أسرار البحار في القرآن الكريم

منذ 2021-06-14

يعطي القرآن الكريم أدقَّ وصفٍ للبحار، ولم يصل العلماء إلى التعرف على مفردات ذلك الوصفِ إلا في القرنين الماضيين، بل لم يَعرِفِ العِلمُ حقيقة ظلمة البحر إلا في القرن العشرين

أسرار البحار في القرآن الكريم

يعطي القرآن الكريم أدقَّ وصفٍ للبحار، ولم يصل العلماء إلى التعرف على مفردات ذلك الوصفِ إلا في القرنين الماضيين، بل لم يَعرِفِ العِلمُ حقيقة ظلمة البحر إلا في القرن العشرين، ولم يعرف العلماء طبيعة قاعِ البحر المتسع المفتوح المملوء بالحُمَمِ الصاعدة من جوف الأرض عند منتصفات البحار إلا منذ ستينيات القرن العشرين.

 

إن حقيقة كون البحر مسجورًا التي اكتُشفت عام 1962م فقط تُعَدُّ من روائع الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ومصطلح البحر اللُّجِّيِّ مصطلح علميٌّ دقيق يُستخدم اليوم، وهو قبل ذلك كلمةٌ قرآنية أصيلة، فمن أدرى محمدًا صلى الله عليه وسلم بأدقِّ أوصاف البحار قبل نشأة علوم البحار بأكثر من ألف عام؟ لا بد أن يكون ذلك وحيًا من الله نزل على قلب النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

 

وقد أشارت آيةٌ واحدة من القرآن الكريم إلى أدقِّ أسرار البحار، وهي قول الحقِّ تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 39، 40].


وهنا نعرض بعض أسرار القرآن المتعلِّقة بالبحار من حيث نشْأتُها، والصَّدع العظيم الذي يسير بمحاذاة منتصفاتها.

 

وتتكون قيعان البحار والمحيطات من القشرة المحيطية المكوَّنة من صخور البازلت ذي الكثافة العالية، ويصل سمك تلك القشرة حوالي 10 كم فقط، وعلى العكس من ذلك، فإن القارات تتكوَّن من القشرة القارية المكونة من صخور الجرانيت ذي الكثافة المنخفضة نسبيًّا، ويصل متوسط سمك قشرة القارات حوالي 30 كيلومترًا، وبالتالي فإن القارات تطفو بارزةً، بينما تهبط قيعان المحيطات.

 

1- كيف بدأ المحيط؟

يمكن الإجابة على ذلك السؤال، إذا ما تصوَّرْنا أن الأرض كانت في مهدها كويكبًا ابتدائيًّا تكوَّنَ من بقايا سديم كان يحيط بالشمس، وحينما أخذت الأرض في التكوين، بدأت تسخن بسبب الحرارة الناتجة عن تصادم مكوناتها، وبسبب جاذبيتها، وأخيرًا نتيجة تحلُّل العناصر المشعة.

 

واستمرَّت الحرارة في الزيادة، لدرجة أن الحديد قد انصهَر وغاص في المركز مكوِّنًا اللب، واستمَرَّ النشاط البركاني، وأخرَجَتِ الأرض كمياتٍ كبيرة من بخار الماء وغازات أخرى غطَّت الأرض فيما يُشبِهُ بحرًا من الحُمَمِ الحمراء الساخنة.

 

وبعد ذلك أخذت الأرض تبرد رويدًا رويدًا، وتصلَّبت قشرة الأرض وبردت لدرجة سمحت بتكثُّف السحب وبخار الماء البركاني وسقوط الأمطار.

 

وبذلك نشَأت المحيطات منذ قرابة 4 بلايين سنة، ثم أصبحت مياه البحار مالحةً نتيجة لاتحاد الكلورين الموجودِ في الغازات البركانية بالصوديوم الناتج من التجوية الكيميائية لمكونات القشرة.

 

أي إن مصدر الماء في الأرض قد أتى من باطنها، وهذا هو الذي قرَّره القرآن الكريم قبل أن يتوصَّل إليه العلم في أيامنا هذه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات: 30، 31].

 

ومن العجيب أن العلماء رسموا خرائطَ للقمر في الخمسينيات من هذا القرنِ بصورة أدقَّ مما رُسمت لقاع البحر، إلا أن قاع البحر أصبح مرسومًا بدقة متناهية؛ نتيجة لاستخدام تقانة الحصول على عينات من قاع البحر، وتقدُّمِ تقنية الاستشعار عن بعد.

 

2- الأرض ذات الصدع وأطول سلسلة جبلية: ترجع قصة اكتشاف حَيْدِ أو حافة وسط المحيط إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمكَّنَ دارسو المحيطات من رسم سلسلة جبال تمتد باتجاه شمال جنوب بطول المحيط الأطلسي، وقد أُطلق على هذه السلسلة اسم حَيْد أو حافة وسط الأطلسي (Mid-Atlantic Ridge).

 

وتتحرك ألواح الغلاف الصخري متباعدة على حافتَي الحيد؛ ولهذا فإن حَيْد وسط المحيط الأطلسي، يمثل حافة تباعُد (Divergent Plate Boundry)، وكلما تباعَدَت الألواح، فإن الصهير الصاعد من النطاق الطيع) (Asthenosphere يصب ليملأ فراغ مركز الاتساع، مكوِّنًا قشرة محيطية جديدة.

 

وتوجد تلك السلسلة العالمية من الجبال في جميع أحواض المحيطات، ويمثِّل حَيْد وسط المحيط أطولَ سلسلة جبلية في الأرض، إلا أنها لا ترى على سطحها؛ لأنها تمتد تحت البحر، وتحيط بالكرة الأرضية، وتشغل منتصف محيطات العالم، ويزيد طولها على 80.000 كيلو متر، ويزيد عرض الحيد المحيطي على 1500 كيلومتر، وتعلو فوق قاع المحيط بمترين أو ثلاثة أمتار، وتغطِّي 20% من سطح الأرض في قيعان بحار اليوم.

 

ويقطع هذه السلسلةَ الجبليَّة خسفٌ يبلغ عمقه 1- 2 كيلومتر، وعرضه عدة كيلومترات، ويسمي مركز الاتساع (Spreading Center)، ومن الملاحظ أنه توجد مجموعة صدوع مستعرضة Transform) faults) تحول دون استمرارية هذا الحيد، وتعترض استمرارية الوادي الخسيف، وقد تم اكتشاف شقوق رأسية يبلُغ عرضها ثلاثة أمتار في قاعدة الوادي الخسيف.

 

وبناء على ما تقدم؛ فإن الصورة التي رسمها العِلمُ لحَيْد وسط المحيطهي سلسلة جبلية يقطعها وادٍ خسيفٌ عميق يشقُّ طريقَه تحت محيطات العالم الكبرى، وتتركز عبره منظومةٌ عظيمة من الصدوع.

 

ومن المدهش حقًّا أن تجد في تفسير القرطبي قوله: "ق" جبلٌ يحيط بالأرض إحاطة كاملة، والسماء عليه مقبية، ونشأ من زمردة خضراء.

 

ويأتي مبعث الدهشة من أن تلك المقولة قيلتْ من مئات السنين، بينما العلم لم يعرف بوجود حَيْد علميٍّ في قيعان المحيطات إلا منذ عام 1962م، والغريب أيضًا أنْ تُردِّدَ كتُبُ الجيولوجيا الحديثة في وصفها لحَيْد وسط المحيط نفسَ الكلمات، فتصف حَيْد وسط المحيط بأنه حَيْد عالمي يحيط بالأرض (Global Ridge encercles the earth). أما الزمردة الخضراء، فربما كانت الحُمَم التي يتكوَّن منها البازلت الذي يكون مادة قيعان المحيطات، والذي يتكون من معادن الأوليفين والبيروكسين الخضراء اللون.

 

ويتجلَّى إعجاز القرآن الكريم في هذا المجال في قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 12].

 

ومن الرائع حقًّا أن يوافق العلم مراد الله تبارك وتعالى في القَسَمِ القرآني بالأرض ذات الصَّدْع، بعد أن أثبَتَ العلم وجود صدع يحيط بالأرض قاطبة، وهذا على اعتبار كلمة (صدع) تعني صدعًا واحدًا، وفي حالة تفسير كلمة (صدع) بجنس الصدوع، فإن وجود منظومة الصدوع عبر حَيْد وسط المحيط تشير إلى توافُق عطاء العلم مع آية الصدع صدع الأرض.

 

وتمثِّل الصدوع نطاقات كسور Fracture zones، وهي خطوط ضعف في قشرة الأرض توجد متعامدةً على امتداد حَيْد وسط المحيط.

 

3- البحر المسجور: ورَدتْ مادة سَجَرَ في القرآن الكريم مرتين؛ في المرة الأولى يُقسِم الله تعالى بالبحر المسجور: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]، وفي الثانية يصف حال البحر يوم القيامة في قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6].

 

وفي ضوء العلم الحديث، تَبيَّنَ أن البحر حقيقةً مُسَجَّرٌ اليوم بالنار (بالحُمَم) من عند منتصفه. وكما ذكر من قبل، تتكوَّن شقوق في قاع وادي الخسف حينما تنفصل قشرة المحيط عند قمة الحيد، وحينئذٍ يصعد صهير صخور البازلت خلال تلك الشقوق، ويصبُّ في قاع وادي الخسف، ويصير هذا البازلت قشرة محيطية جديدة تتسع رويدًا رويدًا كلما انتشرت ألواح الغلاف الصخري بعيدًا عن قمة الحيد.

 

وبناء على ما تقدَّم من الحديث عن قطع الأرض، فإن وسط البحر يسجر دائمًا منذ مولده وحتى يأذن الله بتفجيره يوم القيامة بالصهير الصاعد من جوف الأرض خلال الوادي الخسيف.

 

وكلما اتسع وادي الخسف تبعًا لزيادة معدل حركة الألواح المتباعدة، زاد اتساع قاع البحر، وفي وقت محدَّد ستفجر البحار من مراكز انتشارها، وحينئذٍ ستُخرِج الأرضُ أثقالَها. ويمتلئ البحر بالحُمَمِ، وهكذا سترى أشراط الساعة رأيَ العين، وصدق الله العظيم وهو يُقسِم بالبحر المسجور، الذي لم يكتشف العلم سجورَه إلا منذ عام 1962.

__________________________________
الكاتب: د. حسني حمدان الدسوقي حمامة

  • 1
  • 0
  • 3,072

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً