ما لا تقوله لنا كتب تطوير الذات!

منذ 2021-07-28

‏" عامة مصالح النفوس في مكروهاتها، ‏كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها "

ما لا تقوله لنا كتب تطوير الذات!

شاعت في الآونة الأخيرة مقولات من قبيل: 

‏حين لا تحب المكان... استبدله 
حين يؤذيك الأشخاص، غادرهم 
إذا لم يعجبك الأمر؛ فارحل...!

ورأيت غلواً في موضوع اتباع الشغف، وترك كل شيء لأجله، مع غموض مفهومه لدى الكثيرين وإبهام ميزانه عندهم.

والمتتبع لكتاب الله عزوجل يجد مواطن كثيرة فيها الحث على الصبر ومجانبة الهوى، مع التشديد على الاعتدال والتوازن.

والملاحظ أيضاً أن وصايا كتب الحكمة والتنمية الروحية قديماً تحث على تحمل المكاره ومخالفة الهوى، وتجعل ذلك هو معيار الفلاح.

قال ابن القيم رحمه الله:

‏" عامة مصالح النفوس في مكروهاتها، ‏كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها "

أتمنى منك أن تعيد قراءة هذا الكلام ببطء.. كلمة.. كلمة.. وتكرر ذلك مرتين !

‏هذه الفائدة تختصر حكمة المجربين والعارفين، وهي كالبوصلة لمن يريد رياضة نفسه وتربيتها على الفضائل والكمالات.

وسائل نفسك: لصحتي هل أتناول ما تهواه نفسي من سكريات ونشويات أو أمنعها عن الإفراط في ذلك.. ؟
لصحتي هل أستجيب لإهمالي وكسلي وأمكث الساعات على كرسيي أو سريري بلا حركة ولا مشي ولا رياضة ؟

أليس هذا لافتاً بالفعل.. ألم يقل القدماء: الصحة على أطراف الجوع بمعنى: لا تشبع !


والأعرابي يقول لصاحبه: الصحة في كلمتين:
اقصر يدك.. وأطل رجلك.. يقصد: قلل أكلك، وزد في مشيك.

 

وفي السياق ذاته الذي ذكره ابن القيم نجد التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله يقول: 

- إنكم لا تنالون ما تحبون: إلا ب "ترك ما تشتهون "

- ولا تدركون ما تؤملون: إلا ب " الصبر على ما تكرهون "  .


- وفي أكثر من مناسبة صرح الطبيب المفكر د.مصطفى محمود أن خلاصة الحكمة التي توصل إليها من قرءاته الكثيرة وتأملاته في الحضارات والثقافات والعلوم هي في هذه الجملة:

(قاوم ما تحب.. وتحمل ما تكره)..

- قاوم ما تحب = اترك ما تشتهي 
- تحمل ما تكره = اصبر على ما تكره.

والمقصود بترك الشهوات هنا أي من المحرمات والمكروهات أو التوسع في المباحات منها.. وكل شهوة "مباحة" عادت عليك بالضرر فدعها وقاومها. 
  

ولم يخرج أئمة الزهد والحكمة عن التوصية بنحو ذلك فمما نقل عن سلمة بن دينار قوله:

شَيْئَانِ إِذَا عَمِلْتَ بِهِمَا أَصَبْتَ بِهِمَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا أُطَوِّلُ عَلَيْكَ، 
قِيلَ: وَمَا هُمَا؟ 
قَالَ: 

تَحْمِلُ مَا تَكْرَهُ إِذَا أَحَبَّهُ اللهُ، وَتَكْرَهُ مَا تُحِبُّ إِذَا كَرِهَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.


وتتابعت كتب الحكمة والأقوال المأثورة على نقل هذه العبارة أو نحوها:

" إنك لن تنال ما تريد إلا بترك ما تشتهي، ولن تنال ما تأمل إلا بالصبرِ على ما تكره".

وليس من المستغرب أن نجد في التراث الغربي اتفاقاً مع هذه الحقيقة المغمورة.. فهاهو الأديب الأمريكي مارك توين يقول: 

"السبيل الوحيد لصيانة الصحة:
 أن تأكل ما لا تشتهي، وتشرب ما لا تحب،  وتعمل ما كنت تكره معظم الأحيان".

وازن بين ما يقال لك من بعض المعاصرين فيه اتباعاً لهواك.. وبين الحقيقة التي ذكرنا = حكمة كل العصور.

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي

  • 11
  • 1
  • 2,076

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً