وقفات مع القاعدة القرآنية: فسألوا أهل الذكر

منذ 2021-06-28

وقفات مع القاعدة القرآنية {فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [ النحل : ٤٣ ].

 

وقفات مع القاعدة القرآنية
{فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [ النحل : ٤٣ ].

المقدمة :
فهذه وقفات مع قاعدة من قواعد القرآن الكريم،وقد تكررت في القرآن مرتين وهي على وجازتها قاعدة عظيمة النفع. وفي هذه الوقفات نتعرف على بعض دلالاتها.
الوقفة الأولى :
في دلالة الآية على سؤال أهل العلم وأمره تعالى بذلك،
يقول الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (٣٧٥/٢) .أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محله وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه، فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل إليه وإن بعدت داره، فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة.انتهى.
 
- وفي وقتنا هذا والحمد لله ،وسائل التواصل مع أهل العلم متيسرة، وهي أحسن من الزمن السابق .
وقال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية في سورة الأنبياء : " أهل الذكر "
: وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها.انتهى.
الوقفة الثانية :
في دلالة الآية في النهي عن سؤال الجهال الذين لا علم عندهم ولا يُعرفون بالعلم.
قال الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: وإذا قصد أهل محلة للاستفتاء عما نزل به ،فعليه أن يسأل من يثق بدينه ويسكن إلى أمانته.الفقيه والمتفقه(٣٧٦/٢).
وقال الإمام القرطبي في تفسيره على هذه الآية في سورة الأنبياء:
وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا ،لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم .
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير على هذه الآية:وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم انتهى.
الوقفة الثالثة :
وفي الآية الأمر بالتعلم والحث عليه عن طريق السؤال،والسؤال من أفضل طرق التعلم.
لقوله تعالى: { {فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} }[ الأنبياء : ٧].
الوقفة الرابعة :
وفي الآية الرد على من يتعمد الجهل بحجة أنه لا يحاسب أمام الله تبارك وتعالى بسبب جهله، وهذا غلط،لأن الإنسان لا يعذر بالجهل إذا كان يستطيع رفعه عن نفسه، ويوجد حوله من أهل العلم من يسألهم.
قال تعالى:{ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} }.[سورة اﻷنبياء ٧].
يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى : يلزم كل مؤمن ومؤمنة إذا جهل شيئا من أمر دينه أن يسأل عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إنما شفاءُ العيّ السؤال.الاستذكار(ص،٢٩٣).
الوقفة الخامسة :
في دلالة الآية على أن الزمان لا يخلو من علماء وأهل علم يُرجع إليهم، لأن الله عز وجل هو العالم بكل شيء قد أخبر بالرجوع إلى أهل العلم، ومقتضى ذلك أنه لا بد من وجودهم في كل وقت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فإن الارض لن تخلو من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته.مجموع الفتاوى (٦٠/١٥).
الوقفة السادسة :
في دلالة الآية على أن أهل الذكر عليهم البيان عند السؤال وعدم كتمان العلم.
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية:
ولم يؤمر بسؤالهم،- أي أهل العلم- إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.انتهى.
الوقفة السابعة :
في دلالة الآية على تزكية الله تعالى وتعديله لأهل العلم .
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم.انتهى
الوقفة الثامنة :
في دلالة الآية أن سؤال أهل العلم يُخرج العبد من التبعة ويكون بريء الذمة أمام الله تعالى، لأنه فعل ما يلزمه،من سؤال أهل الذكر.
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: وأن بذلك - أي بسؤال أهل العلم- يخرج الجاهل من التبعة.
الوقفة التاسعة :
في دلالة الآية على أن من ليس عنده قدرة على معرفة الدليل والبحث فإن عليه تقليد العلماء،
قال العلامة ابن قدامة رحمه الله :
لأن فرض العامي سؤال العلماء وتقليدهم ، لقول الله تعالى  {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
المغني ( ٢٥/٣).
وأنقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في توضيح هذا الأمر :
سئل رحمه الله تعالى : ما الواجب على العامي ، ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ، ولا قدرة له على الاجتهاد : أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى:  {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧] .ولم يأمر الله تعالى بسؤالهم إلا من أجل الأخذ بقولهم، وهذا هو التقليد.
لكن الممنوع في التقليد أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ به على كل حال ويعتقد أن ذلك طريقه إلى الله -عز وجل- فيأخذ به ، وإن خالف الدليل.
وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ، ويأخذ بما يرى أنه الصواب ، أو الأقرب للصواب.
وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه. كتاب العلم،(ص،١٥٣).
الوقفة العاشرة :
في دلالة الآية على أن المجتهد من العلماء أن الأصل في حقه عدم التقليد لأن الله قال إن كنتم لا تعلمون.
وقد نص على ذلك العلماء في كتب أصول الفقه.
الوقفة الحادية عشرة :
جواز التقليد في أصول الدين للعاجز عن معرفة الدليل لعموم الدليل.
﴿ {فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} ﴾[ النحل : ٤٣ ].
وقوله تعالى:﴿ {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ} ﴾[التغابن: ١٦ ].
نص على ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية؛ مجموع الفتاوى(٢٠٢/٢٠).
والحافظ صلاح الدين العلائي في فتح الباري (٣٥٤/١٣).وغيرهم.
الوقفة الثانية عشرة :
في دلالة الآية على يسر هذه الشريعة، فإن الله تعالى لا يكلف الناس إلا وسعهم، وذلك أنه لا يُطلب من كل الناس أن يكونوا علماء فهذا ليس بالإمكان ولا يتصور.
لذلك أمر الله تعالى في هذه الآية بالرجوع إلى أهل الذكر.
الخاتمة :
في الختام ينبغي على كل مسلم أن يتأدب بالآداب الشريعة في سؤاله لأهل العلم وعلى أهل العلم الرفق بالناس وتبيين الحق وعدم كتمانه.
وينبغي أيضا الحرص على السؤال وتعلم العلم ،فقد يكون السؤال واجبا إذا كان مما يتوقف عليه فعل واجب أو ترك محرم، وقد يكون دون ذلك من السؤال عن السنن والمستحبات والزيادة في عمل الخيرات ،وأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه جواد كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وكتبها : يزن الغانم

  • 1
  • 0
  • 3,640

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً