الشباب

منذ 2021-06-13

لقد كانت الأمة الإسلامية عزيزة قوية عندما كان شبابها على النهج القويم، والصراط المستقيم متمسكين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد جاء نبينا محمد بالخير لهذه الأمة، فما ترك خيراً إلا ودلها عليه، وما ترك شراً إلا وحذرها منه، فقد أثر عنه  الأقوال الحكيمة والوصايا النافعة، ومن ذلك ما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

فهذا التوجيه النبوي الكريم ليس لذلك الرجل وحده وإنما هو للأمة بعامة وللشباب بخاصة باغتنام هذه المرحلة من العمر، فهي فرصة للشباب في طاعة الله سبحانه بجميع أنواعها، وما أحوج شبابنا لذلك، فهم زينة حاضرنا وعدة مستقبلنا.

ولقد كانت أمتنا عزيزة منيعة حينما كان شبابها يعرف قدر هذه المرحلة من العمر، فحرصوا على اغتنامها في مرضاة الله سبحانه وتعالى، فتعالوا بنا نتأمل ذلك الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أحد الشباب، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. حيث يقول عبد الله رضي الله عنه: جمعت القرآن فقرأته في ليلة.

ولما علم رسول الله  قال له مشفقاً عليه: «إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمل، اقرأ به في كل شهر».

ولكن عبد الله يدرك أنه في هذه الفترة من العمر يستطيع أكثر من ذلك، فقال: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي.

فلم ينكر عليه رسول الله هذا العرض وحرصه على اغتنام هذه المرحلة من العمر، مرحلة القوة والنشاط في طاعة الله سبحانه وتعالى، فأعطاه توجيهًا آخر رحمة به وشفقة عليه، قائلاً: «اقرأ به في عشرين». وما زال الحوار مستمرًا وعبدالله يجيب بذلك الجواب حتى حدد له رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعًا شفقة عليه.

شباب الإسلام:

هذا أنموذج من حياة الشباب في صدر الإسلام الذين حرصوا على اغتنام أوقات شبابهم في طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن جملتها قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى، وهنا أوجه سؤالاً للشباب في هذه المناسبة: ما المدة الزمنية التي حددتها لنفسك لتختم فيها كتاب الله سبحانه وتعالى؟ هل تختم في كل عشرة أيام؟ هل تختم في كل عشرين؟ هل تختم في كل شهر؟ أرجو أن لا يتجاوز الحد ذلك وأنت قوي نشيط في هذه المرحلة من عمرك، تستطيع أن تؤدي من الأعمال ما لا تستطيعه إذا كبرت سنك ووهن جسمك.

معشر الشباب:

خذوا- إن شئتم - أنموذجاً آخر من ذلك العصر، لشاب من شباب صدر الإسلام، ذلكم هو عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا بمجرد توجيه بسيط من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد هذا التوجيه يقضي أكثر ليله في صلاة.

وعمر بن عبدالعزيز وهو حديث السن لما ولي أبوه مصر وأراد إخراجه إليها، قال يا أبت أو غير ذلك لعله أن يكون أنفع لي ولك ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدب بآدابهم فوجهه إلى المدينة فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه.

وهل جاءكم نبأ ذلكم الفتى الصغير الذي يريد أن يخرج لسماع الحديث قبل الفجر فتمسك أمه بثيابه خوفاً عليه، وتقول: يا بني، انتظر حتى يؤذن الناس أو يصحو، إنه أحمد بن حنبل.

وهل سمعتم بذلك الشاب الذي كان الناس يطاردونه في الشوارع، لماذا؟ ليسمعوا منه الحديث، إنه أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله.

وغيرهم الكثير والكثير من شباب صدر الإسلام الذين سطعت بمآثرهم كتب التاريخ والسير، فأين أولئك الفتيان من شباب عصرنا، التي تدور أحلامهم وأمنياتهم على الدنيا وزينتها، وعلى الشهوات وتنوعها، وتضيع أوقاتهم عند الفضائيات، والإنترنت، والبلوتوث، والسيارات بأشكالها وحركاتها!!

ومنهم من لا يرعى حرمة ولا يعرف حدوداً، فأسرته شهوته، وغلبته نفسه، واستحوذ عليه شيطانه، فكان صيدًا سهلاً لأعدائه.

كيف ذلك يا شباب الإسلام، والأمة الإسلامية تمر بحالة من الضعف والهوان؟ قد استباحها أعداؤها، وطمعوا في خيراتها، وليس الأمر كذلك فحسب بل يطمعون في صرفها عن دينها وطاعة ربها، تلك الطاعة التي إن صلحت عزت الأمة وارتفعت، وإن فسدت هانت الأمة وسقطت.

عباد الله، معشر الشباب:

إن الثروة الحقيقية لكل أمة ليست في نفطها، ولا في صناعتها، ولا في زراعتها، ولا في تنوع معادنها، إنما تكمن في شبابها، فليست كل أمة تملك نفطاً، ولا كل أمة تملك صناعة أو زراعة رابحة، ونحو ذلك، ولكن كل أمة تملك شباباً إن أحسنت استثماره علت وارتفعت وسادت الأمم.

لقد كانت الأمة الإسلامية عزيزة قوية عندما كان شبابها على النهج القويم، والصراط المستقيم متمسكين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن تقدم الأمم وصلاحها مرهون بصلاح شبهابها، قال المولى سبحانه وتعالى مثنياً على أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

لقد أدرك أعداء الإسلام هذه الثروة الحقيقة، فوضعوا مخططاتهم، وبذلوا جهودهم لاقتناص شباب الإسلام واحتوائهم.

يقول صموئيل زويمر في مؤتمر للمنصرين: "…جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللشهوات، وإن جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز فللشهوات، إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات "، ثم قال بعد ذلك: "أيها المبشرون، إن مهمتكم تتم على أكمل وجه".

وفي قول آخر للمستشرق "جب ": يطالب فيه تركيز الإفساد على فئة الشباب. وهذه المخططات الصهيونية تسعى لإغراق الشباب المسلم في الجنس والإباحية، حتى لا يلتفتوا لمعالي الأمور، وهذا ديدنهم في كل مكان وفي جميع الأزمان، وتتنوع وسائلهم بتنوع المكتشفات والصناعات.

أيها الشباب، عباد الله:

لنقطع الطريق على أعدائنا بالسعي لصلاح أنفسنا، فحرصنا على الصلاة المفروضة وغيرها من أنواع الطاعات الواجبة والمستحبة هو صلاح لأنفسنا ورفعة لأمتنا، وحرب على أعدائنا.

إن بعدنا عن الدخان، والخمور، والمخدرات، والزنا، واللواط، والمعاكسات، ومشاهدة الرذيلة، ونحوها من الحرمات، فيه نجاة لنا من عذاب جهنم، وسلامة لنا لأمتنا وإغاظة لأعدائنا.

عباد الله، معشر الشباب:

يجب أن نعلم أيضاً أن اعتياد الطاعة في حال الشباب والقوة مما يسهل على الإنسان فعلها والمداومة عليها في حالة ضعفه عند الكبر.

وفي المقابل إذا كان الشاب عنده القدرة على الاجتهاد في الطاعة، فلديه القدرة أيضاً على التوبة من الذنب والخلاص منه، فإن الذنب في القلب كالشجرة في الأرض، كلما طال بها الزمن ضربت بجذورها في الأرض وازدادت تمسكاً بها، فيصعب حينئذ قلعها واجتثاثها، وكذلك المعصية إذا تقدم بالإنسان العمر وما زال مصراً على معصيته ولم يتب منها، فيصعب عليه حينئذ تغيير حاله والإقلاع عن ذنبه.

معشر الشباب:

إن من الغرور أن يسوف الإنسان بالتوبة ويؤخر الاجتهاد في الطاعة إلى آخر عمره، فمن كانت هذه حاله فهو بين خطرين: إما أن يفجأه الموت في حال شبابه مصراً على معصيته مقصراً في طاعة ربه، وإما أن تتأصل المعصية في قلبه فلا يستطيع الخلاص منها في حال كبره وشيخوخته، فيموت وهو على تلك الحال، فكم مات من شيوخ على آثام ارتكبوها ودوا لو تخلصوا منها في شبابهم.

فالموت لا يفرق بين الصغير والكبير ولا بين الصحيح والمريض، وإنما هي آجال مكتوبة، وأنفاس محسوبة، فكم مات ممن نعرفهم من الأطفال والشباب والشيوخ، قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].

معشر الشباب:

إلى متى التسويف والتأجيل:

حتى متى وإلى متى نتوانى   ***   وأظن هذا كله نساينــا 

الموت يطلبنا حثيثاً مسرعـاً    ***   إن لم يزرنا بكرة مسانا 

 


معشر الشباب:

اعلموا أن التوبة واجبة على الفور، وأن تأخيرها ظلم للنفس، فقد قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا[التحريم: 8]، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

واعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته، أمركم بالصلاة والسلام على نبيكم...

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين...

عباد الله:

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

______________________________________
أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد

  • 8
  • 0
  • 3,577

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً