركة القرآن أنه لا يمكن أن تحدث حادثة إلا وجدت في القرآن حلَّها، إما عن طريق الدلالة الصريحة، أو طريق الإيماء؛ فلو قال قائل: ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعاتٍ، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وما أشبه ذلك؟
الجواب: أما عن طريق صريح، فهذا ليس موجودًا؛ لكن عن طريق الإشارة فموجود؛ قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، وقال: ﴿ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ﴾ [المائدة: 92]، وقال صلى الله عليه وسلم: (( «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» ))، فتبيَّنَ بذلك الحكمُ، فقوله تعالى: ﴿ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } ﴾ [البقرة: 43]؛أي: نقيمها بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ﴾ [المائدة: 92]، وكيف نقيمها؟ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( «صلُّوا كما رأيتموني أُصلي» ))، فانتهت الدلالة، وعلى هذا يكون القياس.
فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيءٍ، وهو حبل الله المتين، من تمسَّك به نجا، ومن أطلقه هلك، فالبركة والخير في هذا القرآن، وقال رحمه الله: من بركته بيان أحكام الشريعة، وهي الأحكام التي يحتاجُ الناس إليها في حياتهم.
ومنها: عزة أمة الإسلام وظهورها على جميع أمم الأرض:
قال الشيخ رحمه الله: وبركة القرآن ما حصل للمتمسِّكين به من الرفعة والعزة والظهور على جميع الأمم.
وقال رحمه الله: ومن بركته ما حصل به من المعارف العظيمة لهذه الأمة الإسلامية، ومن الآثار الحميدة، فإن هذه الأمة الإسلامية كانت قبل نزول القرآن في ضلال مبينٍ في جهل أعمى، وفي ذلٍّ، وفي ضعف، ولما نزل القرآن وأخذت به، فاقت الأمم من كل ناحية؛ كما قال الله تعالى: ﴿ { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ﴾ [الجمعة: 2]، وقال رحمه الله: القرآن مبارك في آثاره، فقد فتح المسلمون مشارق الأرض ومغاربها بالقرآن.
ومنها: أنه شفاء لأمراض القلوب والأبدان لمن أحسن الاستشفاء به:
قال رحمه الله: من بركته ما يحصل به من الشفاء، والشفاء الحاصل بالقرآن نوعان:
النوع الأول شفاء معنوي,النوع الثاني: شفاء حسي أما الشفاء المعنوي فهو الشفاء من أمراض القلوب من الشبهات والشهوات فالقرآن الكريم به العلم الذي هو شفاء من الشبهة وبه الإخلاص الذي هو شفاء من الشهوة وهذا من بركته وكم من إنسان صلح قلبه بقراءة القرآن إما بنفسه وإما بسماعه من غيره!,وأما الشفاء الحسي فمن بركته أنه شفاء للأمراض الحسية أمراض البدن وهذا شيء مُشاهد مُجرَّب فكم من إنسان مريض عجز عن علاجه الأطباء شفاه الله بالقرآن الكريم
ومنها: جمع كلمة العرب وحفظ لسانهم؛ اللغة العربية:
قال الشيخ رحمه الله: ومن بركته أيضًا، أنه حفظ لسان العرب - يعني: اللغة العربية - فإن القرآن الكريم أفصح الكلام العربي لا شك، وهو باقٍ إلى يوم القيامة؛ لأن الله تكفَّل بحفظه، فحِفظه يستلزم حفظ اللغة العربية؛ ولهذا يجب علينا - نحن المسلمين العرب - أن نفتخر بلغتنا، وأن نكون ضدَّ كُلِّ شخصٍ يُحاولُ أن يسلب الأمة العربية لغتها التي هي لغة القرآن والحديث.
وقال رحمه الله: وما يحصل بهذا القرآن من اجتماع الكلمة، وحفظ اللغة الأصلية للقوم الذين نزل بلغتهم، فمن المعلوم أن الناس إذا كانوا على لغة واحدة، صاروا إلى الاجتماع أقرب، وإذا تفرَّقت لغاتهم، صاروا إلى التفرُّق أقرب؛ لأنه إذا اتفقت لغاتهم استطاعوا أن يتفاهموا فيما بينهم، وأن يعرف بعضهم ما عند بعض، وإذا اختلفت اللغات لم تحصل هذه الفائدة، فهذا من بركة القرآن الكريم.
ومنها: الأجر الكبير في تلاوته:
قال الشيخ رحمه الله: وبركة القرآن في الثواب الحاصل بتلاوته، فإن من قرأ حرفًا واحدًا منه، فله بكل حرف عشر حسنات، وهذه بركة عظيمة، فإذا قرأت: ﴿ { رَبِّ الْعَالَمِينَ} ﴾ [الفاتحة: 2]، فكلمةُ "ربِّ" بها ثلاثة أحرف، وهي: الراء، والباءُ المشددةُ بحرفين، كُلُّ حرف منها بعشر حسنات، فالجميع ثلاثون حسنة.
ومنها: أنه يهدي للتي هي أقوم:
قال الشيخ رحمه الله: من بركته أنه يهدي للتي هي أقوم؛ أي: الخصلة التي هي أقوم، وهذه تعتبر قاعدة فيما يهدي القرآن إليه، وقد ألقى فيها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمةُ الله عليه، محاضرةً كاملةً، وشرحها شرحًا وافيًا، فمن أراد الاطِّلاع عليها، فهي منشورة.
ومنها: رفعة منزلة مَنْ يتلوه:
قال الشيخ رحمه الله: من بركات القرآن ما رُتِّب عليه من الثواب في المنزلة، لا في كثرة الأجر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران» )).
ومنها أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه:
قال الشيخ رحمه الله: من بركات القرآن أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، وما أحوج الإنسان للشفعاء! لأن الإنسان محل قصور، فيحتاج إلى من يشفع له عند الله سبحانه وتعالى.
ومنها: زيادة الإيمان والمعرفة بالله عز وجل عند تلاوته وتدبُّره:
قال عز وجل: ﴿ { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} ﴾ [الأنفال: 2].
قال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن: ما يحصل فيه من التأثير في القلب لزيادة الإيمان ومعرفة الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه.
ومنها: البركة في العمر:
قال الشيخ رحمه الله: انظر إلى أعمار من سبقنا من سلف في هذه الأمة، كيف يحصلون على الخير الكثير العظيم؟! ونتعجَّب كيف يكتبون هذا الشيء؟! وكيف يعملون هذا الشيء؟! فضلًا عن الإعداد له، وما يسبقه من تهيئة أبدانهم وقلوبهم وأفكارهم، كل هذا ببركة هذا القرآن العظيم.
ومنها تليين القلب وإكسابه خشية الله:
قال الشيخ رحمه الله: القرآن الكريم مُبارك في تأثيره؛ يعني: أنه يُؤثر على القلب، ويُلينُ القلب، ويُكسبه خشية الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّ} هِ ﴾ [الحشر: 21]، سبحان الله! فهذا وهو جبل حصى يكون خاشعًا ذليلًا، ويتصدَّع من خشية الله عز وجل، فما بالكم بالقلب؟ لو كان القلب حيًّا يكون من باب أولى؛ ولهذا قال ابن عبدالقوي رحمه الله:
وحافظ على درس القُرَانِ فإنه *** يُليِّنُ قلبًا قاسيًا مثل جلمـد
وقال رحمه الله: القرآن مبارك في أثره بما يحصل به من صلاح القلوب، وإقبال العبد على ربه، وتليين القلب بذكر الله.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ