أخجلتني زوجتي

منذ 2004-07-20

‏مع أنه قد طاف العالم حتى لا يكاد يجد في الخريطة دولة جديدة ، وركب الطائرات حتى عادت كأنها سيارات ، فإن زوجته لم تركب الطائرة إلا تلك الليلة ، وبعد عشرةِ .. عشرين سنة، ومن أين ؟ وإلى أين؟
من الظهران إلى الرياض ، ومع من؟
مع أخيها القروي البسيط الذي أحس أنه يجب أن ينفس عنها بما يستطيع فأخذها بسيارته القديمة من الرياض إلى الدمام ..

وفي العودة رجته بكل ما تملك أن تركب الطيارة .. أن تركب الطيارة قبل أن تموت .. أن تركب الطيارة التي يركبها دائماً خالد زوجها والتي تراها في السماء وفي التلفزيون ، واستجاب أخوها لندائها وقطع لها تذكرة ، وأرفق معها ابنها محرماً لها، وعاد هو وحيداً بسيارته القديمة تهتز به المشاعر والسيارة ، وفي تلك الليلة لم تنم سارة ، بل أخذت تثرثر مع زوجها خالد ساعة عن الطيارة وتصف له مداخلها ومقاعدها وأضواءها ومباهجها ووجباتها وكيف طارت في الفضاء .. طارت! تصف له مدهوشة كأنها قادمة من كوكب آخر .. مدهش!

ومزهر ومسكون بالبشر وزوجها ينظر إليها متعجباً مستغربا ، ولم تكد تنتهي من وصف الطائرة حتى ابتدأت في وصف الدمام والرحلة إلى الدمام من بدئها لختامها والبحر الذي رأته لأول مرة في حياتها ، والطريق الطويل الجميل بين الرياض والدمام في رحلة الذهاب أما رحلة الإياب فكانت في الطائرة ، الطائرة التي لن تنساها إلى الأبد ، واستقعدت على ركبتيها كأنها طفلة ترى مدن الملاهي الكبرى لأول مرة في حياتها وأخذت تصف لزوجها وعيناها تلمعان دهشة وسعادة ما (مسافة) رأت من شوارع ومن متاجر ومن بشر ومن حجر ومن رمال ومن مطاعم وكيف أن البحر يرغي ويزبد كأنه جمل هائج وكيف أنها وضعت يديها هاتين .. هاتين في ماء البحر، وذاقته فإذا به مالح .. مالح ..

وكيف أن البحر في النهار أزرق وفي الليل أسود ورأيت السمك يا خالد رأيته بعيني يقترب من الشاطئ ، وصاد لي أخي سمكة ولكنني رحمتها وأطلقتها في الماء مرة ثانية .. كانت سمكة صغيرة وضعيفة .. ورحمت أمها ورحمتها .. ولولا الحياء يا خالد لبنيت لي بيتاً على شاطئ ذاك البحر؟ رأيت الأطفال يبنون ، يووووه نسيت يا خالد ونهضت جذلى فأحضرت حقيبتها ونثرتها وأخرجت منها زجاجة من العطر وقدمتها إليه وكأنها تقدم الدنيا وقالت هذه هديتي إليك وأحضرت لك يا خالد " شبشب " تستخدمه في الحمام .. وكادت الدمعة تطفر من عين خالد لأول مرة ..

لأول مرة في علاقته بها وزواجه منها ، فهو قد طاف الدنيا ولم يحضر لها مرة هدية .. وهو قد ركب معظم خطوط الطيران في العالم ، ولم يأخذها معه مرة لأنها في اعتقاده جاهلة لا تقرأ ولا تكتب، فما حاجتها إلى الدنيا وإلى السفر ، ولماذا يأخذها معه ، ونسى .. نسى أنها إنسانة .. إنسانة أولاً وأخيراً .. وإنسانيتها الآن تشرق أمامه وتتغلغل في قلبه وهو الذي يراها تحضر له هدية ولا تنساه .. فما أكبر الفرق بين المال الذي يقدمه لها إذا سافر أو عاد وبين الهدية التي قدمتها هي إليه في سفرتها الوحيدة واليتيمة ، إن " الشبشب " الذي قدمته له يساوي كل المال الذي قدمه لها ، فالمال من الزوج واجب والهدية شيء آخر ، وأحس بالشجن يعصر قلبه وهو يرى هذه الصابرة التي تغسل ثيابه وتعد له أطباقه وأنجبت له أولاده وشاركته حياته وسهرت عليه في مرضه ، كأنما ترى الدنيا أول مرة ، ولم يخطر لها يوماً أن تقول له اصحبني معك وأنت مسافر أو حتى لماذا تسافر لأنهاالمسكينة تراه فوق ..
بتعليمه وثقافته وكرمه المالي الذي يبدو له الآن أجوف .. بدون حس ولاقلب .. أحس بالألم وبالذنب .. وبأنه سجن إنسانة بريئة لعشرين عاماً ليس فيها يوم يختلف عن يوم .. فرفع يده إلى عينه يواري دمعة لاتكاد تبين .. وقال لها كلمة قالها لأول مرة في حياته ولم يكن يتصور أنه سيقولها لها أبد الآبدين ، قال لها : أحبك .. قالها من قلبه .. وتوقفت يداها عن تقليب الحقيبة وتوقفت شفتاها عن الثرثرة ، وأحست أنها دخلت في رحلة أخرى أعجب من الدمام ومن البحر ومن الطائرة وألذ ، رحلة الحب التي بدأت بعد عشرين عاماً من الزواج ، بدأت بكلمة .. بكلمة صادقة .. فانهارت باكية !!

  • 37
  • 2
  • 31,431
  • hasrah

      منذ
    [[أعجبني:]] every thing in the story was very nice ,it is an easy ,simple & real story well done
  • خالد أبو اليزيد

      منذ
    [[أعجبني:]] أتمنى من كل الأزواج المسلمين ألا يتناسوا الواجب تجاه الطرف الآخر وهو المودة والمحبة في الله التي اختفت من معظم بيوت المسلمين مما جعل الحياة بالنسبة لهم كالروتين أو الممل الذي لا ينتهي
  • ميادة

      منذ
    [[أعجبني:]] أريد ان اقول اولا ان هذه القصة لها تأثير كبير علي و كدت ان أبكي<br > ما أعجبني هو أن الزوج أحس بالندم بسرعة ة أنه عبر عما شعر به على الفور و أنه كان يستطيع أن ينكر ذللك حتى لا يظهر في محل الرجل المخطأ.<br > كما أعجبني أحترام الأخ لرغبة أخته و حرصه على التفريج عنها.<br > كما أعجبني أيضا أن الزوجة لم تنسى زوجها و أنها كانت تتقي الله و أنها لم تحرجه بطلبها بأن يجعلها تسافر معه . [[لم يعجبني:]] ما لم يعجبني هو أنه لم يدر قيمة زوجته و أنه كان لم يعرف قيمتها بعد كل هذه السنين بالرغم من انها كانت تخدمه بكل ما تملك . فلم لم يعاملها منذ زواجها بالحسنى و يعلي من شأنها
  • محمد بكري

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد شعرت عند قراتى أننى أنا بطل القصة لانى اردت دائما فى زواجى لحظات الحب والمودة ولكن زوجتى لم تكن تهتم إلا بالمال فما أحوجنا الى الإحساس ... بارك الله فيكم
  • جومانا

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاكم الله خيرا أن أشرتم إلى هذه الحكاية التى للأسف تتكرر كثيرا فى بيوت المسلمين وأتمنى أن يصبح كل الأزواج مثل خالد
  • أحمد سعيد

      منذ
    [[أعجبني:]] أن الزوجة عندما رجعت الي زوجها لم ترجع الية غضبانة لانها عندئذ قد أحست بمدي ماحرمها منه زوجها وانما قد بثتة حبها وفرحها
  • أميرة

      منذ
    [[أعجبني:]] هده القصة هي واحدة من قصص آلاف النساء اللواتي يعانين من تجاهل الرجل لأحاسيس زوجته ويظن أنه يكفيها أنها زوجته و أم أولاده و مهمته تنتهي هنا أما حياته فتبدأ خارج البيت في حين تنحصر حياتها بين جدرانه
  • أيمن عتريس

      منذ
    [[أعجبني:]] 1- روح الزوجةواخلاقها 2- تفهم الزوج وشعورة واحساسة بذلك وان كان متأخرا<br > 3- مصارحة الزوج السريعة بما شعر بهمن حب كامن بداخلة تجاه زوجته [[لم يعجبني:]] 1- هجر الاحاسيس بين الزوجين 2- الانشغال التام بالحياة<br > 3- تكفين المشاعر برغم أنها حيةبالداخل
  • رشا الشافعي

      منذ
    [[أعجبني:]] عجبا ...لماذا اصبح الحب الصادق بين الزوجين شحيحا نادرا لهذه الدرجه؟؟بل لماذا تركنا معاني الحب والرومانسيه لهؤلاء الفجرة يتقلبون بها في دياجير المعاصي والشهوات الشيطانيه؟؟!! السنا نحن معشر المسلمين من الازواج والزوجات الذين حصنوا فروجهم وشهواتهم واختاروا السبيل القويم ..سبيل الزواج الذي احله الله وجعله سنة وايه من اياته ...بل اين ضاعت ثلاثية الحياه الزوجيه "السكن..الموده والرحمة" هل تلاشت بين مشاغل الحياه واعبائها؟؟؟!! لماذا نسمع كثيرا هذه الايام عن حب دافق مفعم بالحيويه لا يبرح الا ان يتضائل يوما بعد يوم ليكون مجرد روتين يومي وحياه جوفاء بلا موده ولا رحمة بين الزوجين ...اهو كالورده التي كانت في ريعان شبابها وأوج جمالها شم بمرور الوقت ذبلت وانطفأ جمالها وريحها؟؟!!! اسئله دارت بمخيليتي وحركتها وأطلقتها قصتك تلك ...فالله اسأل ان يصلح حال ازواج المسلمين وان يديم بينهم الموده والرحمه ..فوالله كان رسولنا الحبيب مثلا نادرا بل لاوجود له عندما كان يحمل لخديجه رضي الله عنها كل الحب والتقدير حتى بعد موتها ويقول : والله ماابدلني الله خيرا منها...وهي من هي؟؟ هي ام المؤمنين ..هي من ناصرته وصدقته واعانته...
  • عابد

      منذ
    [[أعجبني:]] هذا المقال تناول ظاهرة لا يرتاح قلب مسلم و هي الجفاف و ربما الظلم في احيان كثيرة التي تعانيهما كثير من الزوجات و النساء [[لم يعجبني:]] التعليق اللغوي هو أنه لا يصح لغويأ أن تقول إنسانة بل قل إنسان سواء للذكر إو للإنثي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً