وفاء المرأة لزوجها

محمد سيد حسين عبد الواحد

المرأة ذات العقل والدين تجعل من بيتها مستقراً لراحة زوجها وسكنه وأنسه ..بيتها لا ترتفع فيه الأصوات ولا مكان فيه للخصام ولا للعناد

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

وعنْد الإمام أحمد من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « « إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» »

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعد الحديث عن وفاء المرء لزوجه ودلالته على مروءة الرجل وشهامته وكرمه ونبله آن لنا أن نتحدث عن وفاء المرأة لزوجها فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يؤلف بين قلوبنا وبين قلوب أزواجنا وأن يصب علينا الخير صباً ولا يجعل عيشنا كداً كداً  ..

# أيها الإخوة المؤمنون : 
كما أن للمرأة حق على زوجها على المرأة واجبات .. وكما أن للرجل حق على زوجه على الرجل واجبات قال الله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

وفاء المرأة لزوجها إن دل على شئ فإنما يدل على صدقها وأمانتها وعفتها وكرم أصلها وحسن أخلاقها ..

قلت :وفاء المرأة لزوجها فيه دلالة على رجاحة عقلها وصدق إيمانها وتأكيداً لمحبتها وتمسكها بدينها وعملها بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم  ..

لما قدم معاذ بن جبل من الشام دخل على رسول الله فسجد بين يديه فقال النبي صلى الله عليه و سلم « ما هذا يا معاذ ؟ قال يا رسول الله أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لرؤسائهم وأمرائهم وأحبارهم ورهبانهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك فأنت أجل من الرؤساء والأمراء وأكرم من الأحبار والرهبان أفلا نسجد لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه »  بتصرف .قال الألباني : حسن صحيح.

جائت نصوص القرآن والسنة أيها المؤمنون تقول إن وفاء المرأة لزوجها معناه فوزها وفلاحها فى عاجل أمرها وآجله كما اجتمع قلبيكما على الوفاء فى الدنيا فسيجمع الله بينكم فى الآخرة فى جنته ومستقر رحمته يوم القيامة دعت لكما الملائكة بذلك فقالوا  {ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت  العزيز الحكيم

جائت النصوص تقول للمرأة المسلمة:
 إن رضا الله عنها مرهون برضا زوجها .. تقول إن حسن تبعل إحداكن لزوجها وحسن عشرتها معه لهى سفينة نجاتها وسبيل سعدها فى الدنيا والآخرة ..

 قال الله تعالى :-
{إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم }

قال حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَتت عمة لى بيت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْضِ حَاجَتها فلما فرغت منها وهمت بالخروج « َقَالَ لها رَسُول اللَّهِ يَا هَذِهِ أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ ؟ قُلْتُ نَعَمْ يا رسول الله قَالَ فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ قَالَتْ مَا آلُو إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ يعنى أخدمه ولا أقصر فى حقه إلا فيما لا أطيق فقَالَ لها صلى الله عليه وسلم فَانظرى أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّما هو جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» ».

 ( مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِى نَفْسِهَا وَمَالِهِ »كما قال النبى صلى الله عليه وسلم

إذا رُزق المرء المسلم بزوجة صادقة أمينة عفيفة النفس نظيفة اللسان تحفظ قدره وتعرف فضله وتحسن اليه فى نفسه وماله وولده وعرضه فقد رُزق خير متاع الحياة الدنيا رُزق السعادة والهنا ورؤى فى وجهه البهاء والضيا 

# وفاء المرأة لزوجها يعنى :-
أن تعاشر المرأة زوجها بحسن السمع والطاعة  إلا فيما يغضب الله تعالى فلا طاعة لبشر فى معصية الله تعالى إنما الطاعة فى المعروف .

المرأة ذات العقل والدين تجعل من بيتها مستقراً لراحة زوجها وسكنه وأنسه ..بيتها لا ترتفع فيه الأصوات ولا مكان فيه للخصام ولا للعناد ولا للشقاق تُجازى المؤمنة على ذلك من ربها خير الجزاء 
جاءت أسماء بنت يزيد إلى رسول الله فقالت أنا وافدة النساء إليك وما منهن امرأة علمت أو لم تعلم إلا وهي تهوى مخرجي إليك 
الله رب الرجال والنساء وإلههن وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال وحدهم فإن أصيبوا أثيبوا وإن قتلوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، ونحن معاشر النساء نقوم عليهم ونحفظ أموالهم وأولادهم وأعراضهم فما لنا من ذلك الأجر ؟ 
فالتفت رسول الله الى أصحابه فقال هل لقيتم امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه قالوا والله يا رسول الله لم نحسب أن امرأة تهتدى الى ما اهتدت اليه فقال يا أسماء أبلغي من لقيت من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها والاعتراف بحقه يعدل ذلك ) يعدل ماذا ؟! يعدل أجر الجهاد في سبيل الله! قال رسول الله وقليلٌ منكن من يفعله )

أمنا خديجة رضى الله عنها :-
جعلها الله تعالى سبباً تتعلم منها الزوجات كيف يكون أوفياء  .. دخل عليها زوجها رسول الله فى ليلة من ليالى رمضان وقلبه يكاد ينخلع من صدره فزعاً ورعباً ما أن فتحت له الباب حتى قال زملونى دثرونى فعمدت رضى الله عنها الى لحاف عندها فجعلته على رسول الله وجلست الى جنبه تؤنسه وتُذهب وحشته وهو يقول أى خديجة لقد خشيت على نفسى وهى تجيبه :
 (كَلاَّ أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتُقْرِى الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ) 

هو يقول لها أى خديجة ما لى لقد رأيت فى الغار ملكاً عظيما أخذنى فغطنى ثلاث مرات حتى رأيت الموت وفى كل مرة يقول اقرأ فأقول ما أقرأ ؟ 
فيقول  {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ

أى خديجة لقد خشيت على نفسى فتقول (كَلاَّ أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتُقْرِى الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ والله لا يخزيك الله أبداً )

نزلت كلمات الزوجة الوفية على قلب زوجها برداً وسلاماً فذهب عنه الرعب والفزع ثم أخذت بيده حتى أدخلته على رقة بن نوفل فقص عليه النبى ما رأى وما سمع فى الغار فقال هذا الناموس الذى كان يتنزل على موسى .. يا محمد أنت الرسول المنتظر أنت نبى آخر الزمان .. 

سمعت خديجة ما سمع رسول الله فعقدت العزم من يومها ألا تتخلى عنه عزمت أن تواجه معه المحن وعزمت أن تقف وراءه ووراء دعوته بنفسها ومالها وحسبها ونسبها حتى يصل برسالة الله الى عباد الله قلت هذا فيما يبدوا للناس .. 

أما فيما بينها وبينه فكانت الحياة فى بيتهما سلاماً وأماناً لا عناد ولا نصب ولا صخب .

ولأن الجزاء من جنس العمل شرَّف الله خديجة فذكرها فى الملأ الأعلى نادى على أمين السماء فقال يا جبريل إنزل الآن الى محمد فأبلغه أن الله يسلم على خديجة ويكافئها على جهدها ويبشرها ببيت فى الجنة من لؤلؤة مجوفة لا فيها لغو ولا تعب ولا نصب 
نزل الأمين فقال يا رسول الله هذه خديجة أتتك بطعام فإذا هى أتتك فأقرأها من الله السلام ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

فلما بشرها رسول الله قالت إن الله هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام يا رسول الله ولعلها علقت على بشارة ربها بلسان حالها فقالت ( الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله )

من دروس الحديث عن حياة خديجة زوج نبينا صلى الله عليه وسلم أن تعلم كل مسلمة :-
أنها لزوجها لا عليه .. تزيده ولا تنقصه.. تعينه ولا تعن عليه .. تنصره ولا تنصر عليه .. تجبر كسره وتسد حاجته وفقره هكذا فعلت خديجة رضى الله عنها مع زوجها رسول الله وكذا فعلت زينب مع زوجها عبد الله بن مسعود .

فى جلسة بين رسول الله وبين المسلمات قال يا معشر النساء تصدقن من حليكنّ قالت زينب فرجعت الى عبد الله فقلت إنك رقيق الحال وإن رسول الله أمرنا بالصدقة فقال عبد الله إى والله يا زينب أنا وأولادى أحقَّ من تتصدقين عليه .

قالت فأت رسول الله فسله إن كانت الصدقة عليك تجوز منى تصدقت عليك قال ائته أنت يا زينب قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله تسأل سؤالى قالت وكان رسول الله قد ألقيت عليه المهابة فقلنا يا بلال ائت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أيحق لهما الصدقة على أزواجهما فدخل بلال فسأل .. فقال النبى ومن السائلتين قال امرأة من الأنصار وزينب زوج ابن مسعود فقال ارجع إليهما فقل نعم يتصدقا على أزواجهما ولهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة .

 من صور الوفاء من المرأة لزوجها وإكرامها له :-
ألا تقطعه من أهله بل تعينه على صلتهم والتقرب اليهم ومن الوفاء إحسانها الى أبويه والتودد اليهما والصبر عليهما والتحبب إلى ذوى أرحامه إكراماً له قلت وهكذا كانت تفعل خديجة رضى الله عنها مع ذوى أرحام رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأل الله تعالى أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأن يجعلنا للمتقين إماما ..

الخطبة الثانية 
أيها الإخوة المؤمنون بقى لنا فى ختام الحديث أن نقول إن وقع خلاف بين الزوجين أو وقع بينهما طلاق أو فراق أن يحفظ كلٌ منهما لسانه عن الآخر فلا يتكلم أحدهما عن أسرار صاحبه ولا خباياه ولا أمواله ولا عيوبه.
 
فقد ثبت أن من صفات أهل النفاق أنهم إذا حدثوا كذبوا وإذا عاهدوا غدروا وإذا ائتمنوا خانوا وإذا خاصموا فجروا .

أما إذا فارق الزوج الحياة فمن الوفاء له ومن رعاية حرمته أن تحتد عليه زوجه أربعة أشهرٍ وعشرة أيام .. لا تخرج من بيتها خلالها إلا لضرورة ولا تتزين ولا تنكح زوجاً غيره ولا تُخطب .

قلت: ولا حرج فى شرع الله أن تنكح المرأة زوجاً آخر بعد موت زوجها وانقضاء عدته إن خافت على نفسها العنت قال الله تعالى { والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهنَّ بالمعروف والله بما تعملون خبير

لكن إذا آثرت المؤمنة تمام الوفاء لزوجها ورأت ألا تنكح زوجاً غيره ورأت أن تترمل على أيتام فى حجرها وأمنت على نفسها فقد أحسنت .

 لما مرض أبو الدرداء جلست إليه أم الدرداء فقالت إنك خطبتنى الى أبوى فى الدنيا فأنكحوك وأنا أخطبك الى نفسى فى الآخرة قال فإن أردت ذلك فلا تنكحى بعدى زوجاً آخر لأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
{ المرأة لآخر أزواجها
ففعلت أم الدرداء وردت الخُطَّابَ وكان منهم معاوية رجاء ألا يفرق بينها وبين أبى الدرداء يوم القيامة ورجاء أن تفوز ببشارة رسول الله التى قال فيها أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أنى أرى امرأة تبادرنى وتزاحمنى فأقول لها مالك ومن أنتِ فتقول يا رسول الله أنا امرأة مات بعلى فقعدت وترملت على أيتام فى حجرى .