المستظلون في شدة الحر يوم القيامة

منذ 2021-08-01

تذكَّرُوا بشدَّةِ الْحَرِّ في هذه الأيام، شِدَّةَ الْحَرِّ في موقف الحساب يوم القيامة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ».

المستظلون في شدة الحر يوم القيامة

يا عبادَ اللهِ اتقوا الله تعالى، واعتبرُوا وتفكَّرُوا في تقلُّبِ الفُصول، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37]، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}  [النور: 44].

 

وتذكَّرُوا بشدَّةِ الْحَرِّ في هذه الأيام، شِدَّةَ الْحَرِّ في موقف الحساب يوم القيامة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ»- قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ - قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ) (رواه مسلم).

 

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» (رواه البخاري ومسلم).

 

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (متفقٌ عليه).

 

وتذكَّرُوا بكثرةِ العَرَقِ في هذه الأيام، كثرةَ العَرَقِ في موقف الحساب يوم القيامة، قال: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» (رواه البخاري).

 

وذكِّرُوا نساءكم بشدَّة حَرِّ وسائل الطبخ في هذه الأيامِ بشدَّة حَرِّ النار سبعينَ ضِعْفًَا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: «فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» (رواه البخاري).

 

وتذكَّرُوا بطول نهار الصيفِ في هذه الأيام، طُولَ الوُقوفِ في موقف الحساب يوم القيامة، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج: 4 - 8]

 

عباد الله: وهناك في موقف الحساب، ومع دُنوِّ الشمسِ من رُؤوس الخلائق، واشتداد الحرِّ، هُناكَ مَن يُظلُّهم الله، جعلني الله وإياكم ووالدينا وأهلينا منهم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (رواه البخاري ومسلم).

 

وفي روايةٍ: «يُظلُّهم الله في ظلِّ عرشه» رواه سعيد ابن منصور وحسنه ابن حجر.

 

وقال ابن عبد البر: (هذا ‌أحسنُ ‌حديثٍ ‌يُروَى ‌في ‌فَضائل ‌الأعمال وأعمُّها وأصحُّها إن شاء الله، وحَسْبُك به فضلًا؛ لأن العلمَ مُحيطٌ بأن من كان في ظلِّ الله يومَ القيامةِ لم يَنَلْ هَوْلَ الموقف) انتهى.

 

وذهبَ ابنُ القيِّم وغيرُه من السلف بأن المراد بالظلِّ: ظِلُّ العرش، وذهب بعضهم بأنه ظلٌّ يخلقه يوم القيامة يُظلِّل به من شاء، واختاره ابن عثيمين، وذهب بعضهم إلى أنه ظِلٌّ اللهُ أعلم بكيفيته، فنُثبتُه من غير تأويل له، واختاره الشيخ ابن باز رحمهم الله.

 

ومن أسباب الظلِّ يوم القيامة: إنظار المعسر: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ»  (رواه مسلم).

 

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ، قَالَ لَهُ: «بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» (رواه الإمام أحمد، وصححه مُحققو المسند).

 

فلو أقرضت شخصًا عشرة آلاف ريال ثم أعسر، كتب الله لك ثواب مَن يتصدق يوميًا بعشرة آلاف ريال إلى أن يَحِلَّ الدَّين، فإذا حَلَّ دَيْنُهُ فأمهلتَهُ كتب الله لك ثواب مَن يتصدق يوميًا بعشرين ألف ريال.

 

ومن أسباب الظلِّ يوم القيامة: تَعَلُّم سورة البقرة وآل عمران: قال صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ» (رواه الإمام أحمد وحسنه ابن كثير).

 

ومن أسباب الظلِّ يوم القيامة: المحبة بجلال الله: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» (رواه مسلم).

 

ومن أسباب الظلِّ يوم القيامة: الصدقة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «كُلُّ ‌امْرِئٍ ‌فِي ‌ظِلِّ ‌صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ- أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ» - قَالَ يَزِيدُ بنُ أبي حبيب: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا) (رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند).

 

فحرِيٌّ بك أخي المسلم يا مَن تتأذى من حرِّ شمس الدنيا وتحرص على عدم التعرض للهبها وتخاف على أهلك؛ أن تحرص كل الحرص على أن تقي نفسك وأهلك حرَّ هذه الشمس يوم القيامة، قال أَبو مُوسَى: «الشَّمْسُ ‌فَوْقَ ‌رُءُوسِ ‌النَّاسِ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ، وَأَعْمَالُهُمْ تُظِلُّهُمْ أَوْ تُضَيِّحُهُمْ» «رواه ابن أبي شيبة وقوَّى سنده ابنُ حجر».

 

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

 

فيا عباد الله تَذَكَّرُوا في شدَّةِ الحرِّ في مثل هذه الأيام ما أنعمَ اللهُ به عليكم مِن تَوفِّرِ الماء البارد، ووسائل التبريد من التكييف والاستظلال في البيوت واللباس، وتذكَّرُوا مَن حُرِمَ منها من إخوانكم، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81].

 

واعلم عبدَ اللهِ أنَّ صبرَكَ على ما يُصيبُك من شدة الحرِّ مما يُكفِّرُ الله به من خطاياك، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»   (رواه البخاري).

 

واحذر من سَبِّ الصيف والحَرِّ فهو والعياذ بالله سَبٌّ لِخالقهما، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» (رواه البخاري ومسلم).

____________________________________________
المؤلف: الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

  • 6
  • 0
  • 6,631

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً