كف الأذى

منذ 2021-05-31

كان رسول الله إذا سمع أذيته من ضعاف الإيمان خفف عن نفسه بذكر موسى عليه السلام يقول رحم الله أخى موسى لقد ابتلى بأكثر من هذا فصبر ..

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}

وعند مسلم وغيره من حديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال  «عرضت على أمتى بأعمالها حسنها وسيئها فرأيت فى محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق ورأيت فى سيئ أعمالها النخاعة فى المسجد لم تدفن» 

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم موعدنا بعون الله تعالى لنتحدث عن (كف الأذي )

والأصل فى هذا الموضوع حديث جامع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه «إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » 

هذه حقوق حددها النبى صلى الله عليه وسلم ومن الطبيعى بعد ذكرها أن أقول إنه يصعب الحديث عن هذه الحقوق مجتمعة فى لقاء واحد لذلك سوف نقتصر فى الحديث عن حق واحد فقط من هذه الحقوق ونرجئ ما يتبقى منها إلى أن يأذن الله تعالى..

ونختار منها ( كف الأذى ) .. لماذا ؟

لأن أذية الناس ذنب من الذنوب التى يحسبها الناس هينة وهى عند الله تعالى عظيمة وفى الآية الكريمة الله تعالى يقول  {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً

نختار فى يومنا هذا (كف الأذى ) لأن أذية الناس فى دمائهم أو فى أموالهم أو فى أعراضهم أو فى دينهم أو في دنياهم أو في معايشهم ..

هذه الأيام كثرت واستشرت وهانت فى نظر كثير من الناس .. نسينا حديث رسول الله ( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة )

كم من انسان غضب الله عليه ولعنه بسبب أذيته للناس قال معاذ للنبى صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ ؟ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ..

وكم من انسان فسدت حسناته وكم من انسان أحبط الله عمله وكم من انسان ضعف إيمانه بسبب أذيته للناس وفى الحديث  «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » 

وكم من انسان ودعه الناس وتركوا معاملته وتركوا مشاركته وتركوا معاشرته بسبب فحشه وجرمه وسوء أدبه وقلة حياءه ..

وقد استأذن واحد من هؤلاء على رسول الله فأذن له وهو يقول بئس أخو العشيره فدخل الرجل فسمع له رسول الله وقضى له حاجته حتى قام وانصرف فقالت عائشة يا رسول الله لما استأذن الرجل قلت بئس أخو العشيره ثم رأيتك وقد سمعت له وقضيت له حاجته فقال يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله تعالى من ودعه الناس اتقاء فحشه ..

يكفى أن تعلم أخى أن من يسعى فى أذية الناس فى بيوتهم أو فى أشغالهم أو فى طرقاتهم أو فى مساجدهم أو فى مجالسهم هو يصبح ويمسي وقد ختم علي قلبه أنه من شرار الخلق بنص حديث النبى صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بشراركم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبُرَآء العنت» »

يكفى أن تعلم أخى أن من أمارات ضعف الإيمان مد يد الأذى إلى الناس وفى الحديث يحلف رسول الله وهو الصادق الذى لا ينطق عن الهوى على ذلك فيقول  «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله ؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه» 

يذكر التاريخ أيها المؤمنون:

أن أسرع الناس إلى أذية الناس كانوا شرار بنى اسرائيل لم يسلم من أذاهم برٌّ ولا فاجر ولا صالح ولا طالح حتى رب العالمين سبحانه وتعالى قالوا فى حقه ما لا يقال قالوا {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ

وقالوا  {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

وقالوا ( { اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } )

عند بنى اسرائيل فى عقيدهم باب يعرف بباب أخطاء الأنبياء:

تكلموا فيه عن الأنبياء وهم صفوة الله من خلقه تكلموا عنهم بكلام حاشا لله أن يوصف به نبى أو رسول ومن بين من أوذى على أيديهم موسى نبى الله عليه الصلاة والسلام ..

فى أواخر سورة الأحزاب الله تعالى يقول { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } } .

أورد الإمام البخاري عليه رحمة الله عند تفسير هذه الآية: حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه إن موسى عليه السلام كان رجلا حَيِياً سِتِّيرا، لا يُرَى من جلده شَيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يتستر موسى هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدْرَة وإما آفة قال النبى صلى الله عليه وسلم وإن الله عز وجل أراد أن يُبرء موسى عليه السلام مما قالوا . قال النبى فخلا موسى عليه السلام يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم نزل إلى الماء فاغتسل فلمَّا فرغ من غسله أقبل عليه السلام إلى ثيابه ليأخذها، فأمر الله الحجر فعدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حَجَر ثوبي حَجَر قال حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه أحسن ما خلق الله عز وجل وأبرأه الله مما يقولون وقام الحجر واقفاً فأخذ موسى ثوبَه فلبسه، وطَفقَ بالحجر ضربًا بعصاه، قال النبى فوالله إن بالحجر لَنَدبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا ....

قال النبي عليه الصلاة والسلام فذلك قوله تعالى { {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } }

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

إن الأذية التى آذاها بنو اسرائيل لموسى أنهم اتهموه بقتل هارون عليه السلام وذلك أن موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون عليه السلام على الجبل فجهزه موسى وصلي عليه ودفنه ..

ورجع إلى بنى اسرائيل من غيره فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أين هارون ؟

قال توفاه الله تعالى قالوا أنت قتلت هارون قال وما يحملنى على قتل أخى ؟

قالوا لأنه كان ألين لنا منك وأشد منك حياء فلهذا قتلته

قال علي رضي الله عنه :

فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملت هارون فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت بموته وبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها )

وعلى طريقة بنواسرائيل:

فى المكر والاذى سار ضعاف النفوس وضعاف الإيمان من المنافقين وأمثالهم فآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتهموه فى صدقه واتهموه فى أمانته ويوم فقد من الغنائم قطيفة حمراء قال منافق ما غلها إلا محمد فبرأه الله مما قال وأنزل  {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

ثم اتهموه فى عرضه فبرأه الله وآل بيته مما قالوا وأنزل ( {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } )

كان رسول الله إذا سمع أذيته من ضعاف الإيمان خفف عن نفسه بذكر موسى عليه السلام يقول رحم الله أخى موسى لقد ابتلى بأكثر من هذا فصبر ..

أما كف الأذى عن الناس أيها المؤمنون فهو عبادة:

ورد فى الصحيح «أن أبا ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل النبى فقال أي العمل أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم إيمان بالله وجهاد في سبيله قال أبو ذر فقلت يا نبى الله وأي الرقاب أفضل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها قال أبو ذر فقلت يا نبى الله فإن لم أستطع ؟ يعنى ما العمل يا نبى الله إن لم أستطع أن أجاهد في سبيل الله، ولا أن أقوم بإعتاق هذه الرقاب الغالية النفيسة فقال صلى الله عليه وسلم تعين صانعاً أو تصنع لأخرق والمعنى أن تساعد الناس وتقضى لهم حوائجهم قال أبو ذر فقلت يا نبى الله فإن لم أفعل ؟ وفى رواية قال أبو ذر أرأيت يا رسول الله، إن ضعفت عن بعض العمل فماذا أصنع ؟ فقال صلى الله عليه وسلم تكف عن الناس شَرَّك فإنها صدقة منك على نفسك » 

نسأل الله تعالي أن يقينا شر أنفسنا وأن يحفظنا من شرار الخلق إنه ولي ذلك ومولاه ..

الخطبة الثانية

أما بعد فيقول ربنا سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

بقى لنا فى ختام الحديث أيها المؤمنون أن نقول إذا كانت أذية الناس تحبط الأعمال وتضعف الإيمان فليحفظ كل واحد منا لسانه ونفسه عن أذية الناس خوفاً على نفسه ورحمة بنفسه ..

فالمسلم يوم شبهه رسول الله شبهه بالنخلة كل ما فيها ينفع وكذلك المسلم قوله ينفع وفعله ينفع ورأيه ينفع واحة خير وسلام وأمان أينما حل وأينما كان ..

من صفة المسلم أنه كلما فتحت بين يديه أبواب العدوان على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم يغلقها وهو يقول إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ..

من صفة المسلم أنه يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه تماما بتمام ..

من صفة المسلم أنه قليل الكلام كثير الأفعال يقول الخير فيغنم ويسكت عن الشر فيسلم ..

من صفة المسلم أنه خميص البطن من أموال الناس خفيف الظهر من مظالمهم ..

وإن وقع فى ذمته شيئ من مظالم الناس بادر بردها اليوم قبل غد عملاً بقول النبى صلى الله عليه وسلم :

«من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن تؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه» 

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 4
  • 0
  • 2,126

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً