المقالة الثالثة
فيرد عليه الإمام أَبُو بَكْرٍ بن خزيمة ، بقوله : هَذِهِ اللَّفْظَةُ :" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ".....
- التصنيفات: فقه الصلاة -
وأرد على مقالة الشيخ الألباني -رحمه الله-: لا اعتراض على نص الحديث فهو في " الصحيحين " ولكن الاعتراض على استنباط شيء من الحديث لم يشار إليه من قريب و لا من بعيد ، أما قوله صلى الله عليه وسلم :" «فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ» ".
فيرد عليه الإمام أَبُو بَكْرٍ بن خزيمة ، بقوله : هَذِهِ اللَّفْظَةُ :" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ " مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ الْعَرَبُ: يُنْفَى الِاسْمُ عَنِ الشَّيْءِ لِنَقْصِهِ عَنِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ ،فَمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ ، لَا عَلَى مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِي.(17)
وقال الإمام القاسم بن سلام : هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عِنْدَنَا ، غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ فِي إِزَالَةِ الْعَمَلِ عَنْ عَامِلِهِ, إِذَا كَانَ عملُه عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلصَّانِعِ إِذَا كَانَ لَيْسَ بمحكمٍ لِعَمَلِهِ: مَا صنعتَ شَيْئًا ، وَلَا عَمِلْتَ عَمَلًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ مَعْنَاهُمْ هَاهُنَا عَلَى نَفْيِ التَّجْوِيدِ، لَا عَلَى الصَّنْعَةِ نَفْسِهَا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَامِلٌ بِالِاسْمِ، وَغَيْرُ عَامِلٍ فِي الْإِتْقَانِ .(18)
وفي اختصام ملائكة الرحمة والعذاب في قاتل المائة نفس بعد توبته ، قالت ملائكة العذاب :" إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ " بالرغم من توبته وصدقه فيها ، وانطلاقه إلى الأرض التي فيها أناس يعبدون الله ليعبد الله معهم ، ولكن وافته المنية في منتصف الطريق.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ» ،..."الحديث(19)
أما البداهة التي يستدل بها أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى، وأخرجوا بشرًا كثيرًا ،لم يكن فيهم مصلون بداهة ،وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم ، وهذا ظاهر جدًا لا يخفى على أحد إن شاء الله.
ومن المعلوم لنا أن أهل الجنة متفاوتون في درجاتهم فإن الجنة مائة درجة ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تفاوت العصاة من الموحدين في سيئاتهم ، ومكثهم في النار تبعًا لذلك ، ولكنهم جميعًا معهم أصل الإيمان ، ويكون خروجهم في أواخر أهل النار ، على ما معهم من إيمان وخير ، ولا بداهة تُذكر على أنهم لا يُصلون .
ويرد عليه أيضًا الإمام المروزي في " تعظيم قدر الصلاة" : أَفَلَا تَرَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ يُرْجَى لَهُمُ الْخُرُوجُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ جَمِيعًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ يُعْرَفُونَ بِآثَارِ السُّجُودِ ، فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ هُمُ الْمُصَلُّونَ ، أَوَ لَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ بِالسُّجُودِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48] ، {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . أَفَلَا تَرَاهُ جَعَلَ عَلَامَةَ مَا بَيْنَ مِلَّةِ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الصَّلَاةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ وَجَدْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا مُفَسَّرَةً تُبَيِّنُ أَنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ لَيْسَ كَافِرًا يَسْتَوْجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ.(20)
وإذا كان الله تبارك وتعالى يأمر ملائكته بأن يخرجوا من كان يعبد الله فيعرفونهم بآثار السجود ، واختبار الله تعالى لعباده بالسجود له :"فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، فنقول لطلبة الشيخ رحمه الله- هل سيسجد تاركي الصلاة لربهم مع المؤمنين ، وقد كانوا لا يسجدون لله وهم سالمون ، وهل يغيب عنا أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يوجد أحد من أمته- أمة الإجابة - إلا وهو صلى الله عليه وسلم يعرفهم بآثارهم ، غر محجلين من أثر الوضوء والسجود ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» ، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ:" سُحْقًا سُحْقًا " .(21)
وعَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « «إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» ».(22)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنَا أَعْرِفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالُوا: وَكَيْفَ تَعْرِفُهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ فِي كَثْرَةِ الْخَلَائِقِ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ دَخَلْتَ صَبْرَةً فِيهَا خَيْلٌ دُهْمٌ بُهْمٌ، وَفِيهَا فَرَسٌ أَغَرُّ مُحَجَّلٌ، أَمَا كُنْتَ تَعْرِفُهُ مِنْهَا؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ: " فَإِنَّ أُمَّتِي يَوْمَئِذٍ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ، مُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ ".(23)
ورواه الترمذي بلفظ : «أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ، مُحَجَّلُونَ مِنَ الوُضُوءِ».
و لا يذكر الشيخ -رحمه الله- هذه الأحاديث في مبحثه عن ترك الصلاة ، و لا يعرج عليها بأي ذكر .
حتى المؤمنين الذين هم أشد مناشدة لربهم في إخوانهم ممن دخلوا النار من الموحدين ، بأنهم إخوانهم الذين كانوا يصومون معهم ويصلون ويحجون ، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، ..." الحديث(24)
وعند البخاري وأحمد وابن حبان : رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا".
و مما شك فيه نقول بأن الله تعالى سيُخرج من النار ، كل من قال :" لا إله إلا الله " من النار، ممن لا ينقضون قولهم وإقرارهم بالشهادة بشيء ، لأننا نعلم جيدًا أن الذين حبسهم القرآن في النار هم الكافرون و المنافقون ، وأنه لا يُخلد في النار أحد من عصاة المسلمين .
يقول الشيخ الألباني -رحمه الله- ثالثا: يستدل بعض أهل العلم في تكفيرهم تارك الصلاة بآية من القرآن العظيم يجعلونها عماد أدلتهم في التكفير ، وهي قوله جل شأنه: { {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} } [التوبة: 11]
قالوا: وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين إقام الصلاة فمن لم يقم بها ،فلا يعد أخًا لنا في الدين.
تابوا: رجعوا عن حالهم والتوبة منهم تتضمن الإيمان
فإقامة الصلاة مشروطة ومسبوقة بالتوبة التي هي متضمنة للإيمان، إذ ذكر الله التوبة قبل ذكر الصلاة أو الزكاة ،فدل ذلك على أنها هي قاعدة الأصل في الحكم بأخوة الدين.
لذا قال الطبري في " جامع البيان " (18 / 86) :
يقول جل ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون - الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم - عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها، فهم إخوانكم في الدين ،الذي أمركم الله به ،وهو الإسلام .ويدل على ما سبق:
الوجه الثاني:
أنه قرن بالصلاة الزكاة ، فهل من تاب وأقام الصلاة، لكنه لم يزك: لا يكون أخًا في الدين ، عليه ما على المسلمين ، وله ما للمسلمين؟
إن قيل: لا بل هو أخ في الدين.
قلنا: ما هو دليل التفريق في الآية بين الصلاة والزكاة وهما مذكورتان بالترتيب والتساوي عقيب التوبة؟.
وإن قيل: ليس أخًا في الدين .
قلنا: هذا باطل من القول بيقين ليس عليه أي دليل.(25)
نرد عليه بتوفيق الله -: يعلم الشيخ -رحمه الله-أن الأمر يكون على الوجوب ، ما لم يصرفه صارف إلى الاستحباب ، كالوضوء للنوم على طهارة ، وغير ذلك ، فمثلًا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم سليك الغطفاني يوم الجمعة بصلاة تحية المسجد ، فإذا قال قائل بوجوب صلاة تحية المسجد ، قلنا له أن النبي صلى الله عليه سلم ،قال :" خمس صلوات في اليوم والليلة" وقال للصحابي الرجل من أهل نجد :": «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ».
فعلمنا أن هذا الأمر على وجه الاستحباب ، لأنها صلاة نافلة وليست فريضة ،وكذلك الأخوة في الدين فإذا كان ينطق بالشهادتين ، وأقام الصلاة ، ولكنه لم يزك ، يكون أخًا لنا في الدين ، عليه ما على المسلمين وله ما للمسلمين ، وهذا لأنكم تقولون :إذا صح الحديث فهو مذهبي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، إِلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ، وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا، إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ، تَسْتَنُّ عَلَيْهِ، كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ فَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ، كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».(26)
فصح أَنه منا ، وَإِن أَتَى بالكبائر، وفي حالته هذه لا تنتقض أخوته ، لأن تركه للزكاة لا يخرجه من الملة ، لأنكم تعلمون جيدًا أن الكافر ليس له سبيل إلى الجنة بحال من الأحوال ، والعجيب أن الشيخ -رحمه الله- له كتاب بعنوان: "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام".
فنحن بحمد الله تعالى وتوفيقه ، لا نعتقد و لا نقول بقول الخوارج بالتكفير بالكبائر ، أو بترك الحج والصيام كذلك.
ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} فعلق إخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة ، فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين ، فلا يكونوا مؤمنين لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
وقد بينا بحمد الله تعالى حكم تارك الزكاة من الأخوة .
وأقول بتوفيق الله : بل وحصر الله الولاية لأهل الإيمان الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة بعد ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم تبعًا لإخوتهم في الدين ، فقال تعالى :" {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)} (المائدة:56).
فعلى مذهب الشيخ الألباني -رحمه الله -وغيره من أهل العلم في عدم تكفيرهم لتاركي الصلاة ؛ بأنهم مسلمون ينطقون الشهادتين ويقرون بالصلاة دون جحود لها ،على تأويلهم لكلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، دون الالتفات إلى العلة التي بني عليها الحكم بالشرك والكفر لمجرد الترك للصلاة والذي عليه إجماع الصحابة رضوان الله عليهم ، وهذا يقتضي على مذهبهم لموالاتنا لتاركي الصلاة والله سبحانه تعالى لم يشرع أو يأذن لنا إلا بموالاة أهل الإيمان ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، فتأمل هذا فإنه يبطل مذهبهم في الحكم على تارك الصلاة بعدم تكفيره ،ومن قال بقولهم ، بطلانًا لا رجعة فيه .
ولذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته للمشركين من أهل الكتاب وغيرهم إلى هذه الأعمال الثلاثة من الإيمان بالله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، دون غيرهم ، ولا يقر لهم بأمر دون آخر ، قال تعالى :" {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} "(البينة :4-5).
ويقول السمرقندي : قال عز وجل: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني: وما اختلفوا في محمّد صلّى الله عليه وسلم، وهم اليهود والنصارى إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ يعني: بعد ما ظهر لهم الحق، فنزل القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم.
ثم قال: وَما أُمِرُوا يعني: وما أمرهم محمد صلّى الله عليه وسلم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ يعني: ليوحدوا الله. ويقال: وَما أُمِرُوا يعني: وما أمرهم محمد صلّى الله عليه وسلم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ يعني: ليوحدوا الله. ويقال: وَما أُمِرُوا في جميع الكتب، إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ يعني: يوحدوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ مسلمين.
وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: حُنَفاءَ يعني: متبعين. وقال الضحاك حُنَفاءَ يعني: حجاجًا يحجون بيت الله تعالى.
ثم قال: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ يعني: يقرون بالصلاة، ويؤدونها في مواقيتها وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ يعني: يقرون بها ويؤدونها.
" وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " يعني: المستقيم لا عوج فيه، يعني:
الإقرار بالتوحيد، وبالصلاة والزكاة، وإنما بلفظ التأنيث الْقَيِّمَةِ لأنه انصرف إلى المعنى، والمراد به الملة، يعني: الملة المستقيمة لا عوج فيها. يعني: هذا الذي يأمرهم محمد صلّى الله عليه وسلم، وبهذا أُمروا في جميع الكتب.(27)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: « «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» ».(28)
وفي رواية :" : « «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» » , (29)
وفي رواية : « «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» » .(30)
وفي رواية:" ««إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ»» , ..."الحديث(31)
وبوب الإمام البخاري –رحمه الله- باب بعنوان : قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ} [الروم: 31]
فيه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: « قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ هَذَا الحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنْ: الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُقَيَّرِ وَالنَّقِيرِ» ".(32)
قال ابن بطال : قرن الله التُّقى ونفى الإشراك به تعالى بإقامة الصلاة، فهى أعظم دعائم الإسلام بعد التوحيد، وأقرب الوسائل إلى الله تعالى، ومفهوم هذه الآية يدل أنه من لم يقم الصلاة فهو مشرك، ولذلك قال عمر: (ولا حظ فى الإسلام لمن ترك الصلاة).(33)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فِي حَدِيثِهِ هَذَا: « أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: اعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ» ، ..." الحديث(34)
يقول الراوي: أمرهم بالإيمان بالله وعلى أن يراد بالأمر الشأن يكون المراد معنى اللفظ ومؤدّاه وعلى هذا الفصل بمعنى الفاصل أي مرنا بأمر فاصل جامع قاطع كما في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قل آمنت بالله ثم استقم) فالمأمور هاهنا أمر واحد وهو الإيمان والأركان الخمسة كالتفسير للإيمان بدلالة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتدرون ما الإيمان بالله وحده ثم بينه بما قال. فإن قيل: على هذا في قول الراوي إشكالان. أحدهما أن المأمور واحد وقد قال أربع، وثانيهما أن الأركان خمسة وقد ذكر أربعًا.
والجواب عن الأول: أنه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصلة.
وعن الثاني: أن من عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبًا بالغرض من الأغراض جعلوا سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض مطروح ومنه قوله تعالى: {فعززنا بثالث} [يس: 14] أي فعززناهما ترك المنصوب وأتى بالجار والمجرور لأن الكلام لم يكن مسوقًا له، فهاهنا لما لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين لأن القوم كانوا مؤمنين مقرّين بكلمتي الشهادة بدليل قولهم الله ورسوله أعلم. وترحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ولكن كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما وإنهما كافيتان لهم، وكان الأمر في صدر الإسلام كذلك لم يجعله الراوي من الأوامر وقصد به أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبههم على موجب توهمهم ، بقوله: أتدرون ما الإيمان؟ ولذلك خصص ذكر أن تعطوا من المغانم الخمس حيث أتى بالفعل المضارع على الخطاب لأن القوم كانوا أصحاب حروب بدليل قولهم وبيننا وبينك كفار مضر لأنه هو الغرض من إيراد الكلام فصار أمرًا من الأوامر اهـ.(35)
وعَنْ بَهْزٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أُولَاءِ، وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى أَنْ لَا آتِيَكَ، وَلَا آتِيَ دِينَكَ، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ بِمَ بَعَثَكَ رَبُّنَا إِلَيْنَا؟ قَالَ: «بِالْإِسْلَامِ». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا آيَةُ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: " أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ , لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ يُشْرِكُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ , مَا لِي أُمْسِكُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، أَلَا إِنَّ رَبِّي دَاعِيَّ وَإِنَّهُ سَائِلِي: «هَلْ بَلَّغْتَ عِبَادِي؟» وَأَنَا قَائِلٌ لَهُ: " رَبِّ قَدْ بَلَّغْتُهُمْ أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ» .(36)
وعصمة الأنفس والأموال على مدار هذه الأعمال الثلاثة ،لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 5]
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ««أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»» (37)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ ،..."الحديث(38)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى"» .(39)
صلاح عامر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17- " كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" للإمام ابن خزيمة (465) (ص:250-251) ط.دار الحديث.مصر.
18- " الإيمان "أبو عبيد القاسم بن سلام (1/80)ط.الأولى الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع .
19- رواه البخاري(3470)،ومسلم46 - (2766)واللفظ له ، وأحمد (11687)،وابن ماجة(2622 )،وابن حبان(611 ).
20- " تعظيم قدر الصلاة " للإمام المروزي -رحمه الله-(ص:618)ط.دار العقيدة-مصر.
21- مسلم39 - (249) ، وأحمد(7993 )،وابن ماجة (4306 )، وابن حبان(1046 ).
22- البخاري(136)،ومسلم35 - (246) ،وأحمد(9195).
23- صحيح : رواه أحمد في" المسند"(17693)وقال شعيب: إسناده صحيح على شرط مسلم،والترمذي (607 ) ، والأحاديث المختارة(96 )، والبيهقي في" الشعب"(2489 )،والطبراني في"الأوسط"(4 )،وصححه الألباني في" صحيح الجامع"(1397 )،و"السلسلة الصحيحة"(1030)عن رواية الترمذي والإمام أحمد.
24- رواه البخاري(7439)،ومسلم302 - (183)واللفظ له ، وأحمد في" المسند"(11127)،وابن حبان(7377 ).
25-" كتاب حكم تارك الصلاة للألباني-ص:11-14)بقلم مقدم الكتاب
26- مسلم 26 - (987).
27-" بحر العلوم" (3/63-64)خدمة التفاسير –المكتبة الشاملة .
28 - البخاري(1496،4347)،ومسلم29 - (19)625،وأحمد في " المسند"(2071)،وأبو داود(1584 )،والترمذي(625والنسائي(2522 )،وابن ماجة(1783)،وابن حبان(5081 )،وابن خزيمة(2275).
29- البخاري (1395) ، وابن خزيمة(2346).
30 - البخاري(1458) ، ومسلم 31 - (19)،وابن حبان(156 ،2419).
31- البخاري(7372).
32- البخاري (522 )واللفظ له ، ومسلم 23 - (17)، وأحمد(2020)، وأبو داود "(3692) ، والترمذي (2611)، والنسائي (5031 )،وابن حبان(157 ).
33- "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (152/2)دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية، الرياض.
34- البخاري(3095 )، ومسلم26 - (18)،وأحمد(11175)،وأبو داود(3692 )،وابن حبان(4541 ).
35 -"إرشاد الساري" شرح صحيح البخاري للقسطلاني. (10/295)المطبعة الكبرى الأميرية- مصر-الطبعة السابعة .
36- إسناده حسن : رواه أحمد في " المسند"(20037، 20043)،ورواه ابن ماجة(234 )مرفوعًا مختصرًا على لفظ:": "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"وصححه الألباني ،وبرقم مختصرًا بلفظ :": «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ، عَمَلًا حَتَّى يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ»، والنسائي(2568 )وفي " السنن الكبرى"(2227 ،2360 ).
37- البخاري(25 )،ومسلم36 - (22)،وابن حبان(175 ).
38- رواه البخاري(610، 2945 ،4197)، ووأحمد(13140 )،أبو داود(2634)، والترمذي(1618،1550)، وابن حبان(4745 )
39- مسلم9 - (382)،وأحمد(12351)،و" الترمذي(1618)، وابن حبان(4753 ).