من مات مرابطا في سبيل الله يأمن فتنة القبر
أي : فتانَيْه : منكر ونكير ، أي : لا يأتيانه ، ولا يختبرانه ، بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه
- التصنيفات: الدار الآخرة -
ورد في فضل من مات مرابطا في سبيل الله أنه يأمن فتنة القبر ، وذلك يعني أنه لا يُسأل في قبره الأسئلة المعروفة الواردة في أحاديث فتنة القبر : من ربك ؟ وما هو دينك ؟ ومن هو النبي الذي بعث فيكم ؟
وإنما تشهد له مرابطته وجهاده في سبيل الله على صدقه ويقينه وإيمانه ، والمرابط في سبيل الله هو من أقام في الثغور التي يخاف فيها من هجمات العدو ، مأخوذ من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر مرابطا ، فارسا كان أو راجلا . انظر "التذكرة" للقرطبي (ص/418) .
والدليل على فضل الرباط في سبيل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها :
الحديث الأول :
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ » [ رواه مسلم (1913) ] .
قال النووي رحمه الله : " هذه فضيلة ظاهرة للمرابط ، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد ، وقد جاء صريحا في غير مسلم : ( كل ميت يختم على عمله الا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : " « وأجرى عليه رزقه» " موافق لقول الله تعالى في الشهداء : ( {أحياء عند ربهم يرزقون} ) السابقة أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة .، والأحاديث
قوله صلى الله عليه وسلم : " أمن الفتان " ضبطوا ( أمن ) بوجهين : أحدهما أَمِن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو ، والثاني : ( أُومِن ) بضم الهمزة وبواو .
وقوله " الفتان " فقال القاضي : رواية الأكثرين بضم الفاء ، جمع فاتن ، قال : ورواية الطبري بالفتح ، وفي رواية أبى داود في سننه ( أومن من فتاني القبر ) " انتهى .
"شرح مسلم" (13/61) .
وقال المناوي رحمه الله : " ( من فتان القبر ) أي : فتانَيْه : منكر ونكير ، أي : لا يأتيانه ، ولا يختبرانه ، بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه " انتهى .
"فيض القدير" (5/44) .
الحديث الثاني :
عن فَضَالَةَ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « ( كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ ، إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ )» [رواه الترمذي (1621) وغيره ، وقال الترمذي رحمه الله : حسن صحيح ، وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/113) ، وابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/124) ، وابن حجر في "فتح الباري" (12/421) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي"] .
قال الإمام السرخسي رحمه الله : " ومعنى هذا الوعد في حق من مات مرابطا - والله أعلم - أنه في حياته كان يُؤمِّن المسلمين بعمله ، فيجازَى في قبره بالأمن مما يخاف منه .
أو لَمَّا اختار في حياته المقام في أرض الخوف والوحشة لإعزاز الدين ، يُجازَى بدفع الخوف والوحشة عنه في القبر " انتهى .
"شرح السير الكبير" (1/9) .
وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج ، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) جميع الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل ، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها فليرجع إلى هذين الكتابين .
الإسلام سؤال وجواب