الامتحانات

منذ 2021-06-12

نرى الناس في هذه الأيام قد أجلوا مناسباتهم، وألغوا سفرياتهم، وقللوا زياراتهم، من أجل امتحانات أبنائهم وبناتهم، وأخذوا يجاهدونهم في الليل والنهار، من أجل الاستعداد للاختبار، وهذا أمر حسن وفق الله الجميع في أمور الدنيا والآخرة.

الامتحانات

نرى الناس في هذه الأيام قد أجلوا مناسباتهم، وألغوا سفرياتهم، وقللوا زياراتهم، من أجل امتحانات أبنائهم وبناتهم، وأخذوا يجاهدونهم في الليل والنهار، من أجل الاستعداد للاختبار، وهذا أمر حسن وفق الله الجميع في أمور الدنيا والآخرة.

ولكن يا عباد الله يجب أن لاتمر علينا هذه المناسبة دون عبرة وعظة، فكل منا - يا عباد الله - في امتحان عظيم أمام رب العالمين: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، لا ندري ما تكون نتيجتنا في هذا الامتحان.

كما أن أمامنا مواقف عديدة ومواقف عصيبة من مواقف الامتحانات، فالإنسان في حالة امتحان عند وفاته وحال فراقه لهذه الحياة، ترى ما نتيجة هذا الامتحان، على أي حال تخرج النفس، أترى تخرج روحك وأنت تقول لا إله إلا الله، أم ترى تخرج الروح والإنسان يهذي بأمور الدنيا أو بشي من المعاصي نسأل الله السلامة العافية، وهل تكون الخاتمة حسنة، أم سيئة - والعياذ بالله، حقاً إنه الامتحان الصعب والموقف الشديد الذي لا تعلم نتيجته إلى الآن.

لابد أن تعلم أخي المسلم أن من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة، كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (رواه أبو داود).

ثم تأمل يا ابن آدم ذلك الموقف الآخر من مواقف الامتحانات التي لا محالة ستمُرُّ بها، عندما تدفن في قبرك وحيداً فريداً، وتفارق أهلك ومالك، ولا يبقى معك إلا عملك، عندها تعرض عليك أسئلة الامتحان، كما في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن العبد المؤمن يأتيه في قبره ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فيُنادِي مُنادٍ في السماء أن صَدَقَ عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسُرُّك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي» .

قال: «وإن العبد الكافر يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيُنادِي مُنادٍ من السماء أن كَذَبَ، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجه، قبيحُ الثياب، منتن الريح فيقول: أبشِر بالذي يسوؤُك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة».

و لاتنس - يا ابن آدم - ذلك الموقف من الامتحانات الذي سيعرض عليك فيه أربعة أسئلة، كما في سنن الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».

وتأمل حالك يا ابن آدم في مواقف أخرى من مواقف الامتحانات، عند الميزان، أيخف ميزانك أم يثقل، وعند أخذ الكتاب، أيكون كتابك في يمينك أم في شمالك أم من وراء ظهرك، وعند الصراط، أتجوز بك أعمالك أم تخدشك كلاليب جهنم، كيف هي حالك في هذه المواقف العصيبة.

بكت عائشة رضي الله عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ما يبكيك»؟، قالت: ذكرتُ النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه، أم في شماله، أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم»؛ (رواه أبو داود).

هذه بعض مواقف الامتحانات التي سيمر عليها الناس، والنجاح فيها هو النجاح الحقيقي، كما في قوله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].

والخسران في هذه الإمتحانات هو الخسران الحقيقي، كما في قوله: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].

 

إن الاستعداد لهذا الامتحان القريب أمر مهم ومطلوب، فلا بد من الاستعداد لها والاهتمام بشأنها، فإن النجاح فيها هو إنشاء الله عنوان لنجاح الفرد في حياته، ولكن يجب أن نعلم أن الاجتهاد في هذه الامتحان وحده لا يكفي لتحقيق النجاح بل لابد من توفيق الله سبحانه وتعالى، وبذل الأسباب الحقيقية.

إذا لم يكن عون من الله للفتى ♦♦♦ فأول ما يقضي عليه اجتهاده

 

فلابد من الاستعداد لها بتقوى الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].

ومن ذلك: الاجتهاد بالدعاء للنفس والغير، فقد وعد الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم بإجابة دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب، فأنت أيها الطالب ادع لنفسك ولزملائك بالتوفيق بظهر الغيب.

ومن ذلك: صلاة الفجر، مع الجماعة لما لها من تأثير عجيب على النفوس، حيث يصبح الطالب طيب النفس نشيطاً، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلَّت عُقدة، فإن صلى انحلَّت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان». وكيف تكون إجابة الطالب إذا أصبح خبيث النفس كسلان.

البعد عن المعاصي، فالمعصية لها شؤمها ولها ضررها، فربما نال هذا الضرر نتيجة الامتحان، واعلم أن الغش في الامتحان معصية من المعاصي وهو أمر محرم، ولا تغتر وإن تجاوزت به مادة من المواد، فربما نالك ضرره في مادة أخرى، واعلم أيضاً أن غشك في الامتحان هو غش لنفسك ولأمتك.

عباد الله:

كما لا يفوتنا في هذه الخطبة أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن وقانا شر هذا الإعصار الذي مر بمنطقة الخليج، وأحدث من الدمار ما أحدث من هلاك في الأنفس ودمار في الأموال، فإن هذه الكوارث الطبيعية لا حيلة للإنسان في منعها أو صرفها عن وجهتها، وإن كل ما يستطيعه هو أخذ الاحتياطات للتقليل من إضرارها، وإن من أهم الأسباب التي يتقي بها المسلم شر تلك الأخطار هو اللجوء على الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه بالدعاء، والاجتهاد في طاعته والبعد عن معصيته، فإن ما أصاب الإنسان من مصيبة إلا بسبب ما كسبت يداه.

ولنعلم يا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير فهذه الظواهر الطبيعية، وهذه المخلوقات الكونية التي نشاهدها ونعيش معها في حياتنا قد يسلط الله منها ما شاء على من يشاء فتصبح أخطاراً تهدد حياة الناس، كما سلط الله سبحانه وتعالى الريح على عاد: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]، وقوله: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وإنا إلى الله راجعون، اللهم ادرأ عنا الأخطار، اللهم برحمتك نستغيث.

_______________________________________________
الكاتب: أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد

  • 5
  • 0
  • 2,271

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً