عبقرية صلاح الدين

تجلت عبقرية صلاح الدين العسكرية فى معركة حطين؛ فاستطاع أن يهزم جيش الصليبيين الذي زاد على 60 ألف مقاتل، بجيش إسلامي قوامه 12 ألف مقاتل، بعد أن أجبر الجيش الصليبي على النزول من مرتفعات حطين وخدعه بثغرة في صفوف الجيش الإسلامي، فحاصر الجيش الصليبي، وقتل وأسر معظم الجيش الصليبي. كما أسر ملك مملكة بيت المقدس "جي دي لوزينيان"، وأمير حصن الكرك "أرناط".

كانت جيوش صلاح الدين أقل تجهيزا وعددا من جيوش الصليبيين دائماً. ومع ذلك، هزمهم شر هزيمه بصدق إيمانه وصبره وإصراره.

أقسم صلاح الدين الأيوبى أن يقتل "أرناط" بيديه بعد أن هاجم قوافل الحجاج وقتل من فيها وهو يقول: "اطلبوا من محمدكم أن يخلصكم." فقتله صلاح الدين بيديه بعد أسره، دون مبارزة، قائلا له: "أنا نائب محمد عليه السلام".

جاهد صلاح الدين 12 عاما لتوحيد الشام وتخليص مصر من الشيعة العبيدية الذين يطلقون عليه لقب "خراب الدين" لكرههم له، بعد تمزق مملكة السلطان المجاهد نور الدين زنكى إثر وفاته، ثم تفرغ لمعركته الكبرى مع الصليبيين.

فتح صلاح الدين القدس الشريف بعد أن ظل أسيرا فى يد الصليبيين 88 عاما! وعندما استغاث بالخليفة العباسي فى حربه مع الصليبيين ليعينه عليهم قائلاً: "أعان الكفر الكفر، أفلا يعين الإسلام الإسلام؟"، كان رد الخليفة "الناصر بالله" معاتبا لصلاح الدين على إبقائه على لقبه "الملك الناصر"، مماثلا للقب الخليفة، ولم يعنه بشيء .

بعد تحرير القدس، واجه صلاح الدين الأيوبى الحملة الصليبية الثالثة؛ المعروفة بحملة الملوك، فجاهد الممالك الصليبية فى الشرق وجيوش 12 دولة أوربية وحده، فلم تستطع استرداد القدس، وأبرمت هدنة لثلاث سنوات. وكان على رأس هذه الحملة، الأسطول الإنجليزي المكون من 200 سفينة، بقيادة "ريتشارد قلب الأسد"، السفاح الذي قتل 2700 أسير مسلم. وقد طلب ريتشارد لقاء صلاح الدين، لكن صلاح الدين رفض مقابلته!

حزنت الأرض على موت صلاح الدين من شرقها إلى غربها، حتى أعدائه حزنوا عليه، لما رأوه من عظمة أخلاقه. وكان رحمه الله مشهورا بالزهد والعبادة ورقة القلب وخشية الله.

حكم صلاح الدين 24 سنة؛ قضى منها 16 سنة مجاهداً فى سبيل الله، فعاش أغلب حياته فى الخيام، ولم تفتنه حياة القصور.

دفن القاضي "الفاضل" سيف صلاح الدين معه بالقبر، وهو يقول: هذا تتوكأ عليه إلى الجنة، سيفك يشهد لك بجهاد 16 سنة في سبيل الله.