من أبجدية السعادة الزوجية - ظُنَّ خيرًا

منذ 2021-06-21

ما أجمله من إحسَان الظن بالمؤمنين! فهذا هو الخلق الذي لا يتصف به إلا المؤمنون

 

من أبجَديَّة السَّعادَة الزَّوجِيَّة: ظُنَّ خيرًا

   حَافظ الإسْلام على البيوتِ وضَمِن لها سُبل استقرارها، وكفَل لها من التشريعات التي تحُوطها بسِياج من السّتر والحفظ والأمَان، والقرآنُ الكريم يؤكِّد في عددٍ من آياته الكريمة على ضَرورة حفظ اللسان، وعدم الوقُوع في الرذائل من الأخلاقِ كالغِيبة والنَّميمة والبُهتان والكذبِ والزُّور، وغَيرها من الآفَات والأمْراض التي تفْتك بالعَلاقَات الإنسَانية داخِل المجتمع المسْلم.

   وإنَّ ممَّا شَرعه الإسْلام حُسن الظَّن، بل وأوجَبه وأكَّد عَليه، ابتداءً من حُسن الظَّن بالخَالق جلَّ وعَلا؛ حيثُ جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ:  «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي » ....."  

   وقَد نبَّه القرآنُ الكَريم المؤمنين إلى خُطُورة سُوء الظَّن بإخْوانهم؛ فهو  يَنخُر– لا شَكَّ – في المجتمعاتِ فيُفسِدُها كمَا يَنخُر في العَظْم السُّوس، قال الله تعالى:" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ..." الحجرات:12، قال ابن كثير في تفسيرها:" يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا تقربوا كثيرًا من الظنّ بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا بهم سوءًا، فإن الظانّ غير محقّ، وقال جلّ ثناؤه"اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ " ولم يقل: الظنّ كله، إذ كان قد أذن للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير، فقال : "لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" فأذن الله -جلّ ثناؤه- للمؤمنين أن يظنّ بعضُهم ببعض الخير وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين. ...".

   وقد حَرص الرسول – صَلى الله عليه وسلم – أن يُغلِق كل الأبوابَ التي يمكن أن تَفتَح علي المسلم سُوء الظَّن بإخوانه، فعن صَفية بنت حُيي -رضْي الله عنها- قالت: «كان رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- مُعتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته، ثم قمتُ لأنقَلبَ، فقامَ معي ليقْلبني، وكان مَسكنها في بيت أسَامة بن زيد، فمرَّ رجُلان من الأنصَار، فلما رأَيَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرَعا في المشْي، فقال: "على رِسلكما إنما هي صَفية بنت حُيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: "إن الشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا» ".

   والحقيقةُ أنَّ سُوء الظَّن بالآخرين مَدعاةٌ للهَم والغَمِّ، ومجْلبة للحُزن والنَّكدِ، والذي يقَدِّم سوء الظَّن بالناس لا يقيم معهم عَلاقات إنسَانية سَوية، بل إنه يبني بينه وبينهم أسوارًا وحَواجز في تعامله معهم، بل ويحْرق نفْسه بنفسِه في كلِّ يوم، ويظل أبدَ دهْره فريسةً لخيالاته وظُنونه، وحبيسًا لأوهامه وشكوكه.

     وانتقالاً من خارجِ البيت إلى داخِله فإن أحد أهم أسْباب استقرار البيوت وطمأنينتها هو أن يقدِّم كِلا الزوجين حُسن الظَّن بالآخر؛ فلا يؤول أحَدهما لصَاحبه كلمةً في غير موطِنها، أو سلوكًا غير مقصوده، أو تفكيرًا في غير محله، بل ينبغي عليهما أن يُقيما جُسورًا من الثقة وحبائل من الأمَان والظن الحَسن، ولا يبني تعامَله مع زوجته، أو تبْني هي تعاملها مع زَوجِها على سُلوك طَارئ، ووجهة نظر غير صَحيحة، أو ظنٍّ في غير محله، ولا يترك لنفسه أو تترك لنفسها الانجراف في تأويلاتٍ غير صحيحة أو تفسيرات عاريةٍ عنها ...

   فلا يقدم سُوء الظن، بل ظُنَّ خيرًا في جميع أحوالك، في بيتك ومع أهلك، مع جيرانك وبين أصدقائك، أما أولادك فعودهم وربِّهم عليه، ودرِّبهم في مواقف شتَّى لأن في ذلك تصالح اجتماعي رائع ينتج عنه تكاتف الفرد مع أبناء مجتمعه وألفته بهم ودوام تواصله معهم وبناء علاقات متوازنة معهم.

   وتخيل بيتًا سوء الظن فيه هو أساس التَّعامل؛ فلا لا الزوج يثق بزوجته، وهي الأخرى لا تثق به؛ تعامله بالمثل، ويعاملها به، فأي حياة يحياها الطرفان، غيوم من الاتهامَات المتبادلة واللَّوم المستمر، والنَّكد والهَّم الذي لا ينقَطِع. وما أجمل ما صدر عن أبي أيوب الأنصاري لزوجته، وهو يدفع عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ما رميت به من كَذبٍ وإفك في الحادثة المشهورة، حيث قال – رضي الله عنه -مخَاطبًا زوجته يا أم أيوب أرأيت لو كنت مكان عائشة أيمكن أن تفعلي ما رميت به؟ قالت لا والله، قال فوالله لعائشة خير منك وخير من نساء العالمين. فبادلته مقالة بمقالة، قالت: يا أبا أيوب أرأيت لو كنت مكان صفوان أيمكن أن تفعل ما رمي به؟ قال لا والله، قالت فصفوان والله خير منك.

  ما أجمله من إحسَان الظن بالمؤمنين! فهذا هو الخلق الذي لا يتصف به إلا المؤمنون، بل إن عائشة -رضي الله عنها- صاحبة الألم كله في هذه الحادثة، والذي بقيت وقتًا من الزَّمن لا يرقأ لها دمْع، دمُوعها وقلبها يتفطَّر، تسمع رجلا يسُبُّ حسان بن ثابت – رضي الله عنه- وقد وقع فيمن وقع، وتكلم في حديث الإفك، فتقول دعوه، أليس هو القائل:

فإن أبي وولده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداءُ

    وأخيرًا فإنَّ الحياة الهَانئة السَّعيدة التي يتبادل فيها الزَّوجَان الثقة والتقدير وحُسْن الظنِّ ببعضها، يقدر كل منها للآخر شعورَه النيل وتعامله الراقي ولا ينجرف في تأويل الحركات والسكنات والأفعال والأقوال في غير محلها، يقَدِّم حسن الظن في كل حالٍ .... ساعتها تهنأ وتسعد ويمتلئ بيتك سعادة وحبورًا.

 

  • 4
  • 0
  • 1,458
المقال السابق
زُر أقاربك وصِلْ رحمَك
المقال التالي
وَسِّط أمُورَك كُلَّها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً